كوفيد 19 كرّس التفاوتات والتمييز بين الناس : منظمة الصحة العالمية تدعو إلى عالم يتمتع بقدر أكبر من العدالة والصحة

وجّهت منظمة الصحة العالمية بمناسبة الاحتفال بيوم الصحة العالمي الذي يوافق 7 أبريل 2021، نداء من أجل الانضمام إلى حملة جديدة تهدف إلى إقامة عالم يتمتع بقدر أكبر من العدالة والصحة.
نداء أملته العديد من الأسباب، على رأسها كون جائحة كوفيد 19 أصابت عددا من الأشخاص بشكل غير عادل، وأبانت مرة أخرى عن أن بعض الناس يمكنهم أن يتمتعوا في حياتهم بالصحة وأن يحصلوا على الخدمات الصحية أكثر من غيرهم، لأسباب تعود كلها إلى الظروف التي يولدون ويكبرون ويعيشون ويعملون ويشيخون فيها.

دعت منظمة الصحة العالمية إلى اتخاذ إجراءات لبناء عالم أكثر عدلا وصحة في مرحلة ما بعد كوفيد، حيث أكد مديرها العام الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أن جائحة كوفيد 19 وجدت في عدم المساواة في مجتمعاتنا وأوجه القصور في أنظمتنا الصحية، بيئة مواتية لانتشارها. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فقد أصابت الجائحة بعض الأشخاص بشكل غير عادل، مما أدى إلى تفاقم عدم المساواة القائمة في الصحة والرفاهية، بين البلدان وداخل البلدان على حد سواء، إذ أن حالات المرض والوفاة جراء كوفيد 19 داخل البلدان كانت أعلى بين الفئات التي تواجه التمييز والفقر والإقصاء الاجتماعي وسوء ظروف المعيشة والعمل غير الملائم. و يُعتقد أن الوباء دفع حوالي 124 مليون شخص إلى الفقر المدقع خلال السنة الفارطة، ووسّع الفجوات بين الجنسين في التوظيف، مع ترك عدد أكبر من النساء لقوة العمل أكثر من الرجال في الأشهر الـ 12 الماضية.

مساواة صحية أممية

وأكدت منظمة الصحة العالمية أن هذه التفاوتات في الظروف المعيشية للسكان والخدمات الصحية والحصول على الطاقة والمال والموارد ليست جديدة، وهي تترجم إلى معدل وفيات للأطفال دون سن الخامسة أعلى بمرتين في الأسر الأكثر فقرا مما هو عليه في أغنى الأسر؛ متوسط العمر المتوقع في البلدان منخفضة الدخل أقل بـ 16 سنة مما هو عليه في البلدان ذات الدخل المرتفع؛ كما أن تسعة من كل 10 وفيات بسبب سرطان عنق الرحم في جميع أنحاء العالم تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. لهذا من الضروري أن تستثمر جميع الحكومات في تعزيز خدماتها الصحية وإزالة العوائق التي تمنع الكثير من الناس من استخدامها، بحيث تتاح الفرصة لعدد أكبر من الناس لعيش حياة صحية جيدة.
لقد أشارت منظمة الصحة العالمية في هذا الصدد  إلى  أنه مع استمرار البلدان في مكافحة كوفيد 19، تظهر فرصة فريدة لإعادة بناء عالم أكثر عدلا وأكثر صحة، ودعت إلى وضع خمس نقاط تهدف إلى تحسين صحة الجميع تتمثل في:

1.  تسريع الوصول العادل إلى تقنيات مكافحة كوفيد 19
قالت منظمة الصحة العالمية إنه مع تطوير اللقاحات الآمنة والفعالة والموافقة عليها بسرعة قياسية، فإن التحدي الآن هو ضمان أن كل من يحتاج إليها يمكنه الوصول إليها،  تعتبر هذه المنظمة أنه من الضروري تقديم دعم متزايد لآلية كوفاكس – COVAX ، وهي مكون اللقاحات في مسرع ACT ، والتي كان من المفترض أن تنجح في توزيع اللقاحات على 100 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل في الأيام المقبلة.
وللقيام بذلك، أطلقت منظمة الصحة العالمية حملة جديدة يمكن أن تسمح للأفراد والشركات بالمساعدة في تمويل اللقاحات التي يحتاجها العالم لمكافحة الوباء. وأشارت الوكالة الأممية إلى أن اللقاحات لوحدها لن تتغلب على كوفيد 19، مبرزة أن المنتجات الأساسية مثل الأوكسجين الطبي ومعدات الحماية الشخصية والأدوية والاختبارات التشخيصية الموثوقة ضرورية أيضا، إلى جانب الآليات القوية لتوزيع كل هذه المنتجات بشكل عادل في الداخل.

