كيف تصبح كاتبًا؟..لودميلا أوليتسكايا: أفضل من يستطيع الحفاظ على شخصيته هو المهمش (4)

ولدت لودميلا يفغينيفنا أولتسكايا في عام 1943 في مدينة دافليكا نوفا التابعة لجمهورية باشكيريا السوفيتية السابقة، حيث تم إخلاء عائلتها أيام الحرب إلى هناك. أكملت المدرسة في موسكو. ودرست في كلية الأحياء في جامعة موسكو الحكومية، متخصصة في علم الأحياء الوراثي. عملت لمدة سنتين في معهد الوراثة العامة التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية، تم فصلها من المعهد في عام بسبب نشر مطبوعات النشر الذاتي (نشر الكتب الممنوعة عن طريق الاستنساخ باليد بصورة سرية وتوزيعها).
تعد روايتها «المخلص شوريك» احد أكثر الكتب المقروءة في عام 2004. صدرت في عام 2006 رواية أوليتسكايا التي ألفتها على أسس وثائقية التي تحمل اسم «المترجم دانيال شتاين».

 

– ترتبط فكرة العائلة عندك بالتقاليد والاستقامة، وبعدِّ العائلة المنقذ والضمان للحرية الداخلية؟
تتعرض مؤسسة الأسرة والزوج إلى أزمة جدية. والأسرة بالنسبة لي مرتبطة بتقاليد معينة وتمثل الأسرة لي المُدافع الأول للطفل أمام الروابط الاجتماعية العدوانية وهي مصدر الإسناد والتحصين. لكن الحياة عادة ما تبدو لنا بصورة مغايرة تماماً. ويكفي أن ننظر إلى دور إصلاحيات الأحداث حتى نفهم ما تعنيه الأسرة السيئة. فاكثر من نصف الأطفال المودعين هناك بسبب ارتكاب جرائم جدية، بشكل أو أخر هم ضحايا أسرهم.
– قمتِ عدة مرات بوصف تاريخ إحدى العوائل طوال قرن تقريباً. لماذا تحتاجين مثل هذه الأفاق الكبيرة؟
يتأصل الإنسان في العالم بالدرجة الأولى عن طريق الأسرة. ويعد انقطاع الأواصر الأسرية كارثة. إن الأسرة في روسيا، التي تجري فيها الحرب بلا انقطاع منذ الحملة اليابانية – الروسية في بداية القرن التاسع عشر، دائماً مهددة. ويشير تدمير الأسرة إلى تدمير العالم. الإنسان بدون الأسرة يتحول إلى وحش. إما الإنسان الذي يعيش وينمو في أسرة جيدة ومتحابة، هذا الإنسان يقيم أفضل العلاقات مع العالم المحيط به. العائلة نفسها هي نموذج للعالم. فالحكايات التي كان يقصها لي جدي من الكتاب المقدس كانت تبدو لي حكايات عائلتنا. وبهذا الشكل بالذات يتم بناء الإنسان في التاريخ وفي الثقافة.
– تمثلين ديانتين تقليديتين – هما اليهودية و المسيحية الأرثدوكسية. فماذا يعني لك ذلك بصفتكِ كاتبة؟
سؤال صعب جداً جداً. أولاً، هذا مهم لي بوصفي إنسانة لا كاتبة فحسب. هذا الأمر يشبه تقريباً حالة الإنسان عندما تكون لديه مهنتين … إنها إمكانية لمشاهدة العالم ليس من وجهة نظر واحدة بل من وجهتين.
سابقاً كنت أتصور أني يجب أن اختار إحدى الديانتين. أما الآن بعد أن أصبحت في سن الكهولة لم يعد ذلك مهماً لي. ومع الزمن اكتشفت أشياءً جديدة، أحدها البوذية. هذا الأمر مثمر بدوره جداً. فالديانات الإبراهيمية قاسية جداً. أرى اليوم أن الثقافة اليهودية – المسيحية ستربح كثيراً لو تعلمت من الشرق التسامح. العدوانية صفة للعالم المسيحي، فالاعتقاد المطلق بان الحقيقة واحدة لا يوجد غيرها وهي عندي في جيبي الخاص تؤدي إلى نتائج مرّة. هاك سؤال لا توجد له إجابة: كيف جاز أن تجري حوادث مثل الهولوكوست في ظل الحضارة المسيحية؟
إضافة الى ذلك، يجب أن أسجل اعترافاً آخراً: فقد تركت الانشغال باللاهوت العقائدي تماماً. إني لا اهتم بالثالوث، والحمل الطاهر وحتى بالمسائل الأساسية وهل كان المخَلِّص إلهاً حقيقياً أم ابن الله أم معلماً عظيماً أم نبياً… الذي يهمني هو التصرف فقط. كيف يتعامل الشخص مع أقرباءه. ولا يهمني حتى بماذا يفكر أثناء التصرف…لا يمكن تصور حجم القساوة في هذا العالم. ليس هناك ثمة دين يستطيع أن يغير شيئاً من الواقع.
– لنتحدث الآن عن حياتك بوصفكِ كاتبة في روسيا. النقد الغربي تعامل معك بلطف بينما النقد الروسي كان قاسياً معك؟ تحدث النقاد عن «النثر النسوي» و «الروايات النسوية العاطفية» وهلم جرّا. ذكر النقاد إن لغتك الروسية دقيقة وجميلة بينما المواضيع لم تلائم الذوق …
أتصور أن الاختلاف في تقييم أعمالي بين الغرب وروسيا يعكس الطبيعة المضادة للمرأة في القسم الرجولي للمجتمع الروسي أكثر من كونه مقياساً موضوعياً. وهذا لا يتعلق بطبيعة إبداعي بل بطبيعة مجتمعنا الذي يعاني من تناقض عميق. ان روسيا بتاريخها وتقاليدها هي بلد شرقي بالمعنى الذي تحتل فيه المرأة دائماً مكانة ثانوية في الحياة الاجتماعية. لكن، في الجانب الآخر، كانت ديموغرافيا السكان عندنا تشير إلى أن عدد النساء خلال القرن العشرين فاق عدد الرجال بكثير. حيث تحملت المرأة أعباء الصناعة الحربية و الزراعة إثناء الثورات والحروب التي لم تنقطع طوال القرن العشرين. وظل القادة دائماً من الرجال. لا يزال هذا الوضع قائماً حتى اليوم. إذ لا تضم قيادة البلاد إلا عدداً قليلاً من النساء، فنسبتهن في مجلس دوما الدولة لا تكاد تذكر وليس لهن تأثير على المجتمع. المنظمة النسوية الوحيدة التي لها ثقل وأهمية هي لجنة أمهات الجنود.
ثقافتنا اليوم فيها الكثير من الأسماء النسوية اللامعة لكن، بلا شك، إن القسم الأكبر من الرسامين والكتاب والموسيقيين هم رجال، ربما، فقط في المجال الفني البحت (المسرح والسينما) يعمل الرجال والنساء على قدر من المساواة. إذ لم اسمع، على العموم، ولا مرّة إن احدهم قال: «مع انها امرأة لكنها فنانة جيدة!».
أرى إن مستوى الثقافة في البلد اليوم يتحدد وفق درجة مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية. هذا الأمر يتعلق فقط بالبلدان الأوربية وأمريكا ولا ينطبق على العالم الإسلامي الذي يعيش وفق قوانين مختلفة تماماً، ولا أريد أن احكم على ذلك هل هو جيد أم سيء طالما أن ملايين الناس هناك راضين على مقاييس حضارتهم.
أشعر أن سعي نقادنا إلى تقسيم الأدب إلى نسوى ورجالي – هو تمييز خفي غير مدرك. فالكتب السيئة التي ألفها رجال لا تقل عن عدد الكتب السيئة التي ألفتها نساء.
– غالباً ما يوجد الظل المهين حتى عندما يوجهون المديح لي فيقولون: أوليتسكايا كاتبة جيدة كأنها رجل!
أستطيع، كوني متخصصة بعلم الوراثة سابقاً، أن اجزم أن كل ما يفعله الرجال والنساء إنما يفعلونه بطريقة مختلفة نوعاً ما: لأن هناك اختلاف في الفيزيولوجيا والخلفية الهرمونية والحالة النفسية. لكن الرجل والمرأة مدعون إلى أن يكونوا في هذا العالم شريكين، وأني على يقين إن المشاركة الواسعة للمرأة في جميع مجالات الحياة ستعمل على تخفيف حدة القساوة و تهدئة الروح العدائية وتغيير البرامج الاجتماعية لصالح الأطفال والطبقات الفقيرة في المجتمع.
إني أحاول الكتابة، قدر الإمكان، كامرأة تملك وجهة نظر نسوية للعالم. ولا أحاول أن أجعل مؤلفاتي تبدو «رجالية». هناك عدد لا بأس به من الرجال من بين قرّائي (أشارت الإحصائيات إلى أن النساء يشكلن نسبة 70% من قرّائي).
أحاول تجنب الاستعجال، أحاول أن أكون أمينة و مستقلة. و غير تابعة للنقد كذلك.


الكاتب : ترجمة: تحسين رزاق عزيز

  

بتاريخ : 09/07/2020