معالم تاريخية تعيش “أرذل العمر” 14 : في ظل استمرار غياب مندوبية إقليمية للثقافة وأخرى للسياحة مآثر خنيفرة بين المقاومة والتأهيل 5

في كل منطقة من مناطق المغرب، تواصل عدد من البنايات والمآثر، التي تشكّل جزء مهما وأساسيا من الذاكرة الفردية والجماعية، الوقوف بشموخ، وإن كانت تعاني الإنهاك، بعدما فعل فيها الزمن فعلته، حتى صارت تعيش مرحلة “أرذل العمر”، وتنتظر وقوعها أرضا، لتختفي كما لو أنها لم تكن يوما، فتلاقي بذلك مصير العديد من المعالم التي تم طمسها سابقا، وحلّت محلّها بنايات مفتقدة لأي روح، كان الهدف من وراء تشييدها الربح المادي الخاص بالأساس؟
بنايات، تتوزع ما بين أسوار، وفنادق، ومركبّات، ودور للسينما، وقصبات، وغيرها… بعضها تم التدخل من أجل إنقاذها و “إنعاشها”، وأخرى تُركت لحالها إلى أن جاء “أجلها” ووريث الثرى، في حين تنتظر أخرى التفاتة فعلية من الجهات المختصة للحفاظ على هوّيتها، وإعادة الاعتبار إليها…

 

 

استمرارا في السلسلة الخاصة بخنيفرة، وعلاقة بالندوات التي نظمت في هذا الإطار وما كتب حول الموضوع، نجد ما تطرق إليه الباحث في التراث المحلي، المصطفى فروقي، الذي تناول ضمن «جولاته في بلاد زيان الأمس»، تاريخ مجموعة من القصبات التاريخية، ومنها «قصبة جن ألمّاس»الواقعة على بعد حوالي 25 كلم من مدينة خنيفرة، وتحديدا بمدشر «جن ألماس» الذي كان مخزنا للقائد المقاوم موحى وحمو ولعائلته، خلال حروبه وتنقّلاته، إلى جانب «قصبة إذخسان (أدخسال)» الواقعة شرق المدينة على بعد حوالي 10 كلم، ويعود تاريخ تأسيسها إلى العهد المرابطي، حيث شيّدها يوسف بن تاشفين حوالي 1065م، في سياق «الطّوق الذي ضربه بجيوشه على حصن»فزاز»، قبل أن يدخلها صلحا بعد سبع سنوات من الحصار وكان قد اتخذ من القصبة قاعدة خلفية لجيوشه».
ويقول المصطفى فروقي إن السلطان المولى إسماعيل كان قد «قام بإعادة بناء هاته القصبة، حوالي سنة 1687م، في سياق تشييده لسلسلة من القلاع العسكرية على سفوح الجبال لتأمين عبور القوافل التجارية، ولضمان أمن الطريق السلطانية مكناس – مراكش العابرة لمجال زيان»، ممّا جعل هاته القصبة «تلعب دورا محوريّا في استتباب الأمن في المنطقة خلال فترات حكم هذا السلطان وبعده، حيث أودع بها بعدما قام بتجديدها وتوسيعها 1500 فارس من عبيد دكالة كما قام بجمع السلاح والخيول من القبائل المجاورة». ويأتي تشييد هذه القصبة من طرف يوسف بن تاشفين في نفس المرحلة التي تمّ فيها تشييد «قصبة موحى وحمو الزياني».
وأشار المصطفى فروقي بالتالي ل «قنطرة البرج» التي استمدت اسمها من برجها المجاور لها، والذي كان «مرصدا للحراسة بهدف تأمين العبور وضمان استخلاص رسوم الحصول على الجواز المخزنيّ إلى ما يعرف اليوم بقرية البرج»، علما أن هذا الاسم، حسب فروقي، يعود لقنطرة قديمة أو ل «برجها تحديدا، مازالت آثاره قائمة بجانب القنطرة المستحدثة التي تعبر فوقها الطريق الوطنية التي تصل فاس بمراكش، وشيّدت في عهد حكم السلطان المولى إسماعيل (1672- 1727م)، في سياق نهجه العسكري في إخماد فورة القبائل بمنطقة «فزاز»، حيث «سيتمّ إلى جانب تشييد مجموعة من القلع العسكرية في دير الأطلس ومنها قلعة أدخسال في بلاد زيان».
من جهته، كتب المصطفى زيان، في مقالة له حول «قصبة أدخسال كمفتاح لتاريخ خنيفرة، أن «قصبة أدخسال» شيدها يوسف بن تاشفين سنة 1061م لحصار قلعة «فزاز»، واستنادا لمقدمة بن خلدون، فقد «حاصر المرابطي قلعة المهدي ويهاجمها من بلاد فزاز، ثم صد هجوم مغراوة والزناتيين القادمين من فاس ومكناس «ترك بعض جيشه تحت أسوار هذه القلعة لمواصلة الحصار..». وأكمل صاحب «روض القرطاس» (ابن أبي زرع):»دام هذا الحصار تسعة سنوات وانتهى بدخول المرابطين للقلعة بدون قتال سنة 1071م»، بعد سقوط حكم الدلائيين، وحسب الزياني، فقد جدد المولى إسماعيل القلعة سنة 1672م.
وعلى سبيل الختم، ينبغي القول مع الباحث إدريس أقبوش في مداخلة له، بمريرت،حول «إشكالية التمدين ببلاد زيان»، أنه من «وظيفة التاريخ التي هي وظيفة فكرية وحس نقدي وحاجة اجتماعية، بعيدا عما يتم تلقينه بالمدارس»، فيما تناول جدلية «الوعي الإنساني وعلاقته بالتاريخ»، و»دلالة الاهتمام بالبحث في تاريخ بلاد زيان وعوام عن طريق ما تمتاز به من خصوصيات حضارية وتاريخية عريقة عجز الأدارسة والمرابطون في اقتحامها بفعل المواجهات القوية»، ذلك قبل تأكيد ذات المتدخل: «أن التاريخ أضحى أكثر من أي وقت مضى يفرض علينا جميعا ضرورة التصالح معه بسلبياته وإيجابياته»، باعتباره «ضرورة قبل أن يكون علما».


الكاتب : إعداد: وحيد مبارك / أحمد بيضي

  

بتاريخ : 27/03/2024