نظام التعليم الموسيقي بالمغرب

 

الموسيقى فن جمالي احتفالي راق، وهي من أكثر مظاهر الثقافة انتشارا في المجتمعات، وأكثر ضرورة في الحياة الإنسانية، إذ تنمي الذوق الجمالي والفني العام، وتساهم في إدراك الإنسان لقيمة الجمال، وتجعله قادرا على الخلق والإبداع الموسيقي.
وبالرجوع إلى المقولة الشهيرة للحكيم الصيني كونفوشيوس التي تقول:»إذاأردت أن تعرف مقدار رقي أو حضارة أمة ما، فاستمع إلى موسيقاها»نجد أن أغلب الأمم المتقدمة أعطت أهمية كبرى للموسيقي ضمن برامجها التعليمية انطلاقا من التعليم الأولي إلى التعليم الجامعي، بالإضافة إلى المعاهد الموسيقية. أما في بلادنافقد تم تغييب مادة التربية الموسيقية منذ فجر الاستقلال ضمن البرامج التعليمية لوزارة التربية والتعليم، باستثناء محاولات خجولة ببعض المراكز وخاصة منها التابعة لوزارة الشبيبة والرياضة وللتعاون الوطني والتي تتمثل في خلق حصص للاستئناس الموسيقي وحفظ الأناشيد الوطنية والتربوية، وأمام هذا الغياب أُحدثت معاهد موسيقية تابعة لوزارة الشؤون الثقافية أو للبلديات ( حاليا المقاطعات والجماعات الترابية)، إلا أنها بقيت حبيسة التبعية الثقافية واللغويةللمعاهد الموسيقية التي أحدثها المستعمِر لأبنائه وأبناء أعيانه تبعا للمقولة الفرنسية: « Les français ne se déplacent jamais sans leur molière »، وظلت هذه المعاهد متشبثة بالمناهج والمراجع الموسيقية الفرنسية البعيدة عن هويتنا وثقافتنا وتراثنا الموسيقي.
إن ما آلت إليه التربية الموسيقية ببلادنا يعود بالأساس إلى افتقارها إلى أهم مقومات العملية التعليمية من ضعف التأطير التربوي وقلة الأطر المؤهلة للقيام بها، ثم عدم دعم البحث العلمي في المجالات الموسيقية والذي يمكن القول بأنه شبه منعدم، الشيء الذي أدى إلى شبه غياب الكتاب الموسيقي التعليمي، وضعف المقررات المنهجية المبوبة وفق دراسة مخططة يطمئن إليها الدارسون والمهتمون، وتوفر عليهم ما يجدونه من عناء بسبب تشتيت المواد الموسيقية العربية العلمية، واختلاف الآراء في أصول بعض الإيقاعات أو المقامات الموسيقية، ثم النقص الحاصل في مجال التأليف الموسيقي الذي ينسجم وطبيعة الدراسة فيه، ويتواصل مع القيمة الفنية الحضارية للتراث الموسيقي المغربي والعربي.
وقد استبشرنا خيرا عندما نظمت وزارة الشؤون الثقافية المناظرة الأولى حول التعليم الموسيقي بالرباط أيام 5 و 6 و 7 ماي من سنة 1994 ، خاصة وأنها حظيت بالرعاية المولوية وبرسالة ملكية من المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني والتي تميزت بدعوته الكريمة إلى جعل يوم 7 ماي يوما وطنيا للموسيقى، والجدير بالذكر أن هذه المناظرة خرجت بتوصيات مهمة بقيت حبرا على ورق بسبب الفكر الأحادي للوبي الوزارة ونهجه لسياسة الإقصاء، ولم ير منها النور إلا مبادرة وزارة التربية الوطنية المتمثلة في خلق شعبة
