مجال مهام المحامي بين قانون المهنة والقوانين التي صدرت بعد دستور 2011

 

لمقارنة أي نص ما من القانون يتم ذلك إما عبر القراءة القانونية للنص القانوني، أو عبر القراءة التشريعية لذلك النص القانوني.
وعادة ما يثار السؤال حول الفرق بين القراءتين، وما الفرق بينهما وماهي القراءة الأولى باتباعها.
وتقديري أن القراءة القانونية لأي نص قانوني تنحصر في البحث عنه في صياغته ومقابلتها مع صيغ لقوانين سابقة والبحث عن مطابقتها أو اختلافهما من جهة ومع ما صدر بشأن من قرارات قضائية.
بينما القراءة التشريعية للنص القانوني فهي تنطلق من البحث في خلفيات ومنطلقات الهيئة التشريعية التي اقترحته وصادقت عليه.
وأن القراءة التشريعية تبحث في أسباب نزول النص القانوني أي في نهاية المطاف فإن القراءة التشريعية هي القراءة السياسية لذلك النص أي ماهي الخلفية التي تحكمت في الحكومة من أجل إصدار ذلك النص القانوني.
وهذه القراءة في صناعة النص التشريعي هي متناسقة مع مفهوم عمل الدولة الديمقراطية الجديدة، التي تكون الحكومة منبثقة عن الإرادة العامة للمواطنين.
وبالتالي فهي تطبق سياستها، أي مفهومها لخدمة الصالح العام،والتي في نهاية المطاف هي سياسة الحزب الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان.
هذه المقدمة المختصة جدا هي المنطلق الذي سنقارن به مجال مهام المحامي بين قانون المهمة الحالي، والقوانين صدرت بعده أي تلك التي سنتها الحكومات التي أتت بعد دستور 2011 الى اليوم.
فماهي خصائص قانون المهمة الحالي:
انطلاقا من المنهجية المشار إليها أعلاه المعتمدة على القراءة التشريعية، يشكل قانون المهنة الحالي تعبيرا صريحا وصادقا عن الإرادة العامة للمحامين مادام أن مصدره ليس مشروعا حكوميا، بل إن مصدره هو مقترح قانوني تبينته الحكومة فيما بعد،
فما هو تاريخ هذا القانون.
في عهد حكومة الاستاذ إدريس جطو كان آنذاك وزير العدل فيها الأخ المرحوم الأستاذ محمد بوزوبع، والذي وضع من أولوياته تعديل وتطوير قانون المهنة الأسبق الذي كان جاري العمل به، لما كان يعرف من نقاص كبيرة لم تبق تلبي انتظارات المحاميات والمحامين.
لذلك فتح المرحوم محمد بوزوبع مشاورات موسعة انتهت إلى تقديم حكومة إدريس جطو لمشروع قانون لمهنة المحاماة معتمدة على اقتراحات الجمعية التي كان يترأسها آنذاك الأستاذ الأخ ادريس أبو الفضل إلى جانب ثلة من النقباء، وهو المشروع الذي لم يتمكن له الوصول إلى البرلمان.
لذلك بادرنا إلى تجاوز الحكومة وذلك بتقديم نفس المشروع لكن بواسطة آلية مقترح قانون الذي يسمح به الدستور لأعضاء البرلمان.
وللتاريخ يجب أن أعلن حقيقة لا يمكن كتمانها وهي أن المقترح وأن قدم باسم الفريق الاشتراكي إلا أن تقديمه سبقته مشاورات وتوافقات مع كل الأحزاب الممثلة في البرلمان آنذاك والتي ساهم كل المحامي المنتمين لجميع الأحزاب في مناقشته وتعديله وتطويره، بل استطعنا إقناع الحكومة لكي تتبناه ولا تعترض عليه.
ومن أهم ما أتى به مقترح القانون كان هو توسيع مجال مهام المحامي، علما أن توسيع عمل المحامي ليس مطلبا خاص بالمحامي بل هو مطلب يستجيب لحاجيات تحقيق دولة الحق والقانون أي ضمانا الحق الكامل للمتقاضي في الدفاع على حقوق من طرف من هو متخصص في القانون ومؤهل ومسؤول على أسرار المتقاضي وعلى ممتلكاته وأعراضه.
وهكذا أكد المقترح، وبعد القانون على طابع توسع مهام المحامي، لذلك نجد أن المادة 30 من قانون مهنته هي التي تنص على الحضور الحصري للمحامي والنيابة على الأطراف وممارسة الطعون في الأحكام وتحرير العقود بل والتصالح والتنازل عن الدعوى والطعن بالزور في الوثائق بدون أي وكالة، إلا من الوكالة الضمنية التي يعطيها المتقاضي لمحاميه في علاقته الشخصية به.
وبطبيعة الحال هذه المادة تكرس تطبيق ما ينص عليه الفصل 45 من قانون المسطرة المدنية التي عممت المسطرة الكتابية في جل القضايا التي تعرض امام المحاكم.
وعندما نتكلم عن المسطرة الكتابية فإن المقصود واحد، وهو وجوب ان تقدم الدعاوي من طرف المحامي.
كما بذل مجهود كبير عند سن القانون المتعلقة بمحاكم الاستئناف الادارية بأن تم ادخال تعديل عليها أدى إلى تمكين المحامي من تمثيل الدولة والادارات العمومية، بعدما كانت الدولة والإدارة العمومية تمثل حصريا من قبل الوكيل القضائي.
نص المقترح كذلك لأول مرة على أن أتعاب المحامي هي دين امتيازي، وكانت المفاوضات مع الحكومة بخصوص هذا تقتضي، تنطلق بكون المحامي الذي يواكب إنقاد شركة ما من الافلاس، فمن العدل أن تحمي أتعابه، والحماية القانونية الوحيدة هي إضفاء طابع الامتياز عليها.
كما أن اشكالية تصرف بعض المحامين في الودائع وما خلف من مشاكل عويصة على الحل أدت إلى تفكير بعض الجهات في منع وصول المبالغ التي يتم تنفيذها إلى حساب المحامين، وتسليمها مباشرة إلى الموكلين على أن يتسلم المحامي أتعابه من كتابة الضبط بعد إحضار مقرر تحديد الاتعاب.
فكان الحل التوافقي هو إحداث حساب الودائع وجعله تحت الرقابة المستمرة لنقيب الهيئة.
غير أن التجربة أبانت عن تخلي البعض عن هذه المهمة، بل اصبح بعض المحامين يسلمون تنازلا عن نيابتهم لموكليهم ليتمكنوا من استخلاص المبالغ المنفذة لهم مباشرة من صندوق المحكمة حتى لا تصل إلى حساب الودائع.
كما تناول القانون اشكالية استئناف النيابة العامة لقرار الحفظ الضمني لقرار النقيب عندما لا يبث في الشكاية المقدمة له من قبل أي مواطن، إذ أصبحت محكمة الاستئناف ملزمة عندما تقبل استئناف النيابة العامة بإحالة الملف على المجلس، وليس التصدي والبث في موضوع الشكاية.
غير أن الأمور ستتغير بشكل كبير فيما ستقدمه الحكومات التي ستأتي بعد دستور 2011 في مخالفة لما اتى به هذا الدستور من الأمر بضمان المحاكمة العادلة وضمان حقوق المتقاضين كما هي محددة في الفصول من 117 الى 198، بل تم التأكيد ذلك الحقوق في الخطب والرسائل التي أصدرها، والتي أكد فيها جلالته على مبدأين وهما:
الأول وهو:إن القضاء يجب أن يستغل ليكون في خدمة المتقاضين.
الثاني وهو: أن النجاعة القضائية يجب أن تكون هدفا في تدبير القضاء والعملية العدلية بكل مكوناتها.
وهذه المبادئ التي تخدم مشروع مجتمعي مبني على العدالة الحقيقية المنصفة لن تتحقق بل وتتعارض مع أي إلغاء لحضور المحامي ممثلا للمتقاضين أمام المحاكم.
ذلك أن كثرة القوانين وتداخلها و تعقدها سيتزايد بتزايد تطور وتنمية بلدنا، بل أحيانا تتعارض تلك القوانين وتتضارب مع الاجتهادات التي تصدر عنها، مما يجعل من المستحيل أن يتمكن المتقاضي لوحده من الحصول على حقوقه بدل مساعدة من المحامي المؤهل لذلك.
إن التدرع بالقصر المادي لبعض فئات المواطنين، أو للطبيعة غير المعقدة لبعض الملفات لا تنهض حجة ومبررا لالغاء دور المحامي في تحقيق النجاعة القضائية وفي حماية مصالح المتقاضين، وذلك لكون المساندة القضائية لم تبق اليوم مجانية.
وبالفعل فإن قانون المهنة الحالي حرص على النص على حق المحامي في استخلاص أتعاب له عندما ينوب في المساعدة القضائية، بل أن الحرص كان واعيا في كون تلك الأتعاب يجب أن تستخلص من الخزينة العامة، أي من ميزانية الدولة.
وإنه إذا ما أضيف لهذه كله بكون مهنة المحاماة هي المشغل الثاني بعد الدولة للأطر الخريجي الجامعات، فإن الاهتمام بها كان محط احترام من قبل الجميع وهو ما مكن من صدور القانون الحالي لمهنة المحاماة.

فماذا قامت به الحكومات لتي اتت بعد دستور 2011
يجد المتتبع نفسه مضطرا للاعلان على أن القوانين التي أصدرته الحكومات التي أتت بعد دستور 2011، أنها قلصت من مجال مهام المحامي، وانقصت من الحقوق التي اكتسبها قبل مجيئها، في تعارض واضح مع خطابها المليء بالحديث على الاهتمام بمصلحة المتقاضي والحديث على النجاعة القضائية.
وهكذا يمكن ان نقف عند ما أتت به بعض القوانين التي قلصت من مجال مهام المحامي وهي كما يلي:
1 ­ المادة 268 من القانون المنظم للجماعات الترابية التي خلقت مؤسسة الوكيل القضائي للجماعات الترابية، والتي نص تلك المادة على أنه مؤهل للترافع،
وذلك خلافا لما ينص عليه ظهير 1953 المتعلق بالوكيل القضائي الذي ينص على أن هذا الاخير هو مكلف فقط بتمثيل الإدارة، وليس بالترافع، علما أن جلسة Œالترافع˜ تعطي الحق لذلك الوكيل بأن الترافع يكون شفويا.
علما أن ذلك القانون لم يحدد له أي مواصفات علمية أو غيرها إلا ما كان من كونه معين من طرف وزير الداخلية.
وأنه لولا تدخل وزير الداخلية بواسطة منشور رقم DI747 المؤرخ في 22/12-2021 الذي أكد على أن دور الوكيل القضائي للجماعات الترابية هو من أجل مساعدة الجماعات في كل ما له علاقة بالقضاء. الداخلية نصت على ضرورة أن يكون هو المخاطب لمحامي الجماعة، لوجدنا أشخاص عاديين يرافعون أمام المحاكم إلى جانب المحامين، مادام أن القانون التنظيمي الذي قدمته الحكومة آنذاك لم تمنع الوكيل القضائي للجماعات الترابية من الترافع باسمها أمام القضاء.
2 ­ القانون التنظيمي رقم 38-15 الذي هو مشروع يعود إلى سنة 2015 كما يتبين من رقمه 15-98الذي حذف اللجنة الثلاثية التي مكونة من عدد من النقباء وكانت تشتغل مع وزارة العدل، وبعد ذلك شكلت جهويا في كل محكمة من محاكم الاستئناف لجنة المكونة من الرئيس الأول والوكيل العام ونقيب هيئة المحامين.
وكانت هذه اللجنة تباشر تدبير المحكمة في تناغم بين الهيئة القضائية وهيئة المحامين،
غير أن مشروع القانون المتعلق بالتنظيم القضائي، حذف من تلك اللجنةو تم النص عليه في لجينة سميت بالنزاعات.
3- تم الحرص في قانون المهنة على أن يؤدي أتعاب المحامي في المساعدة القضائية من الخزينة العامة ضمانا لاستقلال المهنة عن أي جهة ومنها وزارة العدل،
غير أن الحكومة الأولى بعد دستور 2011 تجاوزت ذلك القانون وقررت أن تؤدي أتعاب المحامي في المساعدة القضائية من باقي مخصصات وزارة العدل،
وليس من الخزينة العامة.
أما بخصوص مشاريع القوانين المتعلقة بقانون المسطرة المدنية أو قانون المهنة فإن التقليص من مجال مهام المحامي سيزداد والمس بالمكتسبات سيزداد.
1- يتوسع مجال المسطرة الشفاهية أي عدم إلزامية المحامي في رفع عدد من الدعوى، لأن تلك المسطرة كانت تتوقف عند دعاوي النفقة والطلاق،
بينما مشروع المسطرة المدنية مدد المسطرة الشفاهية إلى الدعاوي المتعلق بالزواج والتطليق وغيرها،وأضاف مقتضى آخر غامض هو كل (القضايا الأخرى التي ينص عليها القانون)
فالمسطرة الكتابية اليوم محصورة في الفصل 45 من ق.م.م، ماعدا القضايا التي تقل عن 20.000.00 وفي قضايا النفقة والطلاق والتطليق.
بينما المادة 96 من مشروع قانون المسطرة المدنية فهو مدد المسطرة الشفوية إلى قضايا الزواج والرجوع لبيت الزوجية،الطلاق الإنفاق، أجرة الحضانة.
لكن ما يجب الوقوف عنده هو جملة (كل القضايا الأخرى التي تنص عليها قانون آخر)
2 ­ المادة 8 نزع المشروع من المحامي مهمة الصلح وإسنادها للمحكمة، بينما قانون المهنة أسندها فقط للمحامي طبقا للمادة 43 من قانون مهنة المحاماة، ويظهر أن المحامين لم يستعلموا هذه الإمكانية مما جعل المشرع يتدخل لسحبها منهم.
3 ­ المادة 10 عرقلت حق الولوج للعدالة لأنه سيصبح مجاله ضيقا ويجب ممارسته بحذر لأنه قد يعرض للحكم عليه بالغرامة في الحالة التي تعتبر المحكمة أن أحد المتقاضين له سوء نية.
4 ­ المادة 62 عرقلت حق الولوج للعدالة، لأن المحكمة عندما تحكم بعد قبول الدعوى، تحكم بالغرامة،
وفي الحالتين لا يتبين من المشروع على من سيحكم المحكمة بالغرامة هل على المتقاضي أم على محاميه.
5 ­ المادة 87 سيصبح المحامي ملزم بالتبليغ بواسطة مفوض قضائي تحت طائلة عدم القبول الدعوى.
6 ­ المادة 94 تنص على أنه إذا صدرت أمام القضاء أقوال أو أفعال تتضمن سبا أو قذفا ولو يتعلق الامر بمحامي حرر محضر بأمر من الرئيس وأحيل على النقيب وعلى الوكيل العام لايجاد ما يلزم طبقا للقانون بينما في الفصل 43 ينص فقط على الإحالة على النقيب.
7 ­ المادة 13 تعطي للمحكمة الحق في تغيير سبب وموضوع الدعوى إذا تعلق الأمر بالنظام العام، بخلاف الفصل 3 من قانون المسطرة الحالي.
8 ­ المادة 47 أحدثت قاعدة جديدة لبداية آجالا الطعن وهي ما سمته بالعلم اليقيني، كما خفضت من أجل التظلم الإداري الى 30 يوما.
9 ­ المادة 62 أكدت على أن الحكم بعد قبول الدعوى يؤدي الى الحكم بالغرامة .
10 ­ المادة 243 أعطت للمحكمة الحق إذا اعتبرت أن التعرض أو الاستئناف يقصد به المماطلة وجب عليها أن تحكم الغرامة مابين 5و % 15 من مبلغ الدين.
11 ­ المادة 340 تعطي الحق للمحكمة في حالة رفض طلب التجريح أن تحكم بغرامة 10.000 وكذا بالتعويض للقاضي موضوع التجريح.
12 ­ المادة 375 حصرت حق الطعن بالنقض في الدعوى التي تبث في أكثر من 100.000.00 درهم
13 ­ المادة 43 نصت على أن بعض المحاكم سيصبح لها 3 رؤساءM
­ رئيس المحكمة الابتدائية
­ ورئيس القسم المختص تجاري
­ ورئيس القسم المختص إداري
ولكل واحد من هؤلاء الرؤساء نفس الاختصاصات، في القضايا الاستعجالية وقضايا الموضوع، وفي تعيين المقررين.
14 ­ المادة 110 ألزمت بكون المقرر يجب أن يوقع الحكم مع الرئيس،وهو ما يعني إلغاء لفكرة القضاء الجماعي.
15 ­ المادة 17 مكنت النيابة العامة من الحق بأن تطلب التصريح ببطلان حكم مخالف للنظام العام دون مراعاة لأي أجل ، ولم تكن طرفا في القضية، بينما المسطرة الحالية يمنع عليها الطعن في الأحكام إلا إذا كان طرف رئيسيا.
16 ­ المادة 49 أصبحت تنص على إمكانية إيقاف أجل الطعن لإلغاء القرار الإداري عندما يقدم لجهة غير مختصة وعندما يتم اللجوء للوسيط،
مع أن أجل الطعن هو أجل إسقاط لا يعرف ولا التوقف ولا الانقطاع.
17 ­ المادة 400 أصبح ممكنا للغير أن يدخل في مسطرة النقض.
هذه القضايا لم يبدي فيها الرأي من قبل المعنيين الأولين وهم المحامين، وليس غريبا لأن،
المحامون غابوا عن المناقشة التي عرفها المجتمع حول مشروع الدستور.
المحامون غابوا عن المناقشة التي عرفها المجتمع حول مشروع التنموي الجديد المحامون غائبون اليوم عن المناقشة التي يعرفها المجتمع حول مدونة الأسرة.

(*) محامي بهيئة الدار البيضاء


الكاتب : عبد الكبير طبيح (*)

  

بتاريخ : 25/11/2023