مبدعون في حضرة آبائهم 2 : إدريس الخوري : سقف العائلة

في رسالة كافكا إلى أبيه: « أبي الحبيب.. لقد سألتني مؤخراً: لماذا أزعم أنني أخاف منك؟ وكالعادة لم أدر بماذا أجيبك. تارة بسبب الخوف الذي يعتريني أمامك، وتارة لأن الكثير من التفاصيل متعلقة بحيثيات ذلك الخوف، بحيث لا يكون بوسعي لملمة شتاتها في الحديث معك ولو جزئياً. وإنني إذ أحاول هنا أن أجيبك خطياً، فإن كل ما أقوم به لن يكون سوى محاولة مبتورة، وذلك لأن الخوف وتبعاته يصدانني عنك حتى في الكتابة، ولأن جسامة الموضوع تتعدى نطاق ذاكرتي وإدراكي «.
أمام اللجوء أو الهروب إلى الأم الحاضنة والحنونة وملاذ « التواطؤات « الجميلة، كيف يستحضر مبدعونا المغاربة صورة الأب، وهل تختلف نظرتهم إلى هذه السلطة الرمزية التي ارتبطت بالصرامة والتحكم؟ كيف دبروا هذه العلاقة التي تلتبس فيها العواطف بين خوف واحترام، بين حب أو كره، بين تقديس وقتل؟

 

كل أب هو سقف مادي ومعنوي ، أما الأم فهي الظل الوارف تحت هذا السقف المربع والمستطيل ، في هذا البيت وذاك ، هما والآن ، غدا وبعد غد .
هو الأب الحنون ، القاسي ، الكريم ، البخيل ، الصارم ، المستبد ، المتجبر ، الذي يريد منا أن نكونه في المستقبل ، بينما الأم عبارة عن عواطف جياشة ، مسترسلة منذ الصباح إلى المساء ، وفي الليل تغطينا بعواطفها المتدفقة .
الأب هو السقف والأم هي الظل الممتد إلى ما لا نهاية وبينهما تتأرجح عواطفنا الطفولية وتثناثر حماقات صغيرة وكبيرة ، أما الموت فهو الحد الفاصل بين السقف والظل ، فأين الأب أيها الإدريس ؟ ليس هناك أب ، لقد مات بعد ولادتك ، كذلك الأم ، فأين الأب ؟
لم أره في حياتي على الإطلاق ، لا هو و لا أمي أيضا . لقد قيل لي من طرف أخينا الأكبر السي محمد ، إن اسمه علال بن علي ، أما أمي فإسمها الداودية بنت الفاطمي ، هي عائلة شعبية جد بسيطة قطنت درب غلف بالدار البيضاء في بداية الثلاثينات ، قادمة من بادية « قيصر « بالشاوية قرب مدينة سطات . لقد ولدت في هذا الدرب الشعبي المشكل من المهاجرين البدو ، القادمين من باديات أخرى ، هذا دكالي ، هذا عبدي ، هذا حريزي ، هذا شلح ، هذا مسفيوي ، هذا عرباوي ، هذا خنيفري ، هذا زناتي ، الآخر ملالي ، إلأخ ..
لم أرى أبي نهائيا ، كذلك أمي ، بل فتحت عيني على أربعة إخوة أنا خامسهم وبيننا أنثى شقيقة ، هذا هو سقفي العائلي ، الإخوان الكبيران مجرد عاملين في ميناء الدار البيضاء ، الاخ الثالث مجرد نجار عند أحد الايطاليين بالمعاريف ، الأخت الوحيدة خادمة عند النصارى ، وأنا آخر السلالة الداودية .
أين أبي ؟ لم أراه في حياتي قط ، إذ عندما ترعرعت ونموت ، قيل لي إن أباك قد مات وأنت طفل صغير ، لذلك كبرت في كنف أخي الأكبر السي محمد الذي تكفل بي مثل إبنه ، وعندما أصبح هو أبا لأطفاله ، وضعت أنا على الهامش من طرف زوجته الشريرة .


الكاتب : إعداد: مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 02/07/2019