لمادة التربية الموسيقية بالمركز التربوي الجهوي ــ السويسي بالرباط لتكوين أساتذة لتدريس هذه المادة بمستويات التعليم الثانوي الإعدادياعتمادا على الأصوات البشرية فقط للمتعلمين، وأيضا خلق شعبة لمادة الثقافة الفنية على مستوى مؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي وتشمل قطب الفنون المتمثل في الموسيقى والمسرح والتشكيل، إلا أن هاتين التجربتين عرفتا تعثرا كبيرا وتراجعتا منذ قدوم الوزير محمد الوفا.
وعلى مستوى المعاهد الموسيقية فإن تعليمنا الموسيقي لم يأخذ بعد طريقه السليم، ولم يحظ بالعناية التي يستحق وكأنه نشاط ثانوي ليس له أي بعد ثقافي أو تربوي إذ رغم الجهود المبذولة من طرف بعض المجالس الجماعية التي شيدت بنايات لمعاهد موسيقية ومركبات ثقافية في مستوى عال،فلا يزال التعليم الفني بها يتخبط في مشاكل متعددة ومتنوعة أدت ــ طبعا ــ إلى تدهور وضعف مردودية وفعالية هذه المعاهد. وتنقسم الدراسة بها إلى ثلاثة أسلاك وبواقع أُسدسين دراسيين في كل سنة:
أ ــ السلك الأول وتمتد فيه الدراسة خمس سنوات كمرحلة تمهيدية.
ب ــ السلك الثاني وتمتد فيه الدراسة ثلاث سنوات كمرحلة متوسطة.
ج ــ السلك الثالث وتمتد فيه الدراسة سنتين كمرحلة متقدمة.
ولإرساء تعليم موسيقي سليم على المستوى العلمي والبيداغوجي تدعونا الحاجة الملحة إلى تظافر جهود الجهات الوصية والباحثين والمهتمين والنقاد والإعلاميين للمساهمة في وضع فلسفة للتربية الفنية تترجم شخصيتنا وهويتنا، وتُهييِّءُ مخططا متكاملا يعمل على خلق توازن بين المعارف الحاملة لمقومات الهوية الفنية المغربية وبين متطلبات التعليم الفني الحديثالذي يؤدي إلى إتقان فن الموسيقى من خلال اكتساب المعرفة الموسيقية ومهارات الاستماع والأداء؛ واكتساب الخبرة في الأنشطة الموسيقية والإبداعية المستقلة؛ وتربية المشاعر الجمالية وتكوين الذوق الفني؛ وتنمية الإدراك الموسيقي والقدرات الإبداعية لدى المتعلمينوهذا لن يتأتى إلا إذا كنا في مستوى المسؤولية وتوصلنا للحلول الناجعة للمشاكل التي تعاني منها العناصر الأساسية التالية:
1ــ تنظيم القطاع الفني بخلق مناصب مالية ــ وأسطر على مناصب مالية لأنها هي مربط الفرس ــ وذلك حسب الشواهد الفنية للمكلفين بمهام التدريس والتكوين الفني، أما العمل بالساعات للمتفرغين فلن يعطي ثماره الإيجابية لعدم وجود الاستقرار النفسي والمادي لهذه الشريحة البشرية التي تعيش البؤس الاجتماعي نتيجة هزالة التعويضات وارتفاع الاقتطاعات الضريبية(30 في المائة) أمام ارتفاع تكاليف العيش الكريم مما يدفعها إلى البحث عن مصادر أخرى غير قارة(كالحفلات الخاصة والأعراس والملاهي الليلية…) والتي قد تؤثر على مردوديته سلبا بالمعاهد الفنية، ولعل ظروف الحجر الصحي بسبب الجائحة عرت هذا الواقع البئيس حيث عانى خلالهأغلب العاملين بالقطاع الفني بؤسا اجتماعيا كارثيا.

