غضب وتنديد بفرنسا بعد مