مسار تعديل مدونة الأسرة، صراع الثابت والمتحول

بدأ العمل من أجل تعديل مدونة الأسرة في إطار ورش قانوني من مراحل متعددة، لاشك أن انطلاقته كانت خطاب العرش لسنة 2022، ثم تشكيل لجنة للإشراف، ثم الرسالة الملكية الموجهة لرئيس الحكومة حول منهجية التعديل ومضامينه.
وأن مقاربة التعديل وآفاقه، منطلقاته وحدوده، يقتضي وضعه في مساره التاريخي منذ وضع قانون الأحوال الشخصية، ,وصولا إلى مدونة الأسرة الحالية وما أظهره تطبيقها من عيوب واختلالات، مرورا في هذا المسار الطويل بكثير من التحول الذي عرفته الأسرة المغربية كجزء من التحول الذي عرفته بنية المجتمع المغربي ككل عبر عقود من الزمن. وظل المشرع يحاول مواكبة هذا التحول بالنص القانوني الذي لم يكن سهلا أبدا.
في هذه الدراسة نحاول أن نعرض لهذا المسار الاجتماعي والقانوني لوضع الأسرة المغربية خلال حوالي سبعة عقود من الزمن.

 

اعتبرت مدونة الأسرة المتعة من ضمن مستحقات الزوجة عند الطلاق طبقا لأحكام المادة84 التي نصت على ان مستحقات الزوجة تشمل مؤخر الصداق ان وجد ونفقة العدة والمتعة التي يراعى في تقديرها فترة الزواج والوضعية المالية للزوج واسباب الطلاق ومدى تعسف الزوج في توقيعه. وقد اورد المشرع في هذا النص حق المرأة في المتعة مطلقا مما يعني انها في المدونة صارت حقا للزوجة المنفصلة عن زوجها بسبب الطلاق او الشقاق او التطليق قبل الدخول او بعده، سمي لها الصداق او لم يسم. فيكون بذلك المشرع المغربي تخلى عن المذهب الشافعي الذي كان يأخذ به في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، وأخد برأي المذهب الظاهري في الموضوع.
لكن هذا الاتجاه الذي اختاره المشرع المغربي لم يسايره القضاء طويلا،إذ سرعان ما سيقصر القضاء الحكم بالمتعة على الزوجة في حالة الطلاق والتطليق الذي يتم بطلب من الزوج. لكن هذا المنحى سبقه نقاش شبيه بدأ داخل اللجنة الاستشارية لوضع مدونة الأسرة إذ قدم للجنة الاستشارية مقترح نص صراحة على حرمان المطلقة من المتعة إذا كان الطلاق بسبب خطأ اتبته الزوج المطلق في جانبها.
لكن هذا المقترح رفض من طرف اللجنة.ومع ذلك حذفت من المدونة العبارة التي كانت قوية في تمتيع المطلقة في مدونة الأحوال الشخصية “يلزم كل مطلق بتمتيع مطلقته،إذا كان الطلاق من جانبه بقدر يسره وحالها إلا التي سمى لها الصداق وطلقت قبل الدخول” التي اضيفت إلى المدونة بتعديل 10شتنبر1993.
ايضا في نفس الاتجاه نصت المادة84 من مدونة الأسرة على مراعاة اسباب الطلاق في تقرير المتعة مما يعني رفع مبلغ المتعة إذ كان الخطأ واضحا في جانب الزوج وخفضه او حذفه إذا كان الخطأ في جانب الزوجة.
ولعل هذا ما شجع القضاء فيما بعد في الاتجاه الذي اختاره بحرمان الزوجة من المتعة إذا كان التطليق قد تم بناء على طلبها.

اتجاهات القضاء المغربي
في موضوع المتعة

لاشك ان تحول المشرع المغربي في موقفه بخصوص حق المرأة المطلقة في المتعة بين نص مدونة الأحوال الشخصية عند وضعها سنة1957 ثم تعديل 1993 ثم تغيير ذلك الموقف في مدونة الأسرة، تحول موقف المشرع هذا، كان له أثر على تحول موقف القضاء نفسه،إذ كان القضاء نفسه يقضي للمطلقة بمتعتها سواء كانت طالبة التطليق ام لا.إلى ان صدر عن المجلس الأعلى قرار433 سنة2010 غير من ذلك الاتجاه، وهكذا اصبحنا نميز في موقف القضاء المغربي في قضية المتعة بين مرحلتين:
مرحلة ما قبل القرار رقم 433
بالنظر إلى النصوص التشريعية السابق ذكرها في مسألة المتعة،فإن القضاء المغربي وخاصة المجلس الأعلى (محكمة النقض لاحقا) كان يقضي باستحقاق الزوجة طالبة التطليق للشقاق للمتعة خلال السنوات الأولى من دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ وتحديدا خلال السنوات من2004 إلى2010.حيث كان يؤسس قراراته على المادة84 من المدونة التي تعتبر المتعة حقا للمطلقة بغض النظر عن موقعها في الدعوى.
وقرارات المجلس الأعلى في هذا الاتجاه كثيرة نذكر منها القرار عدد557 الصادر بتاريخ3-12-2008 والذي جاء فيه «ان الحق في المتعة والسكنى اثناء العدة من مستحقات الزوجة المترتبة عن الطلاق او التطليق وهي مستمدة من مقتضيات المادة84 من مدونة الأسرة…والمحكمة لما قضت برفض طلب المتعة وواجب السكنى خلال العدة بعلة امتناع الجمع بينهما وبين الحكم بالتعويض عن الضرر الناتج عن التطليق للضرر تكون قد حرفت الفصلين المحتج بهما…» وهذا الموقف الذي كان يتبناه المجلس الأعلى قبل القرار 433 هو نفسه الموقف الذي كانت تتبناه محاكم الموضوع.
ومن الأحكام الصادرة في هذا الاتجاه،الحكم الصادر عن ابتدائية العرائش الذي جاء فيه:انه ما دام ان العلاقة الزوجية بين الطرفين قد انتهت بالتطليق،فإنه يتعين تحديد مستحقات الزوجة المترتبة عنه طبقا للمادة97…ومنها واجب المتعة وعلى غرار هذا الحكم كانت تسير جل الأحكام والقرارات الصادرة عن قضاء الموضوع.واذا كانت هناك بعض الأحكام في اتجاه آخر فهي مجرد استثناء من الاتجاه العام المذكور.

