“مجتمع اللاَّتلامُسَ”: «سيلفي لعالم آيل للانهيار» لفرانسوا سالتييل 32 : إمكانية دولة عائمة

جيد أن تبحث عن ملاذات في أقاصي نيوزيلندا، لكن، أن تحاول تشييد حضارة جديدة على جزر عائمة، فذاك أفضل! إنه كامل طموح معهد ” سايستايدين/Seasteading ” الذي يديره الليبيرتاري ” باتري فريدمان /PatriFridman” الابن الأصغر ل “ميلتون فريدمان/ “MiltonFriedman” كبير الاقتصاديين في القرن العشرين، وأشد مناصري الليبيرالية. مشروع دعمه “بيترثيال”ذي التطلعات الواضحة: ” بين الفضاء السيبراني والفضاء الخارجي، ثمة إمكانية لاستيطان المحيطات”.
يعتبر الليبرتاريون الحرية قيمة جوهرية يتعين أن تقود العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، وكذا النظام السياسي. ويؤيدون تخفيضا في سقف دور الدولة،إن لم يكن تأييدا لاختفائها بالكامل. أطروحة تناضل لأجل احترام كلي للحريات الفردية والاقتصادية.
تكرس هذه الفلسفة الإرادة الحرة، حيث الفرد سيكون قادرا على أن ينتظم لوحده سعيا وراء الصالح العام ” le biencommun” .فرد حر يتهرب، بالطبع، من الأداء الضريبي الذي ينظر إليه كاقتطاع مجحف يضيق على المبادرة الحرة.
نلاحظ أن ” الكافام ” تتقاسم نفس وجهة النظر هاته، وهي التي تتردد في التخلص من الضرائب و الرسومات داخل كل البلدان التي تباشر فيها أعمالها، ممارسة تجنبا ضريبيا غير متمدن.
تسجل “آبل” منذ سنة 1991،الحصة الكبرى من نشاطها بإيرلندا،هناك حيث أبرمت التفاحة ( رمز لآبل ) اتفاقا ضريبيا سريا مع الحكومة. أما فايسبوك، فجعل من جزر ” كايمان/ caiman ” صديقه الجديد لكي يوطن مقره الأوروبي، فيما اختار كوكل الأراضي المنخفضة “Pays Bas ” مرورا ببيرمودا/les bermudes “.
لقد حاولت فرنسا،عبر وزيرها في الاقتصاد ” برينولومير/ brunolemaire”،أن تفرض سنة 2019،رسما ضريبيا على ” الكافا” لتعويض الخسائر في الأرباح، والتي تقدر بملايين الدولارات.غير أن، هذا الرسم الضريبي، والذي لا يمثل سوى 3%من رقم المعاملات الذي أنجزه عمالقة الرقمي داخل فرنسا، تم تعليقه تحت الضغط الأمريكي، أشهرا قليلة بعد ذلك،أي خلال شهر يناير من سنة 2020. هذا ما يعري ضعف الدولة المجبرة على الخضوع لقانون المقاولات العملاقة.
تماما كالليبيرتاريين، يحلم مسؤولو الكافام بمكان يكونون فيه، وحدهم، سادة التخفيض الضريبي، مكان لا تحكم فيه للقرارات السياسية في مصير الأفراد. هذا الحلم، هو ما يسعى معهد “seasteading” الى تحقيقه، منذ بضع سنوات، جوار جزر عائمة، متخيلة بالنسبة الى البعض،في “بولينيزيا الفرنسية / PolynésieFrançaise”. يقدم السيدان “باتري فريدمان/ PatriFridman،والكاتب جوكيرك/ joequirk” عرضا تفصيليا حول مقاولتها الشاسعة، في بيان لهما بعنوان طموح:”seasteading” كيف تستعيد الدول العائمة من قبضة السياسيين.صيانة البيئة، وإثراء الفقراء، وعلاج المرضى، وتحرير الإنسانية.بناء أكبر مدينة عائمة، ذاك هو المسعى الذي يرمي إليه” seasteading “.متجذرة داخل أعماق البحار،يمكن لهذه الجزر أن تأوي إقامات، ومتاجر،ومعاهد للتكنولوجيا الفائقة (hight-tech ). سيكون بمقدور سكان هذا العالم الصغير أن ينتجوا الطاقة الخاصة بهم، وأن يعالجوا نفاياتهم.
وعد أخضر زاهر لطمأنة المدافعين عن المسألة المناخية. كل ذلك، يستمده معهد” seasteading” ،جزئيا،من الحكاية المذهلة لإمارة ” سيلاند / sealand ” الواقعة قبالة مصب نهر التايمز،داخل المياه الدولية لبحر الشمال. دولة صغيرة ذات سيادة ذاتية على قاعدة عسكرية بريطانية قديمة.هذه الدولة التي لا تزال موجودة،والتي أسسها سنة 1967، البريطاني ” بادي روي بات / Paddy Roy Bates “، غير معترف بها ، طبعا، من طرف هيئة الأمم المتحدة (L’ONU) ، على الرغم من أنها تصدر،مع ذلك، جواز السفر،والطوابع البريدية، وتسك العملة النقدية (E Mare Libertas / حرية البحر )، وتلك هي عملة أصغر دولة في العالم.
أيضا، يود معهد ” seasteading ” أن تكون المدن العائمة مشيدة في أعالي البحار، حيث لاحق للسيادة الوطنية في بسط هيمنتها.فضاء دولي غير قابل للتملك، ولا يمكن لأي دولة أن تمارس سيادتها عليه.لكن،ولاعتبارات عملية، اضطر المعهد الى التراجع موليا وجهه شطر أراض فرنسية جنوب المحيط الهادي، والتي تعرض منطقة اقتصادية خاصة معفاة من الرسوم الضريبية. صلاحية مطلقة فوضتها “بولينزيا” الفرنسية، مقابل إحداث مناصب للشغل، وكذا مقابل الابتكارات التكنولوجية.
كانت فكرة ” seasteading “، التخلص من الرسوم الضريبية، وحتى من قبضة الحكومات ، تعزيزا للحرية الفردية. يمكن لساكني هذه المدن التجمع في مجموعات مختلفة،في جزيرات، حيث يقرر كل واحد في شأن قوانينه الخاصة.يود “باتري فريدمان”، أيضا، أن تمتلك هذه الجزر حق الرقابة على تدابير الهجرة، وكذا على الابتكار، وان تكون لديها عملتها النقدية الخاصة.
ربما، لن يرى النور، أبدا، إخراج هذه اليوتوبيا– ما بعد السياسة إلى حيز الوجود المائي، لكنه يبقى، مع ذلك، مثيرا، لأنه يوضح جيدا، الفلسفة اليبيرتارية التي يتقاسمها زعماء وادي السيليكون.
أن نضع الإنسان على جزر (ilies)، فتلك فكرة تعزز، فعليا، الانعزال (l’isolement) كما يؤكد ذلك الجذر الاشتقاقي لكلمة كائن معزول، ولكن متصل بالعالم(connecté au monde)، يتمتع بأرخبيل من الخدمات والتطبيقات.مثل هذا الكائن سيكون له كامل المكانة داخل مجتمع اللاتلامس.مجتمع مثالي يندرج ضمن اتجاه معاكس لما سطره الشاعر الانجليزي ” جون دون / john done “، في قوله المأثور: “مامن رجل جزيرة”.


الكاتب : ترجمة: محمد الشنقيطي / عبد الإله الهادفي

  

بتاريخ : 19/04/2024