في حوارية بين كاتب ومترجمه: الترجمة بين «كشف» كيليطو و«فضح» بنعبد العالي

لم تخل جلسة الكاتب عبد الفتاح كيليطو ومترجمه الأستاذ عبد السلام بنعبد العالي، يوم الجمعة ضمن فعاليات الدورة 27 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، من مناوشات أدبية بين اسمين ارتبطا عند القارئ العربي بمشروع رام صاحبه «عاشق اللسانين»، تحيين الكلاسيكيات الأدبية العربية والغربية، وأخذ فيه على عاتقه مترجمه بنعبد العالي، توسيع قاعدة قرائه بالعالم العربي وبالتالي إعادة قراءة هذا التراث الأدبي.

 

مناوشات توقفت عند «الكشف» و»الفضح»، بين «الحنين» و»الشوق»، بين «تنافر» و»انجذاب»… حالات لا يعيشها المؤلف ومترجمه بقدر ما تربط بين نص ونص، بين لغة ولغة، بين ثقافة وأخرى.
هكذا جعل صاحب «أتكلم جميع اللغات، لكن بالعربية» ومترجم أغلب ما كتبه بالفرنسية، عبد السلام بنعبد العالي، الحضور الذي غصت به قاعة شالة، موزعا بين الأصل والنسخة ومن منهما مدين للآخر، فحين يقول كيليطو عن «استحالة وجود ترجمة قبل الأصل، وأن الأصل بذاته مدين للترجمة يطلبها ويحن إليها»، يجيب بنعبد العالي أن «الخبز الحافي» لمحمد شكري «، قرئت ترجمتها قبل نصها الأصلي» قبل أن يتفقا على كلمة سواء حين ساق كيليطو مثالا بمسرحية «فاوست» التي ترجمت الى الفرنسية قبل قراءتها في أصلها الألماني.
وإذا كان بنعبد العالي يرى أن الترجمة هي التي تسلط الضوء على النص الأصلي بل تكشف للمؤلف أيضا ما تضمره اللغة الأصلية، وقد تبين نواقص الأصل، وأن « اللغة بفعل الترجمة لا تكتفي بجذب الأخرى وأخذ معناها، بل تسعى لفضحها»، فإن مؤلف «أنبئوني بالرؤيا»، لا يرى في عملية «الفضح» هاته نقصا، بل «تعرية وكشفا» ليس بين نص ونص بل بين لغة ولغة، موضحا أن عملية الترجمة «تسلط الأضواء على النص الأصلي ، فتكشف للمؤلف نفسه ما تضمره اللغة الأصلية».
وإذا كانت سهام النقد توجه دائما للمترجم بفعل انزياحه أحيانا عن «الأمانة» في نقل النص الأصلي، وهو ما يجعله في وضعية «متهم « كما يقول بنعبد العالي، فإن هذا الأخير يرى أن المؤلف كذلك شريك في « تهمة الإخلال بالمعاني»، إذ أن عملية الترجمة فوق المترجم والمؤلف وهي عملية فاضحة لكليهما ، مؤكدا أن المؤلف لا يملك سلطة على نصه بسبب الكثافة السيميولوجية التي تجعل صاحب النص عاجزا عن حصرها، إذ كثيرا ما تكشف الترجمة أن المؤلف لا يتملك معاني نصه ولا يتحكم فيها، ما يعني أن الترجمة عملية معقدة تتجاوز المؤلف والمترجم لأن الكتابة «ترسب بقايا تنفلت من كل رقابة شعورية وتجعل النص ينفلت من قبضة صاحبه، كما تجعل المعنى ينفلت ويمتد في اختلافه عن ذاته».
وبينما يعتبر بنعبد العالي أن كل مؤلف «يخفي وراءه مترجما أو مترجمين»، وأن» في قلب كل كاتب يقبع مترجم»، يرى كيليطو أن في «قلب كل كاتب لا يسكن مترجم، بل مترجمون»، لأن النص واحد لا يكاد يتغير فيما المترجمون يشكلون سلسلة عبر التاريخ، مضيفا أنه لا يمكن أن يتفق مترجمان، خصوصا حينما ينتمي العمل المترجم الى الأدب بل قد يتجاوز الأمر حد الاختلاف إلى العداوة، وهو ما لا يمكن أن يحدث بين الأصل وترجمته إذ يعتبر كيليطو أن «المحبة ثابتة» بينهما، بل إن «حياة كليهما رهينة بوجود الآخر» وأحيانا قد يوجد تنافر بينهما، لكنه في الحقيقة بين لغتيهما. فالترجمة لا تفي ولا يمكنها أن تفي بالغرض لأن النص المترجم «يعْلق بالنص الاصلي ويحنُّ إليه، كما لا يمكنه أن يكون بدونه»، تعلقٌ يجيب عنه بنعبد العالي في المقابل بـ»حنين النص الأصلي إلى ما يتمم لغته ويكمل نقصه».
من المدين للآخر: النص الأصلي أم المترجم؟ وما الذي يجمع بينهما؟
يرى كيليطو أن كلا النصين مرتبطين بوشيجة الحنين الى الآخر، وهذا الحنين هو ما يجمع الأصل بترجمته. فبالقدر الذي يعني الحنين والشوق أنهما منفصلان، يؤكد في الآن نفسه أنهما كانا في البدء متحدين، فيما يرى بنعبد العالي أن الأصل لا يغني عن ترجماته، فكلا النصين مدين للآخر، ولكن هذا الدين لا يلزم المترجم إزاء المؤلف، بل يلزم نصا إزاء نص ولغة تجاه أخرى، كما أن النسخ مدينة لأصولها ولو أن الأصل هو أول مدين، ما يقودنا حسب عبد السلام بنعبد العالي إلى القول بأن هذه العلاقة المتبادلة للدين تجرنا «الى العودة الى الأصل حين نكون في الترجمات ، والى الخروج الى الترجمات حين نكون في النص»، متوقفا عند عملية النشر التي تتجاوز نشر النص إلى خلق علاقة تفاعلية ينسجها النص المترجم مع المتلقي الذي يساهم، بدوره، في إعادة ترجمة يكمل بها نقص النص ويكشف عيوبه، مادامت الترجمة في عمقها علاقة بين ثقافتين وفضاءين لا تجمع بين مؤلفين ومترجمين بل بين نصوص. كما أن اللغة لا تشتغل إلا مقارنة بأخرى، وفي اقتران معها.
الكاتب في وضعية ترجمة لا تتوقف، ففي كل كتابة لا تكمن ترجمة بل ترجمات، ولهذا تغدو كل ترجمة حسب بنعبد العالي، إعادة ترجمة، خاصة حين ينقب كل مترجم عن اللغة الثاوية خلف النص أو خلف لغاته، وهو ما لا يتوفق فيه الكثيرون خاصة أن النص يتحول عبر هذه الانتقالات، وهو ما يتفق معه صاحب «العين والإبرة « حين يؤكد أن «النص الحي هو الذي تعاد ترجمته»، معتبرا أن «توقف الترجمة يعني وفاة النص».
انتهت الجلسة، دون أن ينطق بالحكم ليبقى السؤال معلقا: من يحتاج الى الآخر: المترجَم إلى أصله، أم المؤلِف الى مترجِمِه؟


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 06/06/2022