هل تنجح الجبهة الجمهورية ضد لوبين في الانتخابات الرئاسية؟

 

انتهى الدور الأول للانتخابات الرئاسية بفرنسا لصالح الرئيس المنتهية ولايته ايمانويل ماكرون، وذلك ببضع نقاط عن مرشحة اليمين المتطرف جون مارين لوبين، وهو ما يعني بداية معركة جديدة من أجل الدورالثاني لن تكون سهلة، ولن تشبه الدور الثاني الذي جمع نفس المرشحين في سنة 2017 وانتهى لصالح الرئيس الحالي، وذلك لعدد من الأسباب، أهمها، أن أغلب الدراسات بينت أن الامتناع عن التصويت سيكون إحدى قضيتين رئيسيتين في الدورة الثانية، إضافة إلى الحصول على أصوات ناخبي المرشحين المنهزمين في الدورة الأولى. رغم دعوة عدد منهم إلى قطع الطريق أمام اليمين المتطرف، ومن هؤلاء زعيم فرنسا الأبية جون لوك ميلانشون، الذي حصل على المرتبة الثالثة غير بعيد عن لوبين، والذي أهاب بأنصاره مساء الأحد بـ»عدم إعطاء صوت واحد لمارين لوبين» في الدورة الثانية في 24 أبريل. نفس الأمر قام به الشيوعي فابيان روسيل والاشتراكية آن هيدالغو ويانيك جادوت من الخضر، أما مرشحة اليمين التقليدي فاليري بيكريس التي حصلت على أقل من 5 بالمئة من الأصوات، فقالت مساء الأحد إنها ستصوت «عن وعي» لإيمانويل ماكرون.
في المقابل، دعا ممثل اليمين المتطرف الفاشي إريك زمور الذي نال نحو سبعة في المئة من الأصوات في الدورة الأولى، مساء الأحد، ناخبيه إلى التصويت للوبين في الدورة الثانية، وذلك في محاولة لإيجاد مكان له بجوارها.
كما دعا المرشح السيادي نيكولا دوبون-اينيان إلى التصويت لصالح لوبين بعد أن حصل على حوالي 2 بالمئة من الأصوات.
ومع ذلك، فإن تأثير تلك الدعوات لصالح المرشج الأول لا يزال غير مؤكد بالنظر إلى أن شخصية إيمانويل ماكرون مثيرة للانقسام لا سيما بين بعض الناخبين اليساريين.
لكن استراتيجية الاعتماد على ما يسمى «الجبهة الجمهورية» التي استخدمتها الأحزاب الحاكمة مدى عقود لمحاولة وقف تقدم أقصى اليمين، يبدو أنها لم تعد تحظى بثقة كبيرة لدى الناخبين، وحتى المقربين من ماكرون يعتبرون بأن «الجبهة الجمهورية» التي استفاد منها عندما انتخب في 2017، لم تعد أمرا بديهيا اليوم، وذلك بفعل التحولات التي قام بها المرشح، والذي أصبح برنامجه الانتخابي هو أقرب اليوم الى برنامج اليمين أكثر من قربه للوسط أو اليسار خاصة في المقترحات الاجتماعية التي يتقدم بها والتي يدعو فبها الى التقاعد في سن 65 سنة مثلا. فهل تكفي الدعوة للتعبئة ضد اليمين المتطرف من أجل جلب أصوات اليسار. الجواب بالنفي، لهذا على ماكرون خلال الأسبوعين المتبقيين أن يجد شيئا آخر.
وأعرب ماكرون عن استعداده « لإنشاء هيكل جديد جامع بعيدا عن «الخلافات» يكون «حركة سياسية كبيرة للوحدة والعمل.» وهو إشارة منه باستعداده لإدخال بعض الاقتراحات على برنامجه حتى تتلاءم مع باقي الأحزاب التي سوف تدعمه في الدور الثاني، خاصة أنه لم يعد له احتياطي من الأصوات على يمينه، وما تبقى له من أجل التفوق على منافسته يوجد فقط في اليسار. وستبين دينامية الحملة خلال الأسبوعين المتبقين مدى قدرته من عدمها على جمع هؤلاء الناخبين حول برنامجه ومن أجل قطع الطريق أمام اليمين المتطرف.
زعيمة اليمين المتطرف التي اكتسبت تجربة كبيرة، سوف تجر الرئيس المنتهية ولايته إلى القضايا الاجتماعية التي تعتبر أحد نقط ضعفه، وتدافع عن رؤيتها المتمثلة في «تجميع الشعب الفرنسي حول العدالة الاجتماعية والحماية، اللتين يضمنهما إطار أخوي حول فكرة الأمة التي يمتد تاريخها لألف عام»، معتبرة أن ذلك نقيض «الانقسام والظلم والفوضى التي فرضها إيمانويل ماكرون لصالح أقلية صغيرة.»
أما الرئيس المنتهية ولايته فهو يدافع عن رؤية مختلفة عن منافسته ويريد «فرنسا أن تكون جزءا من أوروبا قوية، تواصل تشكيل تحالفات مع الديموقراطيات الكبرى للدفاع عن نفسها، وليس فرنسا التي تغادر أوروبا ليكون حلفاؤها الوحيدون التحالف الدولي للشعبويين وكارهو الأجانب»، في إشارة إلى لوبين التي تتمتع بعلاقات جيدة مثلا مع رئيس الوزراء المجري الشعبوي فيكتور أوربان.»
الصراع بين الجانبين سوف يكون حول رؤيتين لحكم فرنسا، رؤية محافظة ومنغلقة على الداخل لليمين المتطرف وموقف معادي للتكامل الأوروبي مع سحب فرنسا من القيادة المتكاملة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ورؤية للرئيس الحالي تكون ليبرالية مع استكمال البناء الأوربي وتعمل على الانفتاح على باقي العالم.
في هذه الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية بفرنسا سيكون الامتناع عن التصويت إحدى قضيتين رئيسيتين في الدورة الثانية، إضافة إلى الحصول على أصوات ناخبي المرشحين المنهزمين في الدورة الأولى.

الصحف الفرنسية

وفي سياق متصل، خرجت الصحف الفرنسية الاثنين بعناوين عريضة منها «المبارزة الجديدة» أو «المواجهة» المرتقبة في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية بين الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون وزعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبين.
وجاء في عنوان صحيفة «لو باريزيان» بنسختها الوطنية «لو باريزيان – اوجوردوي آن فرانس» Le Parisien/Aujourd’hui en France، «مباراة الإياب» مع ترجيح فوز ماكرون، كما في مباريات كرة القدم.
وكتب أليكسي بريزي في «لو فيغارو» Le Figaro «مباراة ماكرون-لوبن، مباراة الإياب التي يبدو أن الفرنسيين لم يرغبوا بها، ستحصل بالفعل».
وتأسفت الصحف اليسارية على نتائج الدورة الأولى، فكتبت صحيفة «ليبيراسيون» Liberation في عنوانها الرئيسي «هذه المرة، الوضع خطر جدا».
أما «لومانيتي» L›Humanite، فكتبت «ليس هي» «Pas elle» مع استبدال حرفي «اللام» في الكلمة الفرنسية بشعلتي نار من شعار حزب «التجمع الوطني» الذي تقوده مارين لوبين.
وترد على الصفحات الرئيسية لعدة صحف يومية وطنية ومحلية فكرة المواجهة مع صور المتأهلين للدورة الثانية، منها «المواجهة» (صحيفة نور ايكلير Nordeclair) و»المبارزة» (صحيفة لا كروا La Croix)، «وجها لوجه من جديد» (صحيفة سود ويست Sud Ouest).
وكتبت الصحافية صوفي لوكلانشي في صحيفة «لا مونتانيه» La Montagne «يلتقي التعطيل والشعبوية الاجتماعية وجها لوجه بعد جولة أولى (تقريبا) كانت نتائجها متوقعة وحملة هامدة لا بل صامتة. وكأن شيئا لم يحدث خلال ولاية ماكرون التي تميزت بأكثر الأحداث إثارة للقلق التي عرفتها البلاد منذ عقود».
وفي صحيفة لا كروا La Croix كتب جيروم شابوي «إن الانقسام الخطر الذي ظهر خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة تأكد».
وفي صحيفة «لو تيليغرام» Le Telegramme، اعتبر اوبير كودوريي أن «المشكلة بالنسبة» لماكرون «الذي ساهم في انفجار المشهد السياسي، هي معرفة الطرف الذي يجب الاعتماد عليه في الدورة الثانية»، مضيفا أن الإليزيه في «متناول يد» مارين لوبين «في حال لم ترسب في الامتحان الشفهي خلال مناظرة» المتأهلين للدورة الثانية.
ويتمتع الرئيس المنتهية ولايته «بطوق حصانة: الحرب في أوكرانيا منعته على ما يبدو من الدخول في المناقشات (في الدورة الأولى) ومن الدفاع عن حصيلة ولايته أو تقديم برنامج انتخابي. لعب هذه الورقة في الدورة الأولى، لكنه لن يتمكن من ذلك في الدورة الثانية. عليه دخول الحلبة»، بحسب ما كتب دافيد غيفار في صحيفة «كوريه بيكار» Courrier Picard في نص بعنوان «ماكرون يواجه صعوبات».

