عمال النظافة هم أهمنا

عبد السلام المساوي

الذين يستحقون منا ألف تحية، ألف احترام وتقدير هم عمال النظافة (موالين النظافة) الذين يعملون بروح مهنية عالية على تنقيتنا وتطهيرنا، وتخليصنا من أزبالنا… الذين يعملون على تنظيف مدينتنا بشوارعها وأحيائها… الذين يتحملون حماقاتنا وتهوراتنا… بصبر وتضحية يغسلون أوساخنا…
بوجدة، وصباح يوم عيد الأضحى، والناس يحتفلون وسط الأهل والأحباب، يلقون بأغلفة وأحشاء الخرفان إلى الأزقة والشوارع ليتفرغوا للشواء بتلذذ… عمال النظافة كانوا جاهزين، جنود يخوضون معركة التنظيف والتجميل… كانوا يجوبون الشوارع والأحياء، يدقون الأبواب وينبهون الساكنة… وفعلا قاموا بالواجب وزيادة… ولأول مرة، وجدة تنظف وجدة يوم الأضحى، وتخلصت من الأزبال والروائح الخبيثة والمسمومة… هذا العيد كان الأمر مختلفا وجديا…
فتحية لعمال النظافة بوجدة، تحية للجميع؛ إدارة، مسؤولين، أطر وعمال… إنهم يستحقون الاحترام والتقدير….
من المعلوم أن العمل اليدوي أو الجسدي كان ينظر إليه نظرة احتقار وازدراء في المجتمعات القديمة سواء عند اليونان أو عند الرومان… فقد كان اليونان يعتقدون أن الشغل يعني العذاب والتعب، ويرون أن هناك نوعين من الفاعلية البشرية:
_الفاعلية الفكرية أي العمل الفكري (الذهني) أو الحكمة (الفلسفة)، وهذه فاعلية عليا محترمة خاصة بأفراد الطبقات العليا في المجتمع، وهم أساسا المواطنون الأحرار أي السادة، ولذلك يختص هؤلاء بممارسة المعرفة النظرية، والتأمل الفلسفي، وتسيير شؤون الإدارة وتقلد المهام السياسية، والاهتمام بفنون الحرب.
_أما الفاعلية الثانية فهي الفاعلية الجسدية أي العمل اليدوي (الممارسة)، وهي فاعلية دنيا محتقرة، يجب أن تسند إلى الطبقة السفلى في المجتمع ألا وهي طبقة العبيد.
ففي جمهورية أفلاطون مثلا، صور هذا الفيلسوف جماعة خيالية تنقسم إلى طبقات ثلاث كل منها منفصلة عن الأخرى بشكل قاطع، ولكل منها صفة معدنية خيالية: طبقة الحكام، ولديها قالب فكري ذهبي، للحكم. طبقة الجنود أو الأعوان، ولديها قالب خليط من الفضة، للحرب وأعمال البوليس في الدولة. طبقة العمال، وهي تشارك في المعادن الدارجة، للقيام بالعمل في المجتمع وللرضوخ.
ولا يقل ازدراء الرومان بالعمل عن ازدراء اليونان، إذ يعتبرونه مصيبة تنزل على الحيوان والعبيد. ولذلك ينصرف السادة إلى العمل الذهني وإلى احتراف الجندية وممارسة الرياضة، بل أن الأناجيل نفسها كانت تنظر إلى العمل على أنه فعل ذليل حقير، وأنه مشقة وتعب يعبران عن عقاب موجه إلى الإنسان، «الإنسان الخطيئة»، عندما قذف به إلى الأرض…
وهذا التحقير للعمل اليدوي-الجسدي امتد في كل ألأزمنة والأمكنة؛ تحقير للمهن والحرف اليدوية وتحقير لعمالها والمشتغلين بها… ونحن في المغرب نلاحظ نظرة المغاربة لهذه المهن ولأصحابها؛ نظرة دونية تتمثل في ظروف الاشتغال وأشكال التعامل وهزالة الأجور…
واليوم، وفي زمن جائحة كورونا؛ تتم إعادة النظر وتصحيح الكثير من التمثلات الخاطئة؛ وعادت إلى المهن البسيطة، التي كان يعتبرها البعض عادية وغير مهمة أو غير مرئية ولا تعني شيئا، كل الحيوية والحساسية الحقيقية التي لها.
اكتشف المغاربة أن أهلنا الذين يتولون نظافة أحيائنا هم أهمنا، وهم يكلفون أنفسهم يوميا عناء ما نضعه نحن في الحاويات ولا نشغل بالنا بالبحث له عن المسار والمسير.
فتحية عالية للقائمين على النظافة والذين لم يخلفوا الموعد وواصلوا عملهم ضد الوباء بإيمان قوي بالنصر عليه.
اكتشف المغاربة، إذن، العديد من المهن التي كانت تبدو لهم عادية وربما نافلة، والحياة تعود إليها في زمن الشدة هاته وواعدوا أنفسهم ووعدوها أنهم حين الرخاء لن ينسوا هاته المهن، ولن ينسوا هاته الفئات، ولن ينسوا أن هذا الدرس القاسي، الذي نمر منه اليوم، سيكون ذا معنى وذا قيمة إذا خرجنا منه بأقل الأضرار ولم نعد لارتكاب نفس الأخطاء التي جعلتنا ننسى العديد من الأساسيات الحقيقية في الحياة، قبل أن يذكرنا بها هذا الوباء بقسوة ودون رحمة.

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 29/07/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *