كابسولات رمضانية 3

دراما باهضة التكلفة هزيلة المستوى

لابد من التأكيد أن صناعة الدراما التي تجمع العرب خلال رمضان على الفضائيات المنتشرة كالفطر في سماوات الله المفتوحة، باهضة التكلفة من حيث الإنتاج وفخامة الديكورات وجاذبيتها. لكنها بالمقابل عديمة المنفعة، فارغة المحتوى، وبلا فائدة ثقافية أو معرفية تذكر. وإذا علمنا أن المستفيد الأول والوحيد من ما تنتجه مئات استوديوهات التصوير والإنتاج السينمائي في الخليج العربي هو تلك الشركات الأجنبية النشطة في مجال صناعة التجميل ومختبرات إنتاج مساحيقه. لا سيما مع انعدام وجود صناعة عربية مسايرة لهذا الجنون في صناعة الجمال، يتضح حجم المال العربي المهدور دونما فائدة تذكر.

جمال السيلكون
لا يخفى على أحد حجم معاملات هذه المختبرات التابعة لشركات عملاقة متخصصة في صناعة التجميل وأرباحها وصفقاتها الخرافية التي تقدر بالملايير بالعملة الصعبة جراء تزويد هذه الاستوديوهات العربية الخليجية والشرق أوسطية بأطنان من مساحيق التجميل والديكورات الجذابة وفق آخر الصيحات وأغلى الماركات العالمية. فصناعة الجمال السيلكوني الأنثوي عند العرب بئر لا ينضب ماؤه، بدءا من عمليات حشو الصدر ونفخ الشفتين وتقويم الأنف وطلاء الأظافر وتركيبها وشفط الدهون من كافة مناحي الجسد، وكذلك بتثبيت العدسات اللاصقة بقوس قزح. لدرجة أن انشغال الرجل بجمال المرأة داخل الاستوديو وخارجه طقس رجولي بامتياز يرقى إلى مستوى العبادة، كل ذلك من أجل منتوج يبرز مكر العرب وخرافات قريش ودسائس عرب شبه الجزيرة وخزعبلاتهم..

السينما والاقتصاد
في تركيا جنبا الى جنب

لم تكتف السلسلة الماراثونية التركية «سامحيني» في جذب انتباه ملايين المشاهدين المغاربة والعرب من المحيط الى الخليج، بل نجحت وبصورة فائقة التقدير في رفع مؤشرات الاقتصاد في بلد أتاتورك إلى درجات قياسية، فالإحصائيات القادمة من هناك، تؤكد ارتفاع عدد الرحلات السياحية بشكل خرافي، إضافة إلى صعود صاروخي لصادرات المفروشات والزرابي والأرائك وديكورات التجميل والأثاث المنزلي إلى العالم العربي، وذلك ارتباطا بالمنتوج السينمائي والتلفزيوني المدبلج. فالسينما والاقتصاد في تركيا يسيران جنب الى جنب. ولعل ازدهار الشركات التركية العاملة في مجال الديكورات والمفروشات المنزلية وتجهيز الصالونات وارتفاع أرباحها بشكل غير مسبوق أقوى مؤشر على أن السينما الصناعة في خدمة التنمية. والحقيقة أن صناعة السينما في هذا البلد تحقق التنمية الاقتصادية الشاملة إذ مع كل منتوج تلفزيوني أو سينمائي يكتشف المشاهد الجديد المثير والجاذب سواء على مستوى التجهيز المنزلي والمكتبي والمفروشات أو على صعيد الموضة في الألبسة التي يتطور نموذجها الابتكاري بشكل تصاعدي مهول .

بماذا تفكر عندما تشاهد إحدى حلقات حديدان؟

إذا كان المنتوج التلفزي التركي يحرك عجلة الاقتصاد بما يبرزه من مآثر تاريخية وزينة وديكورات منزلية وألبسة غاية في الأناقة والجاذبية تسلب قلوب العرب ويفكرون في زيارة اسطمبول مباشرة بعد مشاهدتهم لمنتوج تلفزي تركي، فبماذا يمكن أن تغريك « سلسلة حديدان الحرامي « الذي التهم الملايين من الدراهم ليصور إنسان الكهوف وحقب الفخار وغبار الزمن الرقيع والحركات والأصوات النشاز..؟ ومن حقنا كدافعي ضرائب ومساهمين غير مباشرين في هذا المنتوج أن نغضب ونحزن ونتساءل» ما القيمة الفنية والمعرفية المضافة لمسلسل مغربي يدعى حديدان عند الفراعنة؟ كيف ستستقبل سلالة الفراعنة هذه السلسلة الهزلية بكل المقاييس لا قدر الله؟ هل استنفد طاقم السلسة كافة الإشكالات المجتمعية المغربية ولم يبق له سوى الإقامة في حضارة الفراعنة ؟
وأخيرا ما الرسالة التي تريد هذه السلسلة الرمضانية البئيسة إيصالها للجمهور ؟
أزعم أن آفة العرض الرمضاني الموسمي على الشاشتين يتجاوز التطاول على تراث حضاري وإنساني لمجرد العبث … تفعيلا لمنطق كور واعطي لعور ..

كاميرا خفية تونسية الإبداع بصدق

هل شاهدتم النسخة التونسية الكاميرا الخفية؟ إذا كان لا أدعوكم لمشاهدة نموذج من هذه السلسة التي يفوح منها الإبداع في أدق نسائمه، فالحلقات التي تقدم للمشاهدين على قناة 218 TV لا تقوم على الصراخ والسب والشتم وأغلاق الأفواه وحجب الكلمات النابية مثل ما هو عليه الأمر عندنا، بل تذهب توا إلى الكشف عن تناقضات النفس البشرية، عبر إشراك المشاهد بهدوء ناضج وإنصات هادئ حتى النهاية ليكشف بنفسه الفرق بين الواقع والتمثلات دون هرج ودون جلبة، العمق والصدق بعيدا عن الانفعال المصطنع دائما هو السبيل الى خلق المتعة الهادفة واستنتاج الأفكار العميقة المحركة للوجدان وليس المقالب المبنية على القوة الجسدية واللسان السليط …


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 03/06/2019