حملة محمومة

يبدأ الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبين اللذان يتواجهان في 24أبريل في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، حملة محمومة لإقناع الناخبين غير المتحمسين لهذه المواجهة والذين لا يمكن توقع ردة فعلهم.
وركز المعسكران على أهمية الأسبوعين المقبلين قبل الدورة الثانية من الانتخابات الفرنسية التي تتوقع استطلاعات الرأي فوز الرئيس الحالي ايمانويل ماكرون فيها بفارق أصغر بكثير من الفارق بينه وبين لوبن في انتخابات 2017.
وقال الناطق باسم الحكومة غابريال أتال عبر إذاعة «فرانس انتر» الاثنين، «هذا الفوز يجب أن نعمل بجهد لتحقيقه، لأن الأمر غير محسوم». وكان ماكرون الذي دخل معترك الانتخابات متأخرا، تعرض لانتقادات لأنه لم يخض حملة فعلية في الدورة الأولى.
وبعيد ذلك قال جوردان بارديلا، رئيس التجمع الوطني الذي تتزعمه لوبين، إنه على ثقة أن مرشحة اليمين المتطرف ستتلقى دعما في صفوف «نسبة 70 % صوتت» ضد الرئيس المنتهية ولايته.

ودعا ثلاثة مرشحين يساريين لم يحالفهم الحظ في الدورة الأولى هم المدافع عن البيئة يانيك جادو (أقل من 5 % من الأصوات) والشيوعي فابيان روسيل (2 إلى 3 %) والاشتراكية آن إيدالغو (أقل من 2 %) فضلا عن مرشحة اليمين فاليري بيكريس، صراحة ناخبيهم إلى التصويت لصالح ماكرون.
وينبغي على ماكرون ولوبين حشد الناخبين في ما طبعت نسبة امتناع كبيرة بلغت 25,14 % الدورة الأولى مع انهيار تام للحزبين الرئيسيين في الجمهورية الخامسة اللذين سجلا أسوأ نتيجة في تاريخهما مع حصول الديغولية بيكريس الفائزة بالانتخابات التمهيدية لليمين الفرنسي في الخريف الماضي على أقل من 5 % من الأصوات، والاشتراكية إيدالغو على أقل من 2 %.
وسيضع المتأهلان إلى الدورة الثانية نصب أعينهم خصوصا استمالة ناخبي مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون الذي حل ثالثا بحصوله على 22 % من الأصوات تقريبا بفارق بسيط عن لوبين وبات يظهر في موقع الحكم.
وشدد ميلانشون زعيم «فرنسا المتمردة» مرارا الأحد على ضرورة عدم تجيير «أي صوت» لليمين المتطرف من دون أن يدعو صراحة إلى التصويت لصالح ماكرون.
وقد كرر المسؤول الثاني في حركته أدريان كانتينز الموقف نفسه صباح الاثنين مضيفا أن «المسؤولية الكاملة لما سيحصل في الدورة الثانية تقع على عاتق الطرف الرئيسي فيها، إيمانويل ماكرون».
وأوضح أن اهتمام حزبه ينصب على الانتخابات التشريعية في يونيو و»فرض التعايش» على ماكرون.
وبدأت الاثنين مطاردة أصوات ناخبي اليسار. فشدد أتال صباح الاثنين على سجل ماكرون على الصعيد الاجتماعي موضحا «لقد بذلنا الكثير من أجل تقليص التباين». لكن ماكرون يعاني صعوبة في التخلص من صورة «رئيس الأغنياء».
على الورق تتمتع مارين لوبين باحتياطي من الأصوات أقل بشكل ملحوظ عن ماكرون. فيمكنها الاعتماد على دعم مرشح اليمين المتطرف الآخر إريك زمور الذي حصل على 7 % تقريبا من الأصوات.
أما المرشح السيادي نيكولا دوبون-إينيان الذي حصل على 2 % من الأصوات، فدعا إلى التصويت لمارين لوبن.
وتشكل المناظرة التلفزيونية محطة حاسمة في حملة الدورة الثانية التي تستمر أسبوعين.

 


الكاتب : باريس: يوسف لهلالي ـ وكالات

  

بتاريخ : 12/04/2022