مرحلة ما بعد القرار433

يتعلق الأمر بقرار صادر عن المجلس الأعلى تحت رقم433 بتاريخ21-09-2010 نقض من خلاله المجلس قرارا صادرا عن استئنافية وجدة المؤيد بدوره للحكم الصادر عن ابتدائية نفس المدينة والذي قضى لفائدة طالبة تطليق للشقاق بالمتعة.
وجاء في قرار المجلس الأعلى المذكور»إنه بمقتضى المادة84 من مدونة الأسرة فإن المتعة انما يحكم بها في حالة الطلاق او التطليق الذي يتم بطلب الزوج،والمحكمة لما حكمت لها بالمتعة رغم انها طلبت الحكم لها بالتعويض ودون ان تحدد مسؤوليتة عن الفراق لترتب على ذلك التعويض المستحق لها عند الاقتضاء،فإنها تكون بذلك قد خرقت المادة المحتج بها».
وبعد صدور هذا القر ار توالت قرارات المجلس الأعلى وأحكام وقرارات قضاء الموضوع في نفس الاتجاه منذ ذلك التاريخ وإلى اليوم، معتبرة ان المتعة ليست من مستحقات الزوجة طالبة التطليق.
وقد بنيت هذه الأحكام والقرارات في مجملها على أساسين: ان المتعة لايقضى بها إلا إذا كان الزوج هو المبادر إلى التطليق وعلى التمييز بين المتعة والتعويض عن الضرر.
ومن جهة أخرى قد بادر المستشار ابراهيم باحماني رئيس غرفة الأحوال الشخصية والميراث بمحكمة النقض ورئيس الهيئة التي اصدرت القرار 433 إلى توضيح الاعتبارات التي كانت وراء اصدار القرار المذكور والتي يمكن اجمالها في ثلاث اعتبارات:
الاستئناس في صدور القرار بتفسيرمدونة الأسرة في ضوء الفقه المالكي الذي لايقر للمطلقة بالمتعة إلا إذا كان الزوج هو المبادر للتطليق.
الاستئناس بمقتضيات مدونة الأحوال الشخصية الملغاة وخاصة الفصل52 مكرر المضاف بظهير 10شتنبر1993 والذي كان واضحا في الزامه كل مطلق بتمتيع مطلقته إذا كان الطلاق من جانبه بقدر يسره وحالها إلا التي سمى لها الصداق وطلقت قبل الدخول.
ان المادة84 من مدونة الأسرة ربطت استحقاق المطلقة للمتعة بالطلاق الذي يوقعه الزوج ولم تربطها بالتطليق الذي تطلبه الزوجة.
وبالوقوف عند هذه المبررات وعلى ما آل اليه الحال اليوم من حرمان المطلقة من المتعة في جميع الأحوال وبغض النظر عن دوافع طلب التطليق والاكتفاء في الأمر كله على من طلب التطليق،وبالتالي حرمان المطلقة من المتعة لمجرد كونها صاحبة الطلب،فإنه يبدو ان هذا الاتجاه غير منصف للمرأة على الأقل لاعتبارين اثنين:
أولا: لأنه يتضمن تفسيرا متعسفا للمادة84 من المدونة التي جاءت صريحة في كونها لم تربط استحقاق المطلقة للمتعة بأي شرط وكذا في المواد التي تحيل عليها وخاصة المادة97
ثانيا: ان الأساس الشرعي والمبررات الموضوعية التي تبنى عليها المتعة –والمحددة في تعريف المتعة- تظل قائمة بغض النظر عن المساطر وخاصة من تقدم بالطلب، وعن تفسير النصوص وربط بعضها بالبعض الآخر،وان المشرع لما وضع مسطرة الشقاق انما اراد تيسير امر الطلاق على المرأة التي لم يبق امامها من طريق للخروج من عقد لم يعد منتجا لآثاره الشرعية والاجتماعية إلا باللجوء للتطليق،لكن لاينبغي ان يكون ذلك بحرمانها من جزء من مستحقاتها وتحديدا متعتها.

الفقرة الثانية: تدبير الممتلكات

بعد خروج المرأة للعمل اصبح لها دخل اقتصادي واضح مثلها مثل الرجل من خلال عملها في مختلف مناحي الحياة.
لكن قبل ذلك كانت دائما تؤدي ادوارا اجتماعية ذات قيمة اقتصادية في بعدها رغم أنها لم تكن تتقاضى عنها أجرا، ومثال ذلك عملها في المنزل وعملها في الحقل. أيضا قد يكون لها مال ورثته من قريب لها. وبواسطة هذا الجهد او المال الذي يكون لها قد تساهم اثناء قيام الزوجية مع زوجها في اكتساب ممتلكات.
لكن المشكل يطرح عندما يتوفى الزوج او يحصل الطلاق فغالبا ما لاتستفيذ الزوجة من مساهمتها في تنمية ثروة زوجها بعملها او مالها.
ولم تتطرق مدونة الأحوال الشخصية السابقة للموضوع، اما مدونة الأسرة الحالية فعرضت له بشكل واضح. لكن الأمر في التطبيق عرف التباسا.والموضوع من جهة أخرى،له اصل في المجتمع المغربي خاصة في مناطق الجنوب،إذ تستفيذ المرأة من ثروة زوجها إذا ساهمت في اكتسابها او تنميتها وذلك من خلال نظام الكد والسعاية. وعليه فإننا سنعرض في هذه الفقرة لتدبير الممتلكات من خلال عنصرين :نظام الكد والسعاية ثم اقتسام الممتلكات.

