“مجتمع اللاَّتلامُسَ”: «سيلفي لعالم آيل للانهيار» لفرانسوا سالتييل -33- «بيتيرثيال» ملياردير يريد تصفية الدولة

“ أنا ضد الضرائب المصادرة، والجموع الكليانية “Totalitaires”، وإيديولوجيا حتمية موت كل فرد.لكل هذه الاعتبارات، أسمي نفسي ليبيتاري، وأهم من ذلك أكثر، لا أعتقد، بعد، أن الحرية والديمقراطية متناسقتان”.
هذه بعض من الكلمات الصاعقة المنحدرة من نص مكتوب ل “يبتيرثيال”، سنة 2009، لفائدة مركز الأبحاث “Think Thank” الليبيرتاري، “ معهد كاتو/ le cato institute”.
بعد أن رأى النور سنة 1967، بمدينة فرانكفورت، وصل الرجل، منذ شبابه المبكر، الى الولايات المتحدة الأمريكية. كان قد تلقى تربية صارمة وقاسية تفسر، دون شك، رفضه لكل أشكال السلطوية.كان “ بيتيرثيال” تلميذا نجيبا في الصف الدراسي لفلسفة القرن العشرين، بجامعة ستانفورد،قبل أن ينشئ،سنة 1998، المقاولة التي ستصنع ثروته وأسطورته، ابتكر، صحبة الأخصائي المعلوماتي “ ماكس ليفشين / Max Levchin” ما سيصبح،مستقبلا، نظاما للأداء على المباشر “ باي بال/Pay Pal” (Paiementenligne).مغامرة سيلحق بركبها “ ايلون ماسك”، سنتين بعد ذلك، “ باي بال” تجسيد، أيضا، لعملة بديلة تنفلت من قبضة كل رقابة حكومية لبنة صغيرة على درب تشييد الصرح الليبيرتاري الخاص بهذا المقاول الحذر، و الذي يمارس أنشطته منضبطا لكل الأشكال النظامية.
هو أيضا واحد من المستثمرين الأوائل في فايسبوك، موقع التواصل الاجتماعي الذي مازال يشغل منصبا داخل مجلسه الإداري.لكن بعيدا عن الفرصة المالية التي اهتبلها الرجل ( سيكون رهانه قد تضاعف 3000 مرة)، اكتسى هذا الاستثمار طابعا سياسيا متطورا ضمن سياقه، خلال سنة 2009، “خلال سنوات 2000، رتبت بعض المقاولات، كفايسبوك، الفضاء لأشكال جديدة من المعارضة، وطرائق جديدة لتكوين تجمعات لا تحدها دول قومية تاريخية.وبإطلاق مقاولة جديدة على الأنترنت، يمكن للمستثمر أن يبدع عالما جديدا”. بالمناسبة، بوسعنا أن نلاحظ أن التجمعات في جزيرات متخلية مع معهد “seasteading”، تشكل تقريبا نوعا من التجسيد البحري لمجموعات الفايسبوك.أشخاص مجتمعون داخل نفس الفضاء حول قيم مشتركة. سيخوض “يبتيرثيال” تجارب “ تخريبية” عديدة كخدمة الشقق المستأجرة “Air bnb”، و موقع تحميل الأغاني “Spotify “، أو خدمة التوصيل “Lift “ (المنافس لتطبيق “Uber”). ومع القدرة على سك العملة، ألتفت “ ثيال” صوب وظائف سيادية أساسية أخرى: الأمن. سنة 2004 أسس صحبة “أليكس كارب / Alex Karp”و”جولونسدال/joe lonsdale” المقاولة الناشئة “تكنولوجيات بلانتير/ la start-up plantir Technologies “ التي استوحى اسمها الغامض من عمل البريطاني “ج.ر.ر.تولكين/j.R.R.TOLKIEN” في فيلم “ سيد الخواتم/ le seigneur des Anneaux”.البلورات / LES PALANTIRI “،أحجار سحرية تسمح بالرؤية لمسافة بعيدة،متيحة مراقبة الغدو والإيقاع به. أن يراك أحد، فذاك وعد رائع تأمله كل الأجهزة المخابراتية في العالم.طورت مقاولة “ Plantir” صنفين من البرامج: “بلانتيرالعاحمة/PlantirMemopolis” الذي يقدم تحليلا كميا لفائدة الأبناك وصناديق الاستثمار بوول ستريت، و “ بلانتيرغوتام/Palantirgotham” الذي تم تصميمه لفائدة الأجهزة المخابراتية والأمن الداخلي. تكمن قوة “ بلانتير “ في قدرته على معالجة كميات من البيانات التي تبث، شخصية كانت أم مجردة وفي تمكنه من انجاز اتصالات أن تجعل غير مرئي مرئيا دون البيانات قابلة للاستغلال من طرف الزبائن.كانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (LA CIA) أول من استهواه إغراء الخدمة، ثم بعد ذلك،وكالة الأمن القومي ( Le FBI) والعديد من الوحدات الأمنية، كتلك الخاصة بلوس أنجلس “ شرطة لوس أنجلس ( LAPD)”.في أقل من عشر سنوات، أصبحت “ بلانتير” الرائدة، عالميا، في مجال تحليل البيانات العملاقة، وواحدة من أكثر المقاولات استئثارا بالتقدير على وجه البسيطة.
