كفالة الأطفال اليتامى ضحايا الزلزال بين قانون 01-15 وقانون 97-33

 

عرف المغرب زلزالا عنيفا، بتاريخ 8 شتنبر 2023، خلف خسائر جسيمة في الأرواح الشيء الذي ترتب عنه العشرات من الأيتام ضحايا الدمار الذي عرفته العديد من الأقاليم في وسط المغرب وبصفة خاصة أقاليم الحوز، تارودانت، شيشاوة، ورززات وأزيلال.
والأكيد أن هذه الأضرار في الأرواح تتطلب مقاربة مصير الضحايا بصفة عامة والأيتام منهم بصفة خاصة، الشيء الذي يتطلب تنشئتهم في وسط أسري تنزيلا لمقتضيات الفصل 32 من الدستور، والذي نص على أنه تسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية، الشيء الذي يتطلب مقاربة القوانين المنظمة لكفالة الأطفال والأيتام منهم بالمغرب وخاصة بعد إعلان جلالة الملك محمد السادس منحه صفة مكفولي الأمة للأيتام من ضحايا هذه الفاجعة.
لذلك فإن فهم عقد الكفالة والآثار القانونية المرتبطة به يتطلب تحليل قواعد قوانين الكفالة بالمغرب، ولهذه الغاية يمكن القول إن قانون رقم 97-33 الصادر سنة 1999 في عهد حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي والمتعلق بمكفولي الأمة، نص على أنه تتولى الأمة رعاية الأطفال المغاربة الذين يكون أبوهم أو سندهم الرئيسي قد استشهد بالمغرب أو الخارج على إثر مشاركته في الدفاع عن حوزة المملكة أوأثناء القيام بالمحافظة على السلم أوعمليات إنسانية بأمر من القائد الأعلى ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الملكية، أو استشهد على إثر جروح أو أمراض أصابته أو اشتدت عليه من جراء هذه الأحداث أو أصبح عاجزا من الناحية البدنية عن القيام بواجباته العائلية بسبب نفس الأحداث.
ولذلك فإن من تتوفر فيه شروط هذا القانون يصبح متمتعا بالحق في صفة مكفول الأمة شريطة أن يبلغ من العمر أقل من سن الرشد القانوني عند وفاة أبيه أو سنده الرئيسي أو عجزه أو فقدانه، ويمكن الاستفادة من هذه الصفة بعد السن المذكورة إذا كان يتابع دراسته أو كان عاجزا عن العمل بسبب عاهة من العاهات.
وكذلك يتمتع بصفة مكفولي الأمة الطفل الذي يولد خلال الفترة الواقعة بين مدتي الحمل الدنيا والقصوى المنصوص عليها في قانون الأسرة أي ما بين 6 أشهر وسنة.
والأكيد أن صفة مكفولي الأمة تمنح حامليها العديد من الحقوق منها تمتع الأطفال المعترف لهم بصفة مكفولي الأمة بحق الاستفادة من الرعاية المعنوية والمساعدة المادية المنصوص عليها في القانون رقم 97-33، وذلك إلى حين بلوغهم سن الرشد أو الانقطاع عن دراستهم ويخولون الحق في الخدمات التي يمكن أن تقدمها لهم مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء العسكريين وقدماء المحاربين.
والملاحظ انه إذا كان مكفولو الأمة لا يتوفرون على موارد تمكنهم من سد حاجاتهم أو كان الأشخاص الملزمون شرعا بالنفقة عليهم غير قادرين على ذلك تكفلت الدولة حسب الحالة بمجموع أو بعض المصاريف المتعلقة بالنفقة والصحة والتمرس المهني والدراسة الضرورية لنموهم العادي.
كما يمكن أن يستفيد مكفولو الأمة لأجل نفقتهم من إعانة إجمالية سنوية يحدد مبلغها وشروط واجراءات منحها بنص تنظيمي وذلك إلى حين بلوغهم سن الرشد أو زواج البنات منهم أو انقطاعهم عن الدراسة، وإذا كانوا لا يتوفرون على دخل يساوي مبلغها أو يفوق مبلغ الأجرة الأساسية المعادل لرقم الاستدلالي 100 المعمول به في الوظيفة العمومية.
وكما أن مكفولي الأمة، وفق القانون، يستفيدون من مجانية العلاجات الطبية والجراحية والاستشفاء في المؤسسات الصحية المدنية والعسكرية التابعة للدولة.
وتمنح لهم كذلك، على سبيل الأسبقية، إمكانية القبول في المؤسسات الابتدائية ويتمتعون إذا كانوا يتابعون دراسة ثانوية أو عليا بحق الأسبقية في الحصول بالتساوي في الشروط، على منح دراسية وكذلك نفس الشيء في ما يخص مؤسسات التكوين المهني العامة والخاصة، كما يتمتع مكفولو الأمة، وفق شروط يحددها نص تنظيمي، من الأسبقية لولوج المناصب العامة بإدارات الدولة والمؤسسات العامة والجماعات الترابية، وكذلك المشاركة في مباريات الالتحاق بالكليات والمدارس الوطنية العليا.
لذلك يتضح من مقتضيات قانون مكفولي الأمة أن الهدف منها هو تدخل الدولة للقيام بدورها لتوفير شروط التنشئة السليمة للأطفال الذين فقدوا معيلهم نتيجة القيام بأشغال وأعمال للدفاع عن الدولة والمجتمع، وكذلك الأشخاص الذين تضرروا وفقدوا معيلهم نتيجة كارثة مثل كارثة الزلزال الذي ضرب الأقاليم الوسطى للمغرب، والأكيد أن مقتضيات قانون 97_33لا تحول دون قيام المواطنين بدورهم الاجتماعي والتكفل بالأيتام ضحايا الكوارث الطبيعية مثل ضحايا زلزال 8 شتنبر 2023، وهذا ما يدفعنا إلى التطرق لقانون رقم 01-15 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين.
ذلك أن الزلزال ترك أيتاما يتطلب الأمر التكفل بهم لضمان تنشئتهم في وسط أسري يخفف عنهم هول الكارثة وفقدانهم لذويهم ومعيلهم.
وفي هذا الإطار فإن الطفل يعتبر مهملا من منظور قانون رقم 01-15 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين إذا كان يتيما أو عجز أبواه عن رعايته وليست له وسائل مشروعة للعيش، وهي الحالة التي يمكن معاينتها مع زلزال 8 شتنبر 2023، والمقصود بكفالة طفل مهمل من المنظور القانوني الالتزام برعايته وتربيته وحمايته والنفقة عليه كما يفعل الأب مع ولده ولا يترتب عن الكفالة حق في النسب ولا في الإرث.
والملاحظ أن قانون 01-15 أعطى الصلاحية لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الواقع بدائرة نفوذها مقر إقامة الطفل للقيام بالإجراءات القانونية وإجراء البحوث المرتبطة بمسطرة الإهمال والإعلان عن الطفل المهمل.
ومن منظور هذا القانون فإن من أراد كفالة الأطفال اليتامى ضحايا الزلزال ينبغي أن تتوفر فيه الشروط المطلوبة للكفالة، بحيث تسند الكفالة إلى الزوجين المسلمين اللذين استوفيا الشروط التالية:
أن يكون بالغين لسن الرشد القانوني وصالحين للكفالة أخلاقيا واجتماعيا ولهما وسائل مادية كافية لتوفير احتياجات الطفل.
ألا يكون قد سبق الحكم عليهما معا أو على أحدهما من أجل جريمة ماسة بالأخلاق أو جريمة مرتكبة ضد الأطفال.
أن يكونا سليمين من كل مرض معد أو مانع من تحمل مسؤوليتهما.
ألا يكون بينهما وبين الطفل الذي يرغبان في كفالته أو بينهما وبين والديه نزاع قضائي أو خلاف عائلي يخشى منه على مصلحة الطفل المكفول.
كما يحق للمرأة المسلمة التي توفرت فيها الشروط الأربعة المشار إليها في البند الأول من المادة 9 من قانون01-15التكفل بالطفل المهمل
كما تسند الكفالة للمؤسسات العمومية المكلفة برعاية الأطفال والهيئات والمنظمات والجمعيات ذات الطابع الاجتماعي المعترف لها بصفة المنفعة العامة المتوفرة على الوسائل المادية والقدرات البشرية المؤهلة لرعاية الأطفال وحسن تربيتهم وتنشئتهم تنشئة إسلامية.
والملاحظ أنه إذا تعددت طلبات الكفالة فتمنح الأسبقية للزوجين اللذين ليس لهما أطفال أو اللذين يتوفر لهما أفضل الظروف لضمان المصلحة الفضلى للطفل، ولا يمنع وجود الأطفال لدى الزوجين من كفالة أطفال شريطة استفادة جميع هؤلاء الأطفال من الإمكانيات المتوفرة لدى الأسرة على قدم المساواة.
ولا تتم كفالة طفل يتجاوز سنه 12 سنة قانونا إلا بموافقته الشخصية، كما لا يمكن كفالة طفل واحد من طرف عدة كافلين في آن واحد.
بخصوص المسطرة المتبعة لكفالة طفل مهمل فإن القانون أسند الاختصاص إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين الواقع بدائرة نفوذه مقر إقامة الطفل بإسناد الكفالة إلى الشخص الراغب في الكفالة، والذي تتوفر فيه الشروط القانونية المشار إليها.
ويتعين على الأسرة أو الجمعية الراغبة في كفالة الطفل تقديم طلب بشأن إسناد الكفالة مرفق بالوثائق المثبتة وكذلك بنسخة من رسم ولادة الطفل المراد كفالته إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين المختص.
يصدر القاضي المكلف بشؤون القاصرين أمرا بإسناد كفالة الطفل المهمل إلى الشخص الذي تقدم بالطلب، إذا أسفر البحث عن توفر الشروط المطلوبة، وينص في هذا الأمر على تعيين الكافل مقدما على المكفول وهذا الأمر الصادر عن قاضي القاصرين يكون مشمولا بالنفاذ المعجل بقوة القانون رغم كل طعن.
ومن المعلوم أن إسناد الكفالة طبقا للقانون يترتب عنها آثار قانونية، وهي تحمل الكافل تنفيذ الالتزامات المتعلقة بالنفقة على الطفل المكفول وحضانته ورعايته وضمان تنشئته في جو سليم، مع الحرص على تلبية حاجياته الأساسية إلى حين بلوغه سن الرشد القانوني طبقا لمقتضيات قانون الأسرة الخاصة بحضانة ونفقة الأولاد.
وإذا كان الطفل المكفول أنثى، فإن النفقة تستمر إلى أن تتزوج وفق ما هو منصوص عليه في مدونة الأسرة.
وتطبق نفس المقتضيات على الطفل المكفول إذا كان معاقا أو عاجزا عن الكسب طبقا لما هو منصوص عليه في مدونة الأسرة، التي ذهبت إلى أنه يستمر إنفاق الأب على أولاده المصابين بإعاقة والعاجزين عن الكسب.
ومقابل ذلك فإن الكافل يستفيد من التعويضات والمساعدات الاجتماعية المخولة للوالدين عن أولادهم من طرف الدولة أو المؤسسات العمومية أوالخصوصية أو الجماعات المحلية وهيئاتها، ويكون الكافل مسؤولا مدنيا عن أفعال المكفول طبقا لقواعد الواردة في الفصل 85 من قانون الالتزامات والعقود.
والملاحظ قانونا أنه يمكن للكافل السفر بالطفل المكفول للإقامة الدائمة خارج المملكة المغربية بعد حصوله على إذن بذلك من طرف القاضي المكلف بشؤون القاصرين إذا كانت هناك مصلحة للكافل والمكفول.
وفي حالة الحصول على إذن بالسفر بالمكفول فإنه ترسل نسخة من إذن القاضي إلى المصالح القنصلية المغربية بمحل إقامة الكافل للقيام بدور تتبع وضعية الطفل المكفول ومراقبة مدى وفاء الكافل بالالتزامات التي يفرضها عليه القانون تجاه الطفل المكفول، وذلك بجميع الوسائل التي تراها المصالح القنصلية مناسبة مع إخبار القاضي المكلف بشؤون القاصرين المختص بكل إخلال يطرأ على الالتزامات المفروضة على الكافل.
هذا إذن، هو الإطار القانوني الخاص بكفالة الأيتام ضحايا زلزال 8 شتنبر 2023 ، ويتضح منه المقارنة ما بين القواعد المتعلقة بقانون مكفولي الأمة والقواعد الخاصة بكفالة الأطفال المهملين.
والهدف من هذه القواعد هو التدخل لإيجاد الشروط والظروف الملائمة لتنشئة الأطفال اليتامى تنشئة اجتماعية سليمة قائمة على الروح الوطنية وخدمة الصالح العام والمصلحة الفضلى للطفل الذي فقد معيله نتيجة هذه الكارثة الطبيعية.

(*) محام بهيئة الدار البيضاء


الكاتب : محمد أمغار(*)

  

بتاريخ : 23/09/2023