2.  الاستثمار في الرعاية الصحية الأولية
شددت منظمة الصحة العالمية على أن نصف سكان العالم على الأقل لا يزالون يفتقرون للوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، مشيرة إلى أن أكثر من 800 مليون شخص ينفقون 10٪ على الأقل من دخل أسرهم على الرعاية الصحية، وفي كل سنة يقع حوالي 100 مليون شخص في براثن الفقر بسبب تكلفة الرعاية الطبية.
وحذرت المنظمة الأممية من أن التخفيضات في الإنفاق العام على الصحة والقطاعات الاجتماعية الأخرى مع تعافي البلدان من الوباء، مبرزة أنه من المرجح أن تزيد المصاعب بين الفئات المحرومة بالفعل، وتضعف الكفاءة، وتزيد المخاطر الصحية ، والضغط على الميزانية في المستقبل، مع ما يرافق ذلك من تقويض للمكاسب التي جرى تحقيقها على مستوى التنمية. ودعت المنظمة الحكومات لكي تسعى جاهدة لتحقيق الهدف الذي أوصت به، المتمثل في إنفاق 1٪ أكثر من الناتج المحلي الإجمالي على الرعاية الصحية الأولية، مشيرة إلى أن الرعاية الصحية الأولية للأنظمة الصحية الموجهة للرعاية الصحية قد أسفرت باستمرار عن نتائج صحية أفضل، وعززت قدرا أكبر من المساواة وتحسين الكفاءة.
وأكدت المنظمة أن توسيع نطاق تدخلات الرعاية الصحية الأولية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل يمكن أن ينقذ 60 مليون شخص ويزيد متوسط العمر المتوقع بمقدار 3.7 سنوات بحلول سنة 2030، مشددة على أن الحكومات مدعوة لتجاوز الخصاص في مواردها البشرية الصحية، مبرزة أن هناك حاجة إلى حوالي 18 مليون عامل صحي إضافي لتحقيق التغطية الصحية الشاملة بحلول سنة 2030 ، وهو ما يعني خلق ما لا يقل عن 10 ملايين وظيفة بدوام كامل على مستوى العالم وزيادة الجهود في ما يتعلق بالمساواة بين الجنسين.
تشريح منظمة الصحة العالمية، لم يغفل دور الإناث في المنظومة الصحية، حيث أكد أن النساء يمثلن حوالي 70٪ من مجموع العاملين في مجال الصحة والعناية الشخصية، لكن ليست لديهن نفس الفرص لقيادتهن، وعبّرت عن أسفها لهذا الوضع، داعية إلى المساواة في الأجور والاعتراف بعمل المرأة غير مدفوع الأجر في مجال الرعاية الصحية.

3. إعطاء الأولوية للحماية الصحية والاجتماعية
شددت منظمة الصحة العالمية على أن  التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للجائحة الوبائية في العديد من الدول فاقت تأثير الفيروس على الصحة العامة، بسبب فقدان فرص الشغل، وزيادة الفقر، واضطراب التعليم، إلى جانب التهديدات التي تتعرض لها التغذية، مبرزة أنه من الضروري التأكد من أن الاستثمارات القيمة في إنشاء برامج الحماية الاجتماعية الموسعة للتخفيف من الآثار السلبية للوباء لها تأثير على أولئك الذين هم في أمسّ الحاجة إليها.
4. بناء أحياء آمنة وصحية وشاملة
أكدت منظمة الصحة العالمية على أن الحصول على سكن صحي، في أحياء آمنة، مع مرافق تعليمية وترفيهية مناسبة يعتبر أمرا ضروريا لصحة الجميع، مشيرة إلى أنه في كثير من الحالات، يؤدي الافتقار إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية في بعض المجتمعات إلى حصر الأشخاص وسط دوامة من المرض وانعدام الأمن. وأبرزت المنظمة أن 80٪ من سكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع يقيمون في المناطق القروية، وبأن ثمانية من كل 10 أشخاص يعيشون بدون خدمات مياه الشرب الأساسية، وبأن سبعة من كل 10 أشخاص يفتقرون لخدمات الصرف الصحي الأساسية في هذه المناطق، لهذا وجب تكثيف الجهود لتزويد المناطق القروية والجبلية بالخدمات الصحية والاجتماعية الأساسية، وهو ما يتطلب استثمارات اقتصادية متزايدة بشكل عاجل من أجل تحقيق سبل العيش المستدامة وتحسين الوصول إلى التقنيات الرقمية.
5.  تعزيز البيانات الصحية ونظم المعلومات
دعت منظمة الصحة العالمية لأن يكون رصد التفاوتات الصحية جزءا لا يتجزأ من جميع أنظمة المعلومات الصحية الوطنية، مشددة على أنه للقيام بذلك فإنه من الضروري توفير البيانات عالية الجودة وفي الوقت المناسب، المصنفة حسب الجنس والثروة والتعليم والعرق والجنس ومكان الإقامة لمعرفة مكان عدم المساواة ومعالجته. وأكدت المنظمة أن 51٪ فقط من الدول، وفقا لتقييم عالمي حديث أجرته، هي التي ضمّنت هذه البيانات في تقارير الإحصاءات الصحية الوطنية المنشورة التي تخصها، مضيفة بأنه في عدد من الحالات تم القفز عليها، خاصة وأن الأشخاص الفقراء والفئات الهشة التي تعاني من التمييز تكون بياناتها غير متوفرة.
تشخيص دفع الدكتور تيدروس إلى التأكيد على أنه حان الوقت للاستثمار في الصحة كمحرك للتنمية، مشددا على ضرورة العمل من أجل تحسين الصحة العامة، وبناء مجتمعات مستدامة، وضمان الأمن الغذائي والتغذية المناسبة، ومكافحة تغير المناخ وازدهار الاقتصادات المحلية.
رؤية مغربية
تفاعلا مع دعوة منظمة الصحة العالمية تبعا للتشخيص الذي قامت به، أكدت الجمعية المغربية للصحة العمومية والبيئية أن تأهيل المنظومة الصحية وتجويدها بما يخدم الصحة العامة يجب أن ترافقه دينامية أكثر فعالية تشمل قطاعات وفعاليات متعددة. وأكد الأستاذ عبد العزيز برقية، رئيس الجمعية، في تصريح لـ “الاتحاد الاشتراكي” أن هناك محددات اقتصادية واجتماعية تؤثر في المجال الصحي وتتأثر به، وبأن هناك عوامل متداخلة يجب أن تشملها المعالجة لتحقيق الغايات المرجوة، مشددا على أن جائحة كوفيد 19 وضعت أصابها على العديد من الأعطاب ومكامن الخلل عالميا، التي تعرقل كل تنمية صحية منشودة كما تعرقل تحقيق تعزيز الأمن الصحي من خلال تنفيذ اللوائح الصحية الدولية (2005).
وشدد الخبير الصحي على أن القدرة على إعداد المخططات والاستراتيجيات الصحية لا تعوز الكفاءات المغربية، التي راكمت تجارب وباتت تتوفر على خبرات مشهود بها عالميا، مشيرا إلى أن بلادنا سطرت مجموعة من البرامج والاستراتيجيات، منها ما تم تنزيله على أرض الواقع ويقطع المسارات التي تم تحديدها له، ومنها ما يتطلب إما أجرأة وتفعيلا وإما إعادة النظر، للارتقاء بالمنظومة الصحية، مشيرا في هذا الإطار إلى الورش الملكي المتعلق بالحماية الاجتماعية، وضمنه الشق المرتبط بتعميم التغطية الصحية، الذي يأتي لسدّ الثغرات التي عرفها المشهد الصحي في بلادنا وكذا تعزيز قدراتنا على مواجهة أحداث الصحة العمومية بجميع أنواعها.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 19/04/2021

أخبار مرتبطة

  بالنسبة لقارئ غير دروب بالمسافات التي قطعها الشعر المغربي الحديث، فإنّه سيتجشم بعض العناء في تلقّي متن القصائد الّتي

« القصة القصيرة الجيدة تنتزعني من نفسي ثم تعيدني إليها بصعوبة ، لأن مقياسي قد تغير ، ولم أعد مرتاحا

أكد على أن تعامل الحكومة مع القطاع ومهنييه يساهم في اتساع دائرة الغموض والقلق   أكد ائتلاف يضم عشر جمعيات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *