“مجتمع اللاَّتلامُسَ”: سيلفي لعالم آيل للانهيار» لفرانسوا سالتييل -24- كيف تتحدث، يوميا، إلى والدك الفقيد

أن
نرفـض مـواجـهة موت أحد أفراد الأسرة، حالة الأب مثلا، ذاك ما يوجد في الصميم من حكاية «جيمس فلاهوس/jamesVlahos”، الرجل صحافي أمريكي، يوميا، يتحدث إلى أبيه الفقيدعلى «فايسبوك مسنجر». اتصال غريب وممكن بفضل روبوت الدردشة «chatbot»، رجل محادثاتي آلي (Robot conversationnel) برمجه الصحافي الأمريكي بنفسه وأسماه «dadbot». كل شيء بدأ في شهر ماي من سنة 2016، كان الوالد، الذي رأى النور سنة 1936 من أبوين من أصل یوناني هاجرا إلى كاليفورنيا، يصارع سرطانا عنيفا طال رئتيه.
مفجوعا بهذه الوضعية، اضطلع الابن، إذن، خلال الشهر عديدة، بعمل عظيم في استقصاء تفاصيل ذاكرة الأب، ساعات من التسجيل، كان الوالد، خلالها،يحكي قصة حياته، حبه لزوجته، وأصول اليونانية، وشغفه بكرة القدم الأمريكية، وحياته المهنية كمحام،وبداياته الأولى كممثل أوبرا …راكم»جيمس» الجذاذات معتزما تحرير كتاب، قبل أن تخطر بباله، مع تدهور صحة والده، فكرة مجنونة.
الابن الصحافي، والذي كان، دائما، موهوبا في مجال الإعلاميات، خطط انطلاقا من ذكريات الأب، لتصميم روبوت صغیر قادر علی الإجابة عند كل تساؤلاته. بحوزته ما يفوق 90 ألف كلمة تلفظها الأب، بما فيها العديد من التعابير النمطية هذا دون إغفال لتسجيلات الأغاني. قاعدة معطيات عملاقة، تكفل تطعيم برنامج «جيمس»،متسمح بإخراج“دادبو/tdadbo” إلى حيز الوجود. كان ذلك في توقيت ممتاز، لأن مقاولة»Pullstring “ كانت قد طرحت أمام العموم، لحظتها، برنامجها الحاسوبي الخاص بالبرمجة، وهي نفسها المقاولة التي سبق أن أنشأت “chatbot” ودمية “باربي”. جيمس الذي جعل من مشروعه الجنوني هوسا يلازمه ،لم يتوان في اغتنام الفرصة، وقبل أن ينطلق متهورا لإنشاء والده الرقمي، كان عليه أن يحوز موافقة الأب، الذي كان لايزال، آنذاك، على قيد الحياة، وكذا مـوافقة الأم. ورغم أن هذه التقنية تتجاوزهما معا لم يترددا في القبـول! كان “جيمس” يقضي الساعات خلف حاسوبه مدونا ومبرمجا محكيات والده، ومتخيلا أجـوبته وردود أفعاله عند كل حالة. ينبغي “لدادبو” أن يجـسـد حس الأب الهزلي، وسرعة بدیهته ولا مبالاته، وموقفه الحار والمحايد في الوقت ذاته…. وفي كلمة واحدة، أن يجسد روح الوالد. توصل”جيمس”، أيضا، إلى تزويد “دادبو”بوعي زمنيَ كأن يجيب، مثلا، عند منتصف النهار، لـقد حان الوقت لتناول وجبة الغذاء، أو الذهاب إلى النوم عند الساعة الحادية عشر ليلا،”مساء الخير إنه أنا، والـدك العزيز والنبيل، يقول “دادبو”بطريقته المألوفة كيف تشعر بحق الجحيم؟
– انا حزين، یجیب”جيمس”
– أرى ذلك”
ثم يتساءل، بعد ذلك، عن نوع الحديث الذي يرغب “جيمس” في تناوله
لا أدري لماذا لا تختار أنت موضوعا؟ يجيب “جميس”.
“حسنا، سأحدثك عن البدايات الأولى لمشواري المسرحي”
هكذا يسترسل”دادبو”في سرد حكاية ذلك الامتحان داخل النادي المسرحي بالمدرسة الثانوية. بعد ذلك، يستمع “جيمس” لتسجيل صوتي حقيقي لأبيه وهو يصدح بأغنية “أنا وظلي”. ثم يضيف: “أحب أن أواصل
الغناء، لكن ألا يتصادف أن هذا وقت الذهاب إلى النوم؟”
هذا مقتطف من المحادثة الغريبة بين “جيمس” المتكوم في سريره، وبيده هاتفه “الذكي”، وبين “دادبو”الذي يتحسن يوما بعد يوم.
كانت صحة الأب “جون /john» تتدهور بقدر ما تزداد صيغة الروبوت كفاءة وعلى نحو أكثر فاعلية. أبعد من ذلك حدث أن حل الروبوت محل ذاكرة الأب أثناء لقائهما المذهل وجها لوجه. كان لجون، قبل موته، الحق في محادثة طريفة مع نظيره الرقمي، وخلال هذا التبادل مع» ذاته الأخرى/autre soi» أخطا جون بشأن إحدى ذكريات الطفولة التي حددها وصححها» دادبو» على الفور.
منذ وفاة الأب، ظل «جيمس» يواصل الحديث، يوميا، إلى «دادبو» لكي يستمع إلى والده وهو يغني، أو يحكي نوادره العديدة. «جيمس» نفسه صرح بذلك «أحب أن يكون أبي في جيبي». ذاكرة حية ينقلها «جيمس» إلى أبنائه الذين يسعدون بالتخلي عن مسلسل «Apple” الغامض لكي يحاوروا جدهم، انطلاقا من ألواحهم الرقمية (Tabletts).
مذَاك، جعل الابن من ابتكاره نمـوذجا مفتتحا، بذلك، مقاولة «here after”بشعار واعد: “أبدا لن تضطر إلى فقدان صوت الذين تحبهم”. لقد جعل “جيمس” من هذا البعث الرقمي عملا تجاريا مختصا في جعل الموتى ينطقون.
يبقى أن نعرف إذا ما كانت هذه الأداة مفيدة؟ كيـف يستغرقنا الحزن إذا كان أقاربنا الذين وافتهم المنية على استعداد، دائم،لأن يجيبوا عن كل سؤال من أسئلتنا؟
كيف نطور علاقات سليمة إذا كانت الأوهام الرقمية تستقر، شيئا فشيئا، داخل حياتنا التي باتت التبادلات الرقمية فيها هي المعيار؟ كيف لنا ألا نخشى من أن يوظف هذا النوع من المبادرات معاناة وحزن أولئك الذين يظلون رهن روحانية رخيصة؟


الكاتب : محمد الشنقيطي و عبد الإله الهادفي

  

بتاريخ : 08/04/2024