2ــ التنسيق بين المعاهد الفنية التابعة لوزارة الثقافة من جهة، والمعاهد التابعة للمقاطعات والجماعات الترابية من جهة ثانية وارتباطهم باتفاقيات التعاون كشركاء من أجل التأكيد على تحقيق المعايير الفنية الوطنية، وذلك من خلال تشكيل لجان مشتركة على مستوى وضع المناهج والبرامج واختيار أسئلة ونصوص الامتحانات الوطنية والجهوية واقتراح لجان تحكيمها، لتكون الشواهد المحصل عليها ذات مصداقية، خاصة وأن أغلب مدرسي المعاهد التابعة لوزارة الثقافة يُدَرِّسون بالمعاهد التابعة للمقاطعات والجماعات الترابية، وأسجل هنا مفارقة غريبة على أرض الواقع، إذ لا يمكن لوزارة الثقافة أن تطعن أو تقلل من مستوى أو القيمة الفنية والعلمية لشهادة حصل عليها طالب من معهد تابع للمقاطعات والجماعات الترابية في الوقت الذي تتلمذ فيه على يد أستاذ تَكَوَّن في معهدتابع لوزارة الثقافة ويعمل في معهد جماعي أو أستاذ تكون في معهد جماعي وحصل على شهادة من المعهد الوطني للموسيقى التابع لوزارة الثقافة، وبالمقابل ــ وفي تناقض واضح ــ تعتمد هذه الأخيرة خلال المباريات الوطنية والجهوية أعمالا فنية من إبداع أساتذة تكونوا بالمعاهد التابعة للمقاطعات والجماعات الترابية، وأعطي هنا مثالا صريحا يتمثل في اعتماد المعزوفة الشهيرة «زمرد تحت المطر» للراحل عبدالرحيم زرهون ــ منذ سنوات عديدة ــ كعمل موسيقي أساسي خلال المباراة الوطنية لنيل دبلومالسنة العاشرة بالسلك الثالث وهو دبلوم الجائزة الشرفية.
3ــدعوة الأساتذة والباحثين والمؤرخين والنقاد لمراجعةوتحيين البرامج والمناهج المعتمدة لتدريس مختلف المواد الموسيقية لجعلها تواكب التطورات التي تشهدها الساحة الفنية على الصعيدين العربي والعالمي انطلاقا من ضرورة توفير الوسائل التربوية الأساسية لتلقينها كمنهجيات العزف على أنواع الآلات الموسيقية وتاريخ صناعتها وتطورها عبر التاريخ، والكتبالمدرسية الخاصة بالمواد النظرية (الصولفيج ــ تاريخ الموسيقى المغربية والعربية والعالمية ــ تحليل الطبوع الأندلسية والمقامات العربية والشرقية ــ تحليل الإيقاعات والموازين).
4 ــخلق دورات تكوينية للأساتذة حسب اختصاصاتهم لتنمية معارفهم وتطوير أساليبهم في التدريس.
5ــتكوين خزانة مقروءة وصوتية بكل معهد لتنمية معارف الأساتذة والطلبة، وتضم في رفوفها المراجعوكتب النقد والتحليل الموسيقي والدوريات والبحوث والدراسات والمدونات والتسجيلات الصوتية لإبداعات المؤلفين والملحنين.
6ــ تأطير طلبة الأقسام العليا ومطالبتهم ببحوث وفق تخصصاتهم عند مراحل تخرجهم، مع توثيقها بخزانة المعهد وطبع البحوث الجيدة منها.
7ــ إرسال الطلبة المتخرجين المتفوقين حسب تخصصاتهم في بعثات ــ وبمنح دراسية ــ إلى دول عربية أو غربية لاستكمال دراستهم العليا والاستفادة من تجاربها العلمية والفنية.
8 ــ إلزام الطلبة المتخرجين الراغبين في التدريس بالمعاهد الموسيقية بالاستفادة من تكوين بيدغوجي خاص بالتعليم الموسيقي، وأيضا من مرحلة تدريبية مع أحد الأساتذة وفق تخصصاتهم.
9ــ خلق ورشات لصناعة وصيانة الآلات الموسيقية بالمعاهد الموسيقية.
1oــ تنظيم حفلات شهرية أو دورية يشارك فيها الطلبة تحت إشراف أساتذتهم بالعزف أو الغناء الفردي أو الجماعي من أجل الاحتكاك وكسب الثقة لمواجهة الجمهور، وبالتالي اكتشاف المواهب الفنية ورعايتها وتشجيعها.
11ــخلق فصل فني للأطفال دون السادسة من العمر لأنهم في حاجة إلى فترة زمنية من النشاط الموسيقي الحر، ويتضمن هذا البرنامج حصصا متنوعة تتمثل في:
ــ الاستماع إلى بعض الجمل الموسيقية أوألحان بعض الأناشيد أو الأغاني التربوية أو الوطنية أو التراثية قصد تربية ذوقهم.
ــ حفظ الأناشيد والأغاني التربوية والوطنية.
ــ توفير فرص للعب الإيقاعي الحركي.
ــ التعرف على بعض الآلات الموسيقية والقرعية البسيطة، مع تعلم العزف عليها كالناي الخشبي أو الغربي أو الكسيلوفون أو
الميتالوفون.
12ــخلق أقسام للدراسة غير النظامية وفق مواد ومناهج معينة للراغبين في تعلم الموسيقى بعيدا عن التكوين الأكاديمي وخاصة لكبار السن.
13ــتكوين لجان في الامتحانات ذات المصداقية والتكوين، وتمتلك القدرة على تقييم منطقي يحترم سلم التنقيط المتداول حسب كل مستوى.
14 ــإحداث مباراة لمنصب مدير على رأس كل معهد موسيقي تبعا لشروط محددة مع تقديمه مشروعا فنيا تربويا وإداريا.
15 ــ تكوين جوق موسيقي أساسيمكون من أساتذة كل معهد ويطعم بطلبة الأقسامالعليا.

أستاذ وباحث موسيقي*


الكاتب : عبدالله رمضون

  

بتاريخ : 26/05/2023