جماعة العدل والإحسان… الصمت المشبوه

عبد السلام المساوي

1- في الكركرات عشنا ضرر الإزعاج على مدى ثلاث سنوات، لكن الحصيلة غنية جدا:
وجدنا بيننا من يزعم الدفاع عن الشعب بينما هو يطعن وطنه من الخلف، واكتشفنا بين ظهرانينا «انفصاليي الداخل» منظمين في حزب سياسي يجعلهم المبعوث الدائم للبوليساريو لدى المملكة المغربية.
وجدنا بيننا من يفتقد إلى الروح الوطنية؛ تحرير أرض مغربية لا يثير فيه أي حماسة أو شهية للتعليق والتعبير عن الشكر لدولته المسؤولة عن حماية حدوده.
القواسم المشتركة بين نزعة خرافية باهتة ظلامية (العدل والإحسان) ونزعة يسارية عدمية (النهج الديموقراطي)، القواسم المشتركة بين هاتين النزعتين افتقادهما لروح الانتماء إلى الوطن، وهول فقدان الثقة العدمي في المؤسسات، ومحاولة الهروب إلى الأمام من خلال الاختباء وراء نزعة ثورية منفصلة عن الجماهير الشعبية التي يتوهمون التحدث باسمها…
ولأجل الوقوف على التناقض بين الشعار والتطبيق؛ عندما يعجز اليسار العدمي عن لم الجموع حوله، وعندما يقتنع أن العنوسة الجماهيرية ضربته في مقتل، يلجأ لعشاق الزيجات المتعددة أي للتيار الديني الظلامي المتطرف لكي يخرج له آلاف من الناس في الشوارع لئلا تبدو المظاهرات صغيرة وغير قادرة على قيام جماهيري، وغير متمكن من عنفوان ودليل عافية حقيقي في الشارع…
لم تصدر جماعة العدل والإحسان أي موقف بشأن تطورات الوضع في الصحراء؛ فلا تحريك «الجيش» إلى المنطقة العازلة أخرج «إخوان» العبادي إلى الواجهة الإعلامية، ولا عودة الاستقرار إلى معبر الكركرات وطرد الانفصاليين دفعا الجماعة إلى التعبير عن رأيها في ما يخص الوحدة الترابية.
إن الصمت الذي طالما نهجته جماعة العدل والإحسان حيال قضية الصحراء المغربية بذريعة عدم الانخراط في جهود النظام وخدمة أجندته لن يجدي نفعا في الوقت الذي اتحد فيه المغرب حكومة وشعبا باختلاف قناعاتهم وتلاوينهم وإيديولوجياتهم للدفاع عن مغربية الصحراء، وأن هذا قد يحسب على الجماعة وتحويره لصالح الأجندة الانفصالية باطلا، لهذا، فإن كثيرا من الجرأة والوضوح مطلوب أثناء التعامل مع هكذا قضايا.
إن موقف الجماعة من مسألة الوحدة الترابية للمغرب والحرب المفروضة عليه هو موقف ثابت لم يتغير، ويتمثل في عدم الخوض فيه ولا الانشغال به؛ حتى لا تضيع جهود الجماعة في الدفاع عن مواقف النظام وخدمة أجنداته السياسية!!!
إن الجماعة ترفض أن تنخرط في كل القضايا التي يكون فيها النظام طرفا أساسيا! فضلا عن هذا، فقد سبق للشيخ ياسين أن أسس لموقف الجماعة من الوحدة الترابية وبرره بكون مشاكل الحدود بين الدول والنزعات الانفصالية ستحل تلقائيا مع قيام دولة الخلافة وتوحيد المسلمين في نظام سياسي إسلامي جامع بين جميع الشعوب الإسلامية!!!
2- يمكننا اليوم أن نعود إلى الماضي، وأن نفتح كتاب الذكريات، وأن نشرع في تأنيب البعض ولوم البعض الثاني وعتاب البعض الثالث على تلك الموجة من التساهل التي عمت كليات المغرب وجامعاته ذات تسعينيات، من أجل تسهيل المأمورية على «العدل والإحسان»، لكي تلقي القبض على مختلف المواقع الجامعية، ولكي تعلن دولة القومة أو الخلافة على منهاج النبوة في الحرم الجامعي قسرا وعبر السيوف والاعتداءات والغزوات المنظمة بعناية والمحروسة بعين لا تنام.
يمكننا أن نقلب المواجع على بعضنا البعض وأن نطرح السؤال: من كان يهمه في تلك السنوات التي تبدو بعيدة الآن أن يمحو تماما أثر الفكر العقلاني اليساري العلماني التنويري من الجامعة، وأن يؤذن في الناس بفكر وعلم جديد يقوم على إدخال الخرافات إلى الجامعات وحشو أذهان الطلبة بكتب الفقه المتطرفة القادمة من الحجاز، والتي يريد هذا الحجاز بنفسه اليوم التخلص منها ومن آثارها المدمرة؟
يمكننا أن نفعل ذلك ، ولن يلومنا أحد، لن يلومنا لا من عاشوا التجربة وبقوا على قيد الحياة، ولا حتى من رحلوا خلالها أو لكي نكون دقيقين أكثر من قتلوا حينها على يد جماعة «العدل والإحسان»، وأبرزهم الشهيد بنعيسى آيت الجيد، الذي مازال دمه معلقا بين قبائل تقول «إنه شهيدنا ويجب أن نثأر له»، وبين قبيلة تصرخ في وجوههم بكل وقاحة وهي تدافع عن المتهم بقتله «لن نسلم لكم أخانا».
لن يلومنا أحد إذا ما فعلنا ذلك، والأمانة سيكون سهلا أن نقوم بذلك وأن نمضي. لكن الإشكال لن يحل، والقضية لن تجد طريقها لأي نهاية.. أصعب منها أن نعود إلى الحاضر وأن نحل إشكاله المطروح علينا اليوم.
الجماعة التي أصبحت بعد كل سنوات العنف والقتل التي مارستها في الجامعات تقول إنها مؤمنة بالسلمية وغير مقتنعة بالسرية، وإنها تنوي فقط تربية الأجيال المسلمة بكل هدوء، وإنها تمد يدها لكل الفضلاء الديموقراطيين لكي يبنوا معها المجتمع الفاضل الذي تسعى إليه وهي تترحم على مرشدها الذي صنع لها فكرة أو وهم التجمع عبد السلام ياسين، (هاته الجماعة) لم تعد قائمة…
اليوم، الجماعة الموجودة على الأرض، تطالب بحقها في أن تحول منازل أعضائها إلى أماكن اجتماعات كبرى سرية، وفي حال قال القانون «لا»، صرخت بالتشميع والظلم وسايرها الحربائيون في التباري على ما لا نعرفه من مصالح ومسارات…
اليوم، الجماعة التي كانت تقول إنها تريد الهدوء في المغرب وتعرف معنى الأمن والأمان، تسطو على كل الحركات الاحتجاجية، من أكثرها عدلا وشرعية إلى أكثرها إبداعا في اللامعقول لكي تقول لمن يريد سماعها «أنا سأصب زيتي على أي جمرة نار اشتعلت في أي مكان، لأنني فهمت أن هذه هي الطريقة الوحيدة لكي أنال نصيبي من القسمة».
الجماعة، التي كانت تقول إنها تريد التربية فقط، تريد اليوم بالعربية الواضحة، ومنذ هبت رياح ذلك الربيع المضحك على العقول الخريفية أن تكون لها الغلبة، وأن يكون الأمر لمن يقودونها.
اليوم، الجماعة تريد الخروج بالمغرب من دائرة الأمان إلى جحيم الوباء…
اليوم الجماعة، والمغرب ملكا وشعبا يحارب جائحة كورونا، تدعو إلى الانتحار الجماعي باسم الله، والشروع في  قتل الآخرين باسم التضرع إلى الرب…
اليوم، تبين للمغاربة أن الجماعة تضمر لهم شرا كبيرا، شرا مغلفا بعديد الأقنعة وأوجه التزييف..
إن معضلة الأمة الإسلامية تكمن في خضوعها الطوعي لوصاية الفقهاء والشيوخ والدعاة على عقولها وقلوبها، أي رضيت لنفسها أن تتنازل عن عقلها، وتقبل بأن يفكر الشيخ والفقيه نيابة عنها. فهي تسلم بكل ما يقوله الدعاة والشيوخ باسم الدين وترفض إخضاعه للنقد والمراجعة.
والعيب ليس في الأمة ولكن في الأنظمة السياسية التي حكمتها طيلة 14 قرنا الماضية، والتي حاربت العقل والمنطق والفلسفة ومكنت الفقهاء والشيوخ من عقول وضمائر الناس، حيث يفضل الشخص استفتاء الفقيه بدل الطبيب.
وشاءت الظروف أن تمتد موجة السلفنة والأخونة لتغزو المغرب وتشغل المواطنين بفتاوى السخافة والشذوذ.
لقد شغل ويشغل هؤلاء الشيوخ والدعاة المواطنين بقضايا سخيفة وتافهة بدل الاهتمام بقيم المواطنة التي تفيد في بناء مواطن سوي متشبع بقيم المواطنة، ويساهم في البناء والتنمية.

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 24/11/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *