قضايا من التاريخ الجهوي للجنوب المغربي خلال القرن 19 من دار إيليغ إلى سان لوي «Saint Louis»: بحث في انهيار اقتصاد تازروالت – 26-

تكتسي الكتابة حول تاريخ الجنوب المغربي دورا مهما في إغناء المكتبة التاريخية المغربية، نظرا لأهمية هذا المجال في فهم واستيعاب العلاقة بين المركز والهامش ، أي العلاقة بين السلطة المركزية والقبائل وتمكننا دراسة هذه العلاقة بشكل يستجيب والموضوعية التاريخية إمكانية كتابة التاريخ من أسفل. ولعل ما كُتب حول الجنوب المغربي لا يغطي متطلبات الباحثين من مختلف مشارب المعرفة الانسانية، بمن فيهم المؤرخين الذين وجدوا صعوبات ما تزال قائمة لصياغة مونوغرافيات مركبة تتماشى والتوجه الجديد في الكتابة التاريخية الجديدة والتي تركز على التاريخ الاجتماعي والاقتصادي وتاريخ الذهنيات وتاريخ المهمشين أو المسكوت عنهم في الكتابة التاريخية.

 

سوف نحاول في هذه النقطة أن نستنطق بعض الوثائق التي أتيحت لنا قراءتها وفحص مضانها للخروج بفكرة عن التحول الجذري الذي لحق بالعلاقة بين المخزن المركزي الذي يمثله السلطان، والمخزن المحلي الذي يمثله “محمد بن الحسين أهاشم” بعدما عين قائدا مخزنيا على القبائل التي أشرنا إليها سابقا. وسوف تجمع هذه المراسلات على أن الشيخ أصبح عين من أعين المخزن بدون منازع، كما أنه سيوظف في مهمة استخباراتية على آل بيروك مما يعني أن القيمة الروحية للزاوية والدار ستفقد شرعيتها على المستوى الداخلي، و بالمقابل يمكن القول أن دار إيليغ استرجعت أمجادها بفضل المخزن بعدما نكست في حرب تارغنا التي كانت وصمة عار على تاريخ الزاوية ودار إيليغ.
أصبحت كلمة شريف تازروالت مباشرة بعد الحركة الأولى مسموعة ولا ترد، فلا غرابة إن وجدناه يتدخل في تمديد أو تقليص مناطق نفوذ القواد الذين عينوا خلال هذه الحركة، كما أن السلطان لا يرد له مطالبه ضمانا لولائه، هكذا فقد تدخل الشريف محمد بن الحسين أهاشم في إلحاق منطقتي “تسنولت والجوابر” المريبطيتين وكذلك “أزيكة” لحليفه قائد المعدر، فقد جاء في إحدى مراسلات السلطان ما يلي : “خديمنا الأرضى القائد محمد بن المرابط الأجل السيد الحسين أهاشم وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله، وبعد وصل كتابك معلنا بأنك طلبت إسناد أمر تسنولت والجوابر من آل مريبط وأزيكة إلى قائد المعدر”. (مراسلة من السلطان الحسن الأول إلى شريف تازروالت بتاريخ 22 رمضان المعظم 1303/ 1 أكتوبر 1885. خزانة البوخاري بودميعة بإنزكان.)وقد كان رد السلطان بالقبول معتبرا ذلك ناتج عن أواصر الأخوة التي جمعت وستجمع بين الطرفين تمهيدا للحركة الثانية، ويتبين ذلك من خلال قوله : ” وأنعمنا عليك بذلك …”. كما أن سلطة قائد المعدر خلال هذه الفترة قيدت بسلطة القائد الإيليغي بناء على طلب ورغبة السلطان الذي حث الشريف بأن يتكلف بجمع الكلف المخزنية والأعشار؛ بمعنى أن إخضاع القبيلتين لقائد المعدر كان إسميا فقط، كما أن السلطان كان على دراية بأن خضوعهما له سوف يخلق مشاكلا غير محمودة وبالتالي لن تدفعا الأعشار والضرائب خصوصا إذا علمنا بأنه بمجرد ما ذهبت الحركة الحسنية إلى حال سبيلها، ثار الثوار ضد قوادهم خاصة أولئك الذين ليسوا من نحلة القبيلة. وحتى يتم إخضاعهما طلب السلطان بناء على رغبة محمد بن الحسين أهاشم أن يتكلف هو نفسه بجمع هذه الضرائب بقوله : ” وعلى يدك يدفعون كلفهم ولا يجرون مجرى أهل المعدر إن لم يتبين أنهم منهم.”
كانت أول فكرة تراود الخليفة الجديد هي كيف سيرد الثأر لأبيه الذي انكسرت شوكته بفعل الأضرار المادية والمعنوية التي ألحقتها به قبيلة باعقيلة، وقد تجددت المشاحنات معهم بعد وفاة الحسين أهاشم، كما تجددت شكاويهم للمولى الحسن خلال الحركة الثانية والتي تمحورت حول المضاربة العقارية التي مارسها شريف تازروالت على ثلة من فلاحي باعقيلة حيث اشترى أراضيهم بأثمان بخسة مستغلا آثار مسغبة1295/1878 (البزاز محمد الأمين، تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، مشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ، سلسلة رسائل وأطروحات رقم 18الطبعة الأولى1992،ص،305). لكن هذه المرة سوف يطلب الحسين أهاشم من ابنه محمد أن يراسل السلطان في الموضوع حتى لا تكون أذنه صاغية “لتفاهات وترهات” البعقيلين ويرجح المرحوم الأمين البزاز في مؤلفه حول “الأوبئة” أن يكون زعيم إيليغ قد سبق في الإخبار، وهذا نص الرسالة المبعوثة إلى حضرته الشريفة : ” إن الوالد كتب إلي على أن بعض فسدة إخواننا المتعلقين بقبيلة بعقيلة يتحزبون على السعي فيما لا ينبغي ولا يليق، وأمرني أن أنهي لكريم علم سيدنا تحقيق ما كان بيننا وبينهم، وأساس ذلك إنما هو ما يكون بين ذوي الرحم والنسب من عدم الرضا من بعضهم لبعض وتفرع من ذلك أمور أخرى منها أن بعضهم في أعوام المسغبة الماضية اشتد عليهم الجوع وصاروا يبيعون أصولهم بأبخس الأثمان، كما كان كل الناس كذلك وقلت لهم من أراد أن يبع متاعه فليبعه لي وصاروا يبيعون لي أصولهم بالأثمان العالية وادعوا الآن عدم رضاهم بذلك…”.( رسالة من محمد بن الحسين اهاشم إلى المولى الحسن الاول بتاريخ 26-7-1303/30-4-1886. نقلا عن البزاز محمد الامين ، م س، ص:306.)


الكاتب : ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 16/04/2024