معالم تاريخية تعيش “أرذل العمر” -12- في ظل استمرار غياب مندوبية إقليمية للثقافة وأخرى للسياحة

مآثر خنيفرة بين المقاومة والتأهيل 3

 

في كل منطقة من مناطق المغرب، تواصل عدد من البنايات والمآثر، التي تشكّل جزء مهما وأساسيا من الذاكرة الفردية والجماعية، الوقوف بشموخ، وإن كانت تعاني الإنهاك، بعدما فعل فيها الزمن فعلته، حتى صارت تعيش مرحلة “أرذل العمر”، وتنتظر وقوعها أرضا، لتختفي كما لو أنها لم تكن يوما، فتلاقي بذلك مصير العديد من المعالم التي تم طمسها سابقا، وحلّت محلّها بنايات مفتقدة لأي روح، كان الهدف من وراء تشييدها الربح المادي الخاص بالأساس؟
بنايات، تتوزع ما بين أسوار، وفنادق، ومركبّات، ودور للسينما، وقصبات، وغيرها… بعضها تم التدخل من أجل إنقاذها و “إنعاشها”، وأخرى تُركت لحالها إلى أن جاء “أجلها” ووريث الثرى، في حين تنتظر أخرى التفاتة فعلية من الجهات المختصة للحفاظ على هوّيتها، وإعادة الاعتبار إليها…

في سفر تاريخي مع «نادي التربية على التسامح»، والذي كان فرصة هامة من أجل التعرف عن كثب على التراث اللامادي والمآثر التاريخية، والتي انطلقت بزيارة جماعية لموقع «مناجم عوام» الذي تعود فترة استغلاله إلى العهد الإدريسي (أواخر القرن السابع وأوائل الثامن الميلادي)، حيث عرف نشاطا كبيرا لسك العملة في دور سكة منتشرة في المنطقة أبرزها «مريرة»، «وازقور» و»تاجراجرا» التي كانت تتزود بفضة هذه المناجم، وعرفت مناجم الموقع أوج نشاطها في العهد الموحدي، حيث ازدهرت الأنشطة المنجمية والتعدينية، إلا أن الأشغال توقفت بها أواسط القرن الثالث عشر الميلادي نتيجة للصراع الموحدي المريني.
وتشهد أعمدة وأسوار موقع «إغرم أوسار» على تاريخه العريق، وتحدث عنه عدد كبير من الباحثين الجيولوجيين والمؤرخين كمدينة كانت تعج بالحياة كمركز اقتصادي وسياسي ومنجمي ودار للسكة، وفات للباحث الألماني روزونبرج إنجاز بحث مفصل حولها، ويربط الباحثون تاريخ هذه المدينة الأثرية بجبال فزاز الأطلس المتوسط، في حين أكد آخرون أن أسوارها وأبراجها كانت تمتد على طول 2200 متر ومساحة 24 هكتار، وتعد من أبرز مدن العصر الوسيط بمنطقة «فزاز»، وتشير أغلب المصادر إلى أن تشييد المدينة يعود إلى العصر الموحدي، خلال النصف الأول من القرن الثاني عشر الميلادي، وبالضبط خلال فترة حكم السلطان عبد المؤمن بن علي الكومي.
كما جرت برمجة تنظيم زيارات أخرى إلى «زاوية تامسكورت» و»قلعة فزاز» و»القنطرة الإسماعيلية» ثم «قصبة موحى وحمو الزياني»، وبعدها «الزاوية الدلائية» التي تشكل إحدى الزوايا التي ساهمت في نشر الطريقة الشاذلية في فضاء الأطلس المتوسط، والتي جاء تأسيسها على يد أبي بكر الدلائي حوالي سنة 1566م، بإشارة من الشيخ القسطلي الذي أمره باتخاذ زاوية له في أرض الدلاء، وتعتبر الفترة الممتدة بين بداية انهيار الدولة السعدية وبداية أمر العلويين، وفق الباحث لحسن رهوان، مرحلة توهج الزاوية الدلائية التي أضحت مركزا للإشعاع الثقافي في فترة تميزت بالانهيار التام للأوضاع السياسية والاقتصادية.

نبش في أسرار مواقع ومدن أثرية

تعتبر «الزاوية الناصرية»، بخنيفرة، من أبرز مراكز الطريقة الناصرية، والتي أسسها محمد الكبير الذي استقر بالمنطقة بعد أن غادر درعة على إثر وفاة الشيخ امحمد بن ناصر سنة 1085م، وتصدر خليفته أحمد لشؤون زاوية تامكروت، في حين تعتبر «قلعة فزاز» إحدى القلاع التي تشير  جل المصادر إلى تاريخ تأسيسها خلال القرن العاشر الميلادي على يد مهدي بن توالا بن سرجم  اليحفشي أو اليجفشي، نسبة إلى قبيلة بني يحفش أو يجفش إحدى القبائل الزناتية الأمازيغية، وقد استعصت على أقوى سلاطين الدولة  المرابطية،  يوسف بن تاشفين، الذي  اضطر إلى حصارها  حوالي تسعة أشهر ولم يدخلها إلا صلحا سنة 1071 -1072 م.
ومن بين توصيات أشغال اليوم الدراسي المنظم بمريرت، إقليم خنيفرة، يوم الأحد 5 مارس 2023، من طرف «جمعية مدرسي التاريخ والجغرافيا» في مريرت، بتنسيق مع «جمعية تيغزى أطلس للتنمية»، حول «التاريخ المحلي: إغرمأوسار نموذجا»، بالتأكيد على «ضرورة اهتمام باحثي المنطقة بتاريخهم المحلي لأجل فهمه والتعريف به»، مقابل «الاعتراف بتعرض التاريخ المحلي للمنطقة للتهميش»، و»العمل على الوعي أكثر بالتاريخ الكمي في سبيل تجاوز شح المادة المصدرية، والنظرة الأحادية في فهم وتدريس الموضوع»، وكذا على «الانطلاق من المونوغرافيات و المكروتاريخ لفهم التاريخ الوطني في شموليته».
وقد أبرز المشاركون في هذا اللقاء مدى «شح المادة المصدرية في دراسة التاريخ، وما يتطلبه ذلك من اهتمام بعلم الآثار الأركيولوجية»، ومن عمل على «تفعيل النصوص التشريعية الخاصة بحماية هذه المصادر المادية الأثرية»، كما شددوا على أهمية «الترافع لدى الجهات المعنية لحماية وتصنيف الموروث الحضاري والمادي للمنطقة»، و»توظيف التكنولوجيا الحديثة في التعريف به»، وذلك انطلاقا من «جرد وتوثيق المعالم والتراث المادي الخاص بالمنطقة»، ومن «القيام بدراسات وورشات وعروض وندوات وحملات تحسيسية»، من أجل «حماية الموروث وتوعية الساكنة المحلية بأهمية الحفاظ عليه».
وبينما أكد المشاركون كذلك «تعرض القطع الأثرية للمنطقة للتهميش والسرقة، وما يفرضه ذلك من تحركات لصيانتها»، أجمعوا على «أهمية تأسيس مركز للبحث التاريخي لآيتسكوكو بهدف دراسة والتعريف بالموروث المادي للمنطقة»، مع دعوة المجتمع المدني إلى تكثيف الجهود في سبيل «دعم كتابة التاريخ المحلي»، انطلاقا من «عقد لقاء موسع للتعريف بكتابات أبناء المنطقة حول التاريخ المحلي»، و»استثمار اللقاءات في الترافع والعمل على إحياء هذا التاريخ وربطه بالتنمية»، وبينما تم «الاقتناع بأهمية إدماج المكون العبري في فهم التاريخ المحلي لمنطقة فزاز»، تم الوقوف على «أهمية اللغة الأمازيغية في تيسير دراسة وفهم هذا التاريخ».
ومن جهته، شارك الباحث حوسى جبور في الندوة، بورقة حول «جوانب من المواقع الأثرية والمعالم التاريخية ببلاد فزاز خلال العصرين الوسيط والحديث»، كمساهمة منه في»التعريف بالتراث التاريخي المحلي، خصوصا منه الأثري، وفي الترافع لدى الجهات المسؤولة لصيانته، والشروع في التنقيب الأركيولوجي بشكل عميق في المدن الأثرية ببلاد فزاز) الاسم القديم للأطلس المتوسط استعمل في العهد المرابطي (لسد الثغرات التي تشوب تراثنا المحلي»، علما، يقول المتدخل، أن إقليم خنيفرة يعتبر من»المناطق الجبلية التي تتوفر على الكثير من المكونات التراثية المادية عبارة عن مواقع أثرية ومعالم تاريخية تعود، حسب الأبحاث الاركيولوجية القليلة، إلى العصر القديم».
ومن خلال عملية البحث الذي قامت به بعثة مشتركة مغربية إيطالية بالموقع الأثري «اغرماوسار»، يضيف المتدخل، تم «العثور على لقى أثرية، عبارة عن أرحية وأواني خزفية حجرية تعود لفترات العصر البرونزي خلال فترات ما قبل التاريخ، حسب تقارير هذه البعثة، في ما بينت الأبحاث الأثرية أن المرابطين أقاموا حصنا أثناء استغلالهم لهذا المنجم، ما يتطابق مع المعثورات التي وجدت بالموقع عبارة عن قناديل طينية وتحف أثرية شبيهة بتلك التي تم العثور عليها بمراكش»، فيما تؤكد غالبية المصادر، حسب المتدخل، أن تاريخ تشييد»اغرماوسار» يرجع إلى العصر الموحدي خلال النصف الأول من القرن 12 م) فترة حكم عبد المومن بن علي الكومي 1131م).
وبعد حديثه عن المكانة الهامة التي كانت تضحى بها مدينة «اغرماوسار»، خلال العصر الوسيط إلى حد التناحر بين الدول المتعاقبة على حكم المغرب خلال العصر الوسيط، لم يفت المتدخل التطرق للحياة الاقتصادية لمملكة «فزاز»، و»اعتمادا على اللقى الأثرية التي عثر عليها في هذا الموقع، عند اكتشافه صيف 1996 تأكد اهتمام الساكنة بالأنشطة الصناعية مثل الأواني الفخارية والمصنوعات المعدنية كالنبال وحجابات الخيل والحلي والأدوات الزجاجية، فيما تم العثور بها على قطع نقدية تحمل اسم علي بن يوسف بن تاشفين، الذي حكم المغرب والأندلس ما بين 1106 م1143 م، وأخرى تحمل اسم الإمام المهدي بن تومرت الزعيم الديني للحركة الموحدية».
( يتبع )


الكاتب : إعداد: وحيد مبارك / أحمد بيضي

  

بتاريخ : 25/03/2024