أولا: نظام الكد والسعاية

يسود منذ القديم في مناطق سوس،خاصة،عرف يقضي ان تأخد الزوجة نصيبا من مال زوجها المتوفي او المطلق إذا اثبتت مساهمتها في اكتساب ذلك المال او تنميته. وقد اصطلح على هذا النظام في تلك المناطق بالسعاية او بالكد او»تامازلت» بالأمازيغية. ويسود هذا العرف في هذه المناطق منذ القديم وقبل خروج المرأة للعمل في الوظائف العامة،اذ كان يراعى في هذا العرف مساهمة المرأة مع زوجها في اعمال الكسب وتربية الماشية والعلف ورعاية الدواجن،وفي اعمال الفلاحة والزراعة من حرث وحصاد وجني المحاصيل، كما قد تساهم من خلال اعمال الغزل والنسيج لاستعمال العائلة وللبيع في الأسواق كما كانت المرأة ايضا تعمل في التجارة،سواء بمالها الخاص او مال زوجها.
وإذا كان مصطلح الكد والسعاية جديدا كاصطلاح قانوني، فهو قديم الاستعمال والتداول في بعض مناطق المغرب خاصة منطقة سوس حيث عرف اهمية كبيرة في الاستعمال كما عرف نفس الأهمية لدى فقهاء النوازل،حيث اعترف هؤلاء مبكرا للمرأة المتزوجة بمقابل لعملها ومجهودها إلى جانب زوجها.
واذا كان الأمر كذلك في فقه النوازل،فإن المجلس الأعلى-الغرفة الشرعية- قضى لما اتيحت له الفرصة سنة1980 بحماية الحقوق المالية للزوجة بناء على نظام الكد والسعاية، وقضى في قرار له بالقول «حقا حيث ان الحكم المطعون فيه تبنى الحكم الابتدائي وصححه، حيث يتضح من الحكم الابتدائي انه يكتسي صبغة القصور في الأسباب ولم يجر على السنن المتبعة في القطب السوسي في شأن الكد والسعاية للزوجات المتوفى عنهن او المطلقات التي نص عليها الفقهاء في فتاويهم واحكامهم» وتوالت بعد ذلك عدة قرارات للمجلس الأعلى وكذا لقضاء الموضوع.
وقد تركز الاجتهاد القضائي في الموضوع على ثلاثة جوانب اساسية:
اثبات الزوجة المدعية كدها في سبيل تنمية ثروة زوجها بجميع وسائل الاثبات الممكنة قانونا من ادلة كتابية وشهادة الشهود وغيرها.
السلطة التقديرية للمحكمة في تحديد نسبة مساهمة الزوجة في تنمية ثروة زوجها وبالتالي تحديد نصيبها من تلك الثروة،وحيث ان الأمر احيانا يكون معقدا،فإن المحكمة قد تلجأ إلى اجراء خبرة حسابية.
اعتبار حق الكد والسعاية حقا عينيا وبالتالي يمكن تسجيله على الرسم العقاري وهو الاجتهاد الذي سارت عليه المحكمة الادارية بالرباط في القرار عدد439 سنة1997 في الملف 583/96 وسارت على نهجها مختلف المحاكم.
من خلال ما سبق يتضح ان بامكان القضاء الاجتهاد لانصاف المرأة بناء على النص الواضح ولكن ايضا تنقيبا في التراث الفقهي المستنير الذي تزخر به بعض المناطق المغربية، ويزكيه في كثير من الحالات القضاء المغربي خاصة قضاء الموضوع لأن مضمون الطلب المتعلق بالكد والسعاية يتعلق بأمور الواقع،وبالتالي القول فيه لقضاء الموضوع.وهذا ما ذهب اليه المجلس الأعلى في قراره سنة 2006 حيث اعتبر ان “تقدير الكد والسعاية يخصع لسلطة المحكمة التقديرية طالما كان قضاؤها معللا،وراعت المحكمة نسبة مساهمة الزوجة المطلقة في تنمية أموال مطلقها ووضعية الطرفين وما تضمنته الخبرة من عناصر إيجابية “ وفي نفس الاتجاه اعتبر المجلس ان “محكمة الاستئناف بتأييدها هذا الحكم الابتدائي عدم اخذها بلفيفية المدعية التي افادت انها كانت تتعاطى حرفة الزرابي مدة طويلة، لكنها لم تتعرض ان المدعى فيه نشأ عن كد وسعاية الخصمين مع ان المدعى عليه انما انكر كونها من اهل الكد والعمل بدليل انه ادلى بلفيفيته تثبت انها من ذوات الحجاب. ومن المعلوم فقهيا انه لايشترط في موجب اثبات الحالة ومنها السعاية ان يستثمر فيها ما اكسبته، وانما المطلوب هو اثبات السعاية، وعند ثبوتها يكون الناتج عنها مشتركا… وبسبب ذلك يكون الحكم المطعون فيه غير معلل تعليلا صحيحا .
لكن المجلس الأعلى اشترط تحديد نسبة مساهمة الزوجة في تنمية الأموال وهو امر لايتم عادة إلا باجراء خبرة. وهذا ما ذهب اليه المجلس الأعلى في قراره عدد66-2006 بتاريخ11 اكتوبر2006 حيث اعتبر ان “تقرير الكد والسعاية يخضع لسلطة المحكمة التقديرية طالما كان قضاؤها معللا وراعت في ذلك المحكمة نسبة مساهمة الزوجة المطلقة في تنمية اموال مطلقها ووضعية الطرفين وما تضمنته الخبرة من عناصر ايجابية
ويرتبط نظام الكد والسعاية قانونا وفقها بما نصت عليه المادة49 من مدونة الأسرة من امكانية اقتسام الأموال المكتسبة اثناء فترة الزواج عند الطلاق بين الزوجين.وهو ما نعرض له في العنصر الثاني من هذه الفقرة.

ثانيا:اقتسام الأموال المكتسبة بين الزوجين عند الطلاق

نصت المادة 49 من مدونة الأسرة على انه لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر،غير انه يجوز لهما في اطار تدبير الأموال التي ستكتسب اثناء قيام الزوجية الاتفاق على استثمارها وتوزيعها،ويضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج.
ويعتبر هذا المقتضى من مستجدات مدونة الأسرة التي خلقت نقاشا واسعا في المجتمع بل كان له وقع اكبر في نفوس الرجال الذين شاع بينهم ان زوجاتهم ستقتسمن معهم ثرواتهم عند الطلاق، وأخذوا ذلك مأخذ الجد،كما كان له وقع بين النساء ايضا وأخذنه مأخذ الجد وطالبت كثيراث باقتسام الممتلكات امام القضاء عند الطلاق.
وبالوقوف عند المادة49 نجدها تتضمن مبدأين:
مبدأ استقلال الذمة المالية لكل من الزوجين
ومبدأ الاتفاق على الاشتراك في الأموال المكتسبة وتوزيعها بعد ذلك استقلال الذمة المالية للزوجين
يعني مبدأ استقلال الذمة المالية للزوجين احتفاظ كل منهما بذمته المالية والتصرف فيها كيفما شاء مالكا لأمواله الخاصة التي كانت له قبل الزواج،والتي اكتسبها بالارث او العمل او الصدقة او الهبة او غيرها من طرق التملك.
وهذا مبدأ أصيل في الشريعة الاسلامية ولاخلاف حوله.لذلك نجده مترجما في قوانين الأحوال الشخصية لكل الدول الاسلامية بما فيها المغرب سواء في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة،او مدونة الأسرة الحالية .
وهذا عكس الأمر في القانون الفرنسي المدني الذي نص على الخيار للزوجين بين نظام وحدة الذمة المالية المنظم بمقتضى المواد من 1400 إلى 1491 ونظام انفصال الذمة المالية المنظم بالمواد من 1530 إلى1543

الاتفاق على الاشتراك
في الأموال المكتسبة

يجوز للزوجين ان يتفقا على تدبير الأموال التي سيكتسبانها اثناء فترة زواجهما،وذلك باستثمارها وتوزيعها بينهما.ويكون هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج يكتبها نفس العدلان المحرران للعقد او عدلان آخران او موثق او بأية صيغة أخرى.
ورغم التنصيص على هذا المقتضى،فإن الناس ناذرا ما يعمدون إلى انجاز هذا الاتفاق لآسباب اجتماعية ونفسية.إذ قد ينظر اليه كأنه خدش في الثقة المفروض وجودها بين الطرفين.
وفي حالة عدم وجود الاتفاق وحصل نزاع بين الطرفين ووصلا إلى مرحلة انهاء العلاقة الزوجية، وثار النزاع تبعا لذلك حول الوضعية المالية حيث يطالب احدهما الآخر بنصيبه في ممتلكات الآخر ويصل الأمر إلى القضاء، القاعدة المقررة شرعا وقانونا ان البينة على المدعي
مع فتح الباب للطرف الآخر لإثبات العكس طبقا لمقتضيات الفصلين399 و400 من قانون الالتزامات والعقود
ويلاحظ ان الخطاب المضمن في المادة49 من المدونة جاء غير محدد،فهو يهم الزوجين،إذ يحق لكل منهما اثارة تقسيم الثروة المكتسبة خلال فترة الزواج والمطالبة بنصيبه منها،سواء في حالة وجود اتفاق او عدم وجوده.وان كان الغالب ان الخطاب ضمنيا موجه لفائدة المرأة.
ويزكي هذا الاتجاه الذي يعتبر أن الخطاب وان جاء عاما،فإنه يهدف بشكل غير مباشر إلى ضمان حقوق المرأة في ثروة الزوج عند الطلاق،بناء على الثرات الفقهي المغربي خاصة في منطقة سوس والمتعلق أساسا باعتماد نظام الكد والسعاية.
وهو ما سبق بيانه حيث تعتمد تلك النوازل على القضاء للمرأة بنصيب من ثروة زوجها إذا كانت تساهم خلال فترة الزواج بعملها خارج البيت في الزراعة والحصاد وجلب الماء والسقي وتربية الماشية، وايضا داخل البيت بعملها في مجالات الخياطة والطرز والغزل وغيرها من الأعمال التي كانت تشارك بها الزوجة في تنمية ثروة العائلة منذ القديم والتي تعد كدا وسعاية من طرف الزوجة.
وحتى بالنسبة للمرأة التي لا تعمل خارج البيت، فإن لها نصيب من ثروة زوجها،لأن العمل المنزلي اصبح عملا منتجا وبالتالي مقوما بالمال ولعل هذا الرأي يترجم إلى حد ما الخلفية التي انطلقت منها المطالبات بتعديل قانون الأحوال الشخصية. إذ أن المطالبة باقتسام الممتلكات بين الزوجين كانت من اهم المطالب التي رفعتها الحركة النسائية المغربية.ومن المطالب التي جاءت في مشروع الخطة الوطنية لادماج المرأة في التنمية.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه البعض ان المادة 49 من المدونة جاءت مستجيبة لهذه المطالب، يرى البعض عكس ذلك،إذ ان مدونة الأسرة بنصها على امكانية مطالبة المرأة بنصيبها في الثروة، تكون قد استجابت واستحضرت روح العدل والمساواة التي طبعت الاجتهاد الفقهي المتمثل في الكد والسعاية،غير ان اشتراط المادة 49 توفر شرط الاثبات لايسمح للقاضي بتوسيع مجال بحثه لتقدير حجم مساهمة الزوجة في تكوين ثروة الأسرة،الأمر الذي يحول دون استعمال اجتهاد الكد والسعاية كما كان متاحا في قانون الأحوال الشخصية.
