في دراسة تقييمية حول تجربة التعليم عن بعد بالمغرب %65من تلامذة الابتدائي أكدوا عدم توفر مدارسهم على شبكة الأنترنيت و%75مدارسهم تفتقر لقاعة متعددة الوسائط

أنجزت الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بشراكة مع منظمة اليونيسف دراسة تقييمية حول التجربة غير المسبوقة للتعليم عن بعد بالمغرب، وذلك لغاية التعرف على الممارسات والفرص والتحديات على المستوى البيداغوجي خلال جائحة كورونا. واعتبرت الدراسة أنه كان من اللازم، في هذا الإطار، فحص ومساءلة تمثلات الأساتذة وكذا الأخذ بعين الاعتبار سلوكات التلاميذ وأولياء أمورهم تجاه التعليم عن بعد، وأظهرت نتائج هذه الدراسة، التي اعتمدت إطارا مفاهيميا يجد مرجعيته في أبحاث أكاديمية وتقارير منظمات دولية وضعت أزمة التربية العالمية في زمن الجائحة تحت مجهر تحليلاتها وملاحظاتها، أظهرت أن تجارب الأساتذة والتلاميذ مكنت من تحديد مقدمات أولية لتغيير نموذج العلاقة بين الأستاذ والتلميذ وكذا طرق التدريس.

 

تحديات التعليم عن بعد

حسب الدراسة فإن الأزمة الوبائية التي عرفها ويعرفها المغرب وباقي دول العالم، جاءت في سياق تعرف فيها المنظومة التعليمية أصلاحا مهما يستجيب لتوصيات الرؤية الاستراتيجية ومقتضيات القانون الإطار 17-51 المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي، وهو الإصلاح الذي يعتبر مواضيع الإنصاف والجودة من الدعائم الأساسية التي يتأسس عليها، وفي إطار الانخراط في هذا الإصلاح اتخذت السلطات العمومية إجراءات استهدفت، على وجه الخصوص، التعلمات والمضامين البيداغوجية وتكوين الأساتذة وتطوير العدة الرقمية باعتبارها، حسب ما جاء في الدراسة، وسيط التدريس ووسيلته، حيث يضع القانون الإطار17-51 الصادر سنة 2019 إصلاح التربية والتربية على الرقميات في صلب التحول الذي يجب أن تعرفه التربية للعمل وفق مبدئي الإنصاف والجودة، كما تم اعتبار تقوية إدماج تكنولوجيا الإعلام والتواصل في تحسن جودة التعلمات وإنشاء مختبرات وإنتاج المحتوى الرقمي وتطوير التعلم عن بعد مكملات للتعليم الحضوري، وجاءت الأزمة لتفرض اعتماد نظام التعليم عن بعد وتم تعزيز هذا المسار من خلال اعتماد مجلس الحكومة بتاريخ 15 يوليوز 2021 مشروع مرسوم رقم 2.20.474 المتعلـق بالتعلـم عـن بعـد، الذي يحدد في مادته الأولى، “شروط وكيفيات تقديم التعلم عن بعد لفائدة المتعلمين والتعليم والتكوين المدرسي والمهني والجامعي بالقطاعين العام والخاص”، أما مادته الثانية فقد اعتبرت التعلم عن بعد “مكملا للتعلم الحضوري وشكلا من أشكال التدريس والتكوين الذي تقدمه مؤسسات التربية والتكوين بصفة مؤقتة أو دائمة باستخدام وسائل تكنولوجيا المعلوميات ووسائل الاتصال الحديثة، بما يضمن الاستمرارية في تقديم كل خدمات التربية والتعليم والتكوين”.
وسلطت الدراسة الضوء على التحديات التي واجهت السلطات العمومية بسبب تفشي وباء كوفيد 19، وتأثير ذلك على السير العادي للدراسة، واللجوء إلى فرض التعليم عن بعد كحل لمواجهة هذه الأزمة العالمية، لكن حلا كهذا لم يكن اعتماده سهلا أو في متناول جميع المتمدرسين أو الأساتذة على حد سواء، حيث طرحت، بشكل حاد، مسألة قدرة المؤسسات التعليمية على تنظيم التعليم عن بعد، وحسب ما جاء في نفس الدراسة، فقد كشف جرد لوضع معدات تكنولوجيا المعلوميات والاتصالات والولوج إلى الأنترنيت في المؤسسات المغربية عن قدرات محدودة لا تسمح بالاستجابة المناسبة للأزمة من خلال تعليم عن بعد في متناول جميع المتمدرسين…
وبهذا الخصوص أكدت الدراسة أنه وفقا للبرنامج الوطني لتقييم المكتسبات (PNEA2019)، فإن ثلاثة أرباع تلامذة المدارس الابتدائية (75 ٪) أكدوا أن مؤسساتهم لا تتوفر على قاعة متعددة الوسائط، فيما أشار 65 ٪ منهم إلى أن مؤسساتهم غير متصلة بالأنترنيت، وهذه النسب تصل عند تلاميذ السلك الثانوي الإعدادي، على التوالي، إلى 53 ٪ و49 ٪، وفي ما يخص آلة العرض(Data Show) فقد صرح 38 ٪ من تلامذة المدارس الابتدائية أن مؤسساتهم لا تتوفر عليها، مقابل 32 ٪ بالسلك الإعدادي. أرقام أخرى كشفت عنها الدراسة أظهرت أن 74 ٪ من تلامذة المدارس الابتدائية أكدوا عدم توفر مدارسهم على موقع على شبكة الأنترنيت، مقابل 49 ٪ من تلامذة السلك الإعدادي.
هي أرقام تقرب المتتبع من حجم النقص الذي تعاني منه المدارس المغربية في تكنولوجيا المعلوميات والاتصال رغم المكانة التي أعطيت لهذه الأخيرة ضمن محاور إصلاح المنظومة التربوية منذ صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين، تورد ذات الدراسة، مشددة في هذا الإطار على ضرورة إدماج تكنولوجيا المعلوميات والاتصال في المنظومة التربوية خصوصا في ظل أزمة كوفيد 19 التي أرخت بظلالها على العالم وكذا بسبب مختلف المخاطر الصحية أو البيئية وغيرها التي قد تواجهها المدرسة وتهدد الدراسة داخلها.

82 % من الأساتذة التزموا بالتعليم عن بعد في ظل افتقارهم للإمكانيات

في ما يتعلق بالأساتذة ومدى التزامهم بهذا النمط من التعليم فقد بينت نتائج هذا التقييم أن الأساتذة أثبتوا التزامهم من أجل الاستمرارية البيداغوجية، وهكذا أظهرت النتائج أن 82 ٪ منهم مارسوا التعليم عن بعد خلال فترة الحجر الصحي مقابل17.4٪ لم يمارسوه، وكانت نسبة الأستاذات اللواتي مارسن التعليم عن بعد، حسب ما كشفت عنه أرقام هذه الدراسة، أكثر بقليل من نسبة الأساتذة الذكور (85 ٪ مقابل81) ، وأرجعت الدراسة هذه النسبة إلى كون الأستاذات واجهن إشكاليات الجائحة على المستويين الشخصي والمهني واضطررن إلى ممارسة التعليم عن بعد دون الإخلال بواجباتهن الأسرية . نفس الدراسة كشفت أن خمس الأساتذة بالوسط القروي لم يمارسوا التعليم عن بعد، وهو ما يحيل إلى كون تلامذتهم حرموا من التعليم في زمن الجائحة.
أما بخصوص مستوى الأسلاك التعليمية فقد بينت المعطيات أن نسبة أساتذة التعليم الابتدائي هي الأكبر في عدم ممارسة هذا النوع من التعليم، ( 21 ٪ مقابل 14 ٪ بالسلك الإعدادي و13 ٪ بالسلك الثانوي).
ولم تغفل الدراسة الحديث عن الوسائل والتطبيقات التي تم استعمالها في هذا النمط من التعليم الذي فرضته الجائحة، حيث بينت أن أكثر تطبيق تم اللجوء إليه هو تطبيق “الواتساب” رغم أن هذه الوسيلة تعتبر غير ملائمة تبعا للقانون المتعلق بالمعطيات الشخصية للأشخاص العاديين، مؤكدة أن هذه الطرق تشكل مخاطرة في استعمال المحتوى الرقمي ومشاركته عبر قواعد بيانات قد تحرف الغاية الأساسية من ورائها، ورغم أن هذا الاستعمال للوسائط الرقمية يساهم في الاستمرارية البيداغوجية إلا أنه، تشدد الدراسة، يسبب مخاطر نفسية واجتماعية كاضطرابات الإفراط في استعمال الأنترنيت والإرهاق.
وفي ما يتعلق بتطبيق “تلميذ تيس” الذي طورته وزارة التربية الوطنية فقد تم تقويمه من طرف الأساتذة بأنه متوسط إلى جيد( 58.8 ٪)إلا أن نسبة استعماله من طرفهم لم تتجاوز21.3 ٪ حسب ما صرحوا به، ووجد بعضهم أنه برنامج غير مناسب لتلامذتهم خصوصا أساتذة التعليم الابتدائي فيما صرح أساتذة السلك الثانوي أنه يفتقر للتفاعل.
وبخصوص إتقان الأساتذة لتقنيات التكنولوجيا والإعلام فقد صرح 13.5 ٪ من المستجوبين أنهم لا يتقنونها، بالمقابل 67 ٪ منهم مستواهم متوسط و19.4 ٪ مستواهم جيد أو جيد جدا في استعمال الرقميات، ولوحظ، في ذات البحث، أن أساتذة الوسط القروي أكثر تمكنا من تكنولوجيا الإعلام من نظرائهم المزاولين بالوسط الحضري في المستويين الأولين، كما تبين أن الأساتذة ذوي أقل من خمس سنوات في الأقدمية يتمتعون بمستوى عال من التمكن لكن هذا المستوى يعكس في المستوى المتوسط للأساتذة ذوي الأقدمية، وخلصت الدراسة في هذا الإطار، إلى أن أساتذة السلك الابتدائي لا يتمتعون بمستوى عال من التمكن من تكنولوجيا الإعلام والاتصال لذا فإن الاستفادة من المستوى المتوسط المعبر عنه عبر التكوين والتأطير ووضع المحتويات البيداغوجية أمر مفيد للقيام بالقفزة النوعية على المستوى الرقمي في المنظومة البيداغوجية، تؤكد ذات الدراسة.
النقص في الوسائل الأساسية للتعليم عن بعد والمستوى التعليمي للتلاميذ من أسباب عدم رضا الأساتذة المستجوبين عن هذا النوع من التعليم، حيث كشفت الدراسة أن 62 ٪ منهم غير راضين في مقابل 35 ٪ عبروا عن رضاهم عن هذه التجربة.
التلامذة ونمط التعليم عن بعد

أثر الحجر الصحي والتعليم عن بعد على مسار تعلم التلاميذ الطبيعي، في ظل إغفال السلطات العمومية للمواكبة النفسية للتلاميذ رغم تأكيد الدراسات على التأثير السلبي للجائحة على صحة المتمدرسين، وقد أبرزت الدراسة بهذا الخصوص أن تغير نمط التعليم وتبني نظام التعليم عن بعد قد أثرا على الموارد المسخرة، فتوفر وسائل تكنولوجيا المعلوميات والربط بشبكة الأنترنيت وتمكن الآباء من المتابعة والتأطير كلها عوامل شكلت عقبات أمام التعلم عن بعد، حسب ما أورد البحث المنجز، الذي سلط الضوء أيضا على مبدأ عدم المساواة في التعلم المرتبط بظروف العيش، حيث أن تلاميذ ينحدرون من الأسر الفقيرة واجهوا،حسب تصريحاتهم، ظروفا صعبة في التعلم إضافة إلى نقص أو انعدام الأدوات للتمكن من متابعة الدروس.
اضطراب ظروف التدريس، حسب البحث، أثر بشكل واضح على مكتسبات التلاميذ وقد لوحظ هذا النقص مباشرة بعد الدخول المدرسي(2020-2021).
وعن التقييم السلبي للتعليم عن بعد عبر36 في المئة من المستجوبين عن الجانب السلبي للتعلم عن بعد فيما أكد 27.5 العكس في حين اعتبر 13.5 أن لا تأثير له على تعلمات التلامذة.
وعن نسبة حضور المتمدرسين في التعليم عن بعد عبر أكثر من نسبة الأساتذة المستجوبين (52 ٪) أن نسبة الحضور في الفصول الدراسية عن بعد كان ضعيفا إلى ضعيف جدا، ويرجع ذلك، حسب البحث، إلى تأثير القيود والعراقيل التي يعيشها التلاميذ من قبيل عدم التوفر على الوسائل الرقمية وعدم الربط بشبكة الأنترنيت، وهذه النسبة هي أضعف بكثير بالوسط القروي.

آفاق التعليم عن بعد المستقبلية
أكدت الدراسة أن فكرة إدماج التعليم عن بعد في المنظومة التربوية كان اختيارا مبرمجا منذ وقت طويل إلا أنه وخلال فترة الحجر الصحي أدركت هيئة التدريس ومعها المنظومة التعليمية أنها غير مستعدة لهذا النمط من التدريس، حيث من الضروري العمل على تطويره وتوفير المعدات التكنولوجية لكل من الأساتذة والمتمدرسين وتطوير أدوات التعلم الجماعي ولا سيما المنصات الرقمية، وفي ما يتعلق بتكوين الأساتذة أشار البحث إلى أن القانون رقم 2.20.474 المتعلق بالتعليم عن بعد نص في مادته التاسعة على تكوين الأساتذة المتخصصين في التعليم عن بعد وإدماج دروس إضافية حول التقنيات المعلوماتية والتواصل في كل أسلاك المنظومة التربوية كما نصت المادتان 9و13 على ضرورة وضع الأدوات الضرورية للتعلم عن بعد داخل المؤسسات التعليمية، رهن إشارات الأساتذة والأطر البيداغوجية والإدارية.
أما بخصوص التلاميذ فتخلص الدراسة إلى أن من ضمن المشاريع التي تمت صياغتها لتفعيل القانون الإطار 17-51 مشروعا يتعلق بإلمام التلاميذ بالمهارات المتعلقة بالقراءة المعلوماتية واستعمال الوسائل الرقمية وتعميم مادة الإعلاميات.

 


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 25/11/2021