لم تسلم “ بلانتير” من بغض الفضائح، فقد ورد اسمها في قضية كامبريج أناليتيكا،كان لهذه “ الحجرة السحرية” دور في معالجة البيانات من فايسبوك لفائدة المرشح ترامب.مع برنامجها أداة “ الليزر –Laser “ الذي قدمته لفائدة الشرطة الاستباقية، لقيت “ بلانتير”، أيضا، دعاية كبيرة، برنامج قادر على معرفة إذا ما كان بمقدور الشخص المشتبه به ارتكاب الجرم، وأيضا،على تحديد المناطق الخطرة، أو الأنشطة التجارية المشبوهة.سمحت “بلانتير” لنفسها بأن تقرأ فاكة الشيفرات، على نحو استباقي، بفضل تدقيق و فرز مختلف البيانات المتشابكة ( لوحات ترقيم السيارات، ملفات الإدانات، مواقع التواصل الاجتماعي)، والتي تظل مبهمة جدا، بالنسبة الى جمعيات ضحايا العنف الأمني في أمريكا، وخصوصا، في لوس أنجلس: “ النظام برمته مشيد على معطيات متحيزة و عنصرية تشرعن قرينة الإدانة “ كما صرح بذلك، مستنكرا، “حميد خان / hamid khan “ في “ تجمع التحالف ضد التجسس لفائدة شرطة لوس أنجلس / Stop l’APD spying coalition”، تستهدف هذه البرامج الأقليات، الدليل: تم اختبارها، أول مرة، في المنطقة الجنوبية الوسطى ( south central)،حي فقير جدا،في وسط لوس انجلس،حيث يعيش، أساسا،الأمريكيون من أصل أفريقي، وذوو الأصول الاسبانية”.هذه واحدة من المفارقات العديدة لهذا الليبيرتاري”،بيثرثيال”، والذي يسارع، دوما، إلى الدفاع عن الحريات الفردية، ولكن، بالأحرى، حرياته هو،أكثر من تلك الخاصة بالفئات الأكثر هشاشة.
سنة 2016، نجحت “ بلانتير” في ولوج السوق الفرنسية، حيث باتت الأداة الضرورية الجديدة لدى الإدارة العامة للأمن الداخلي (DGSI) بعقد على مدى خمس سنوات، مقابل عشرة ملايين أورو.أثار اختيار العودة إلى مقاولة أمريكية مشاكسة لتدبير بيانات على قدر عال من الحساسية، موجة من الجدل داخل البلاد، والتي كانت ما تزال تحت صدمة الاعتداء الدموي آن أحداث 11 نونبر من قبل داعش. لم تجد السلطات التنفيذية حلا فرنسيا جيدا، وهو ما كان على حساب مصالح شركة “ طاليس الفرنسية / Thales “.لابد أن “بلانتير” كانت حلا استعجاليا مؤقتا،مع ذلك،تم تجديد عقدها مع المصالح الفرنسية،سنة 2019، لسنوات إضافية عديدة.تجديد أثار تساؤلات كثيرة، خاصة ما يتصل منها بحماية بيانات المواطنين الفرنسيين الشخصية. يعرف “ ثيال” كيف يجعل من نفسه رجلا أساسيا لا غنى عنه.إذا كان بوصفه مقاولا، يتبرم من القانون الذي تفرضه عليه الدولة، فإنه يحب الاستفادة منه كيما يمارس أعماله التجارية، مقحما نفسها أكثر، في الصميم من جهاز الدولة. كان الرجل، فضلا عن ذلك، أحد أنذر أباطرة الذين انخرطوا، عموميا، في حملة دونالد ترامب الرئاسية التقنية سنة 2016.بهذه الكيفية، يبرر هذا التوغل في المشهد السياسي،والذي يمكن أن يبدو معاكسا لفلسفته الليبيرتارية: “ لست سياسيا، ولا حتى دونالد ترامب.انه بناء، وقد حان الوقت لإعادة بناء أمريكا ! “.أخر كلمات خطابه، أثناء انعقاد مؤتمر الحزب الجمهوري بمسقط رأسه “ كليفلاند/ cleveland”، ظلت راسخة في سجلات التاريخ: “ أنا فخور أن أكون مثليا جنسيا، وفخور أن أكون جمهوريا، وفوق كل هذا،أنا فخور أن أكون أمريكيا”.برهنة على الثقة، كوفئت بمنصب مستشار بالقرب من الرئيس المنتخب حديثا.لم يستطع “ثيال” أن يتوظف إلا لدى مرشح مناهض للنظام، ومرجح لكفة الفردانية الجامحة، والذي بتقاسم وإياه، أيضا، بعض الأفكار الليبرتارية.طيلة فترته الرئاسية،كان دونالد ترامب يجدد ثقته في “ بلانتير” حتى حدود اندلاع أزمة كوفيد19،حيث احتفظ بمقاولة البيانات الضخمة هذه، لتجميع المعطيات و تبع مراحل تطور الجائحة. خيار عملت به، أيضا، المملكة المتحدة.لكن هذه المرة،رفضتها المساعدة العامة لمستشفيات باريس الفرنسية ( AP – HP) مخافة التدخل الأجنبي في بيانات الصحة العمومية.
منذ بواكير شبابه، كان “ثيال” شغوفا بلعبة الشطرنج، وتم تصنيفه ضمن 20.000 أحسن لاعب على ظهر الكوكب. يعشق إقامة أوجه لتشبثه بين ممارسته للعب وبين عالم الأعمال،حيث الاستراتيجية سيد دون منازع.” في لعبة الشطرنج، الملك هو القطعة الأكثر أهمية،لو خسرت الملك،خسرت الجولة.ولكن، على نحو ما، هو أيضا القطعة الأضعف، بالنسبة الي، يجد هذا صدى له في السياسة.نظن أن الزعماء السياسيين هم الأقوى،والحال أنهم، في الحقيقة،أكثر ضعفا مما نعتقد”.على رقعة الشطرنج، يمكن ل “بيتيرثيال” أن يكون أي شيء،باستثناء أن يكون بيدقا، أو فيلا، ولكن بالأحرى، يمكنه أن يكون فارسا صبورا وقادرا على إحداث “كش ملك” عند أدنى خطأ من خصمه.رغم تعيينه لدى الملياردير ترامب،فالوسط السياسي كان بعيدا عن تحصيل امتيازات من هذا المقاول الذي راهن على التكنولوجيات الجديدة ليصمم عالمه الجديد. “السياسة، هي التدخل في حياة الآخرين دون موافقة منهم.ربما لأجل ذلك، في الماضي، لم يحرز الليبيرتاريون سوى تقدم قليل في المجال السياسي. لذا، أدعو الى تركيز الجهد في قضايا أخرى، في مشاريع سلمية يعتبرها البعض كما لو كانت طوباوية”.
بالنسبة الى “ بيتيرثيال” ثمة ثلاثة طرق لتجاوز الحدود الفيزيقية المحجوزة، سلفا، من قبل الدولة: الفضاء السيبراني الذي تتحكم فيه، جيدا، من نواح عديدة باعتباره واحدا من أكبر أمنائها، الفضاء البحري الدولي ( و من هنا، مشاركته ل”باتري فريدمان / Patri Friedman ) ، والفضاء الخارجي. المكون الأخير داخل هذه الثلاثة، هو الغزو الفضائي الأثير لدى صديقه القديم وصاحبه الليبيرتاري “أيلون ماسك / Elon musk”.


الكاتب : محمد الشنقيطي و عبد الإله الهادفي

  

بتاريخ : 20/04/2024