وهذا ما جعل البعض يعتبر المادة 49 من مدونة الأسرة تراجعا مقارنة بالفقه الاسلامي في هذا المجال. كما انها لا تفي بالغرض الذي توخاه المشرع من حماية للحقوق المادية للمرأة عند الطلاق، إذ يقر لها بالحق في المطالبة بنصيبها في الأموال المشتركة ويعود في نفس المادة فيطالبها بإثبات المساهمة في اكتساب تلك الأموال،علما بأنه من الصعب ان تفكر اية امرأة خلال الحياة الزوجية البحث والاحتفاظ بالدليل والحجة لاستعمالها عند الطلاق.
من خلال ما سبق يتضح ان مسألة اقتسام الأموال المكتسبة خلال فترة الزوجية بين الزوجين عند الطلاق،تثير كثيرا من الاشكالات، ذلك ان ارادة المشرع لم تكن واضحة في قانون الأحوال الشخصية السابق في تنظيم العلاقات المالية بين الزوجين إلا من خلال الاشارة إلى استقلال الذمة المالية للزوجة في الفصل35.لكن في مدونة الأسرة جاءت المادة49 لتشكل بعض التقدم في اتجاه اقرار الحقوق المالية للزوجة داخل الأسرة.
لكن صياغة هذه المادة فتحت الباب لسوء تطبيقها مما افرغ الأمر كله من اية فائدة. فهي جعلت امر اقتسام الأموال مسألة اتفاقية اختيارية بين الزوجين ولم تجعلها قاعدة آمرة ملزمة للزوجين، كما هو الحال في نظام الكد والسعاية، الذي لايخضع لاتفاق الأطراف بل يستمد الزاميته من العرف المحلي الذي يمنح لكل مساهم في تحصيل مال العائلة الحق في الحصول على نصيب منه كدا وسعاية.
كما ان المادة49 جاءت غامضة على عدة مستويات خاصة لما تحدثت عن اتفاق الزوجين في وثيقة مستقلة دون أن تحدد شكل الوثيقة،كما تحدثت عن استثمار تلك الأموال، دون تحديد معنى الاستثمار وطبيعته. اما إذا لم يتم الاتفاق في الوثيقة المستقلة،فإن الصعوبة تكبر بمطالبة الزوجة باثبات مساهمتها في تنمية الأموال الأسرية وفق القواعد العامة للاثبات.مما يثير كثيرا ممن الصعوبات.
وعلى كل حال فإن المادة49 من المدونة كانت خطوة في الاتجاه الصحيح نحو عدالة اسرية تنصف المرأة من خلال اقرار مبدأ تمكينها من نصيبها من الثروة الأسرية. لكن تحقيق تلك الغاية النبيلة يقتضي خطوات أخرى اكثر وضوحا خاصة بوضع اطار قانوني واضح خاص بتنظيم تدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين في حال انهاء عقد الزواج.ولاشك ان هذا الاتجاه سيجنب الأسرة كثيرا من المشاكل ويخلق الاطمئنان داخلها. ذلك ان كثيرا من المشاكل انما سببها تدبير الوضعية المالية للزوجين، خاصة بعدما اصبحت المرأة تعمل خارج البيت وتساهم في ثروة الأسرة.كما ان تنظيم هذا الوضع لابد ان يأخد بعين الاعتبار العمل المنزلي الذي لم يعد مقبولا اعتباره عملا غير منتج.

(انتهى)


الكاتب : الدكتور البصراوي علال * نقيب هيئة المحامين بخريبكة

  

بتاريخ : 18/11/2023