محمد الشوبي، الفنان الصادق المُشاكس

 

لن أتحدث عن الفنّان السّي محمد الشوبي، وعنْ مساره الحياتيّ ومواقفه وآرائه التي يُسيء الكثيرون تأويلها بكيفيّة مُغرضة في الكثير من الأحيان. فذلك يدخل في باب المُواطنة والشعور المَدَني والمواقف الشخصية التي من حقّ أيّ مواطن اتّخاذها إزاءَ هذا الموضوع أو ذاك، هذا الحدث أو ذاك بأيّة وسيلة تواصليّة شاءَ.خلافاً لذلك، سأتوقف عند ثلاثة عناصرَ تبدو لي أساسية في تجربة محمد الشوبي الفنيّة، وهي: موهبته الفنية، ثقافته، الفن باعتباره مسؤولية.

موهبته:تبدأ تجربته منذ نعومة أظافره في التشخيص المسرحي بمدينة مراكش، منذ سبعينيّات القرن الماضي. يتجلّى ذلك فياحتكاكِه بتجارب مسرح الهواة خلال هذه الفترة، قبْلَ أنْ يقرّر الالتحاق بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط (ISADAC). فضْلاً عنْ انفتاحِهِمنذ سنة 1988على المسرح الاحترافي تشخيصاً وإخراجاً بفضل تكوينه الأكاديمِيّ النظريّ والعملي داخل المعهد وخارجه. إنّ الموهبة تتجلى كذلك في قُدْرته على الكتابة المتعددة التي صَقَلَها بالقراءة والمناقشات وحضور الندوات الأدبية والثقافية. ذلكَ أنَّالشوبي من الفنانين المغاربة القلائل الذين تراهُم يقتانون الجرائد والمجلات طيلة السنة، كما يقتانون الكتب في معرض الكتاب السنوي. ومن ثمّ، فإنّ هذه الموهبة التي طوّرها الشوبي، منذ وقت مبكّر، هي التي جعلته يستقيل من الوظيفة العمومية التي انخرط فيها بضواحي مدينة آسفي، لينخرط في العمل الفنّي غير آبِهٍ بالوظيفة ولا بالمال.
ثقافته:يتميّز الشوبيعن كثيرٍ من الفنّانين المغاربة بثقافته الواسعة واهتمامه الجدّي بالآداب والفنون. فهو قارئٌ نَهِمٌ دائمُ البحث عن توسيع وتنويع أفقِه الثقافي والفكري، كما أنّ له ثقافة مسرحية وسينمائية واسعة، دشّنَها باشتغاله المعرفي بالمعهد عن مسرح موليير. وهو كذلك قارئٌ ومبدعٌ قَلِقٌ لا يدْعَن لرأيٍ ولا يُهادن فكرةً لا تنسجم مع تفكيره، وباحثٌ عن أجوبة تتجاوز الخشبة والسينما لتعانق الثقافة بمعناها العام.ثمّ إنه دائمُ الانشغال بقضايا الشأن العام، وبحضوره الإعلامِيّ الفاعل من حين لآخر في الصّحافة الوَرقية والإلكترونية مُبْدعاً أدبيّا، أو معبّرا عن رأيٍ، أو مُدافعاً عن قضيّة، أو مساجلاًالمخالفين له. إنّه باختصارٍهو خيْرُ مُجَسِّدٍ للعلاقة بينالإستتيقيّوالإيتيقيEsthétique et éthique.
إلى جانب المسرح، الذي قدّم فيه الشوبي أعمالاً فنية رائدة (العازب لجمال الدين الدخيسي،صوت ونورللطيب الصديقي سنة 1988، بوحفنةوأولاد البلاد ليوسف فاضل سنة 1999، والنشبة لمسعود بوحسين سنة 2007، عن نص للرائد أحمد الطيب لعلج. أما المسرحيات التي أخرجها أواخر التسعينيات فهيهيستيريا والمدينة والبحر ومرتجل ورسائل خطية)؛ والسينما والتلفزيون في أعمالٍ كثيرة، طويلة وقصيرة، أشير إلى البعض منها فقط (فيلم أولاد الناس من إخراج فريدة بورقية،عطش لسعد الشرايبي ولعبة الجواسيس لطوني سكوت، والسمفونيةالمغربية لكمال كمال، وطريق العيالاتلفريدة بورقية، وتازة للمخرج الكندي دانيال جيرفي، والدار الكبيرةللمخرج لَطيف لحلو، وعودالريح لداوود أولاد السيد،واعقلتي على عادل؟لمحمد زين الدين،والأندلس مونامور لمحمد نظيف وألف شهر لفوزي بن السعيدي. مسلسل دواير الزمان والمجدوبلفريدة بورقية، وشجرة الزاوية لمحمد منخار، وصقر قريش، وربيع قرطبة، وملوك الطوائف للمخرج السوري حاتم علي. الأفلام التلفزيونية (القضية لنور الدين لخماري وشمس الليل لعبد الرحيم مجد، وعلام الخيللادريساشويكة، ومعطف أبي لعزيز السالمي، وحتى اشعار آخر لمحمد اقصايب، وطريق مراكش ونهاية أسبوعبالعرائش لداوود أولاد السيد والدم المغدور لعادل الفاضلي، وثمن الرحيل،ووتسقط الخيل تباعالمحمد الشريف الطريبق).
بالمُوازاة مع هذا الزّخم الفني، كشف محمد الشوبي عن موهبة كبيرة في الكتابة القصصية والشعرية.منها مجموعة قصصية بعنوان ملحمة الليلتتناول إبداعيّا موضوعاتٍ تبدو هامشيّة: حيوات الناس الداخلية، نفسيا واجتماعيا: الخيانة، الملل، القلق النفسي والعاطفيّ، النفاق، التناقض العاطفي. ديون شعري بعنوان وطن على حافة الرحيل، وهو تعبير مجازيّ يُطلُّ منهالشوبي من خلال إيقاعٍ شعري داخليّ على الذات الفردية والجماعية، وعلى المجتمع والوجود الإنساني المتقلّب والمتعثّر.
الفَنّ باعتباره مسؤولية: يُعدّالفنّان محمد الشوبي من الفنّانين القلائل الذين ينخرطون في أعمالهم الفنية من بابِ الإحساس بالمَسْؤولية: المسؤولية الأخلاقية والفنية بالمعنى الذي أشرتُ إليه سابقاً. إنّ الشوبي فنّانٌ يشتغل في/ بالفنّ وعيْنُهُ على المجتمع. هو من طينة الكُتّاب والفنانين الكبار الذين لا ينتهي دورُهم بانتهاء العرض أو المسلسل أو الفيلم. مِنْ هُنا تميّز أعماله بالصّدق في الأداءِ والتّشْخيص، وبالصّدْق في اختيار الأدوار المسرحية والسينمائيّة. ولعلّ ذلك من بيْن الأسباب التي جَعَلتْه مُقلًّا في الظهور. هذا الصِّدْق الفنّي هو الّذي يَجْعَله يُشخّص أدواره بنوع من التماهي مع الشّخصية وَمَعَ الموضوع، ويَجْعله، في الآنِ ذاته، صادِقاً وصريحاً ومؤمناً بالعمل الذي ينْخَرِط فيه، وبالمخرج الذي يتعامل معه. إنّ هذا الإحساسِ بالمَسؤوليّة هو الذي يدفعه في الكثير من الأحيان إلى التعبير عن رَأْيِهِ في مختلف المَجالاتِ الفنيّة (الدعم، الإنتاج، الأداء، القيمة الفنية للمسلسلات والأفلام….). أتمنى للصديق والأخ العزيز السي محمد الشوبي مزيداً من التّألّق في عمله، ومن الحضور الفني والنجاح في مسارِه وفي ممارسة شَغَبِهِ الجميل.


الكاتب : مصطفى النحال

  

بتاريخ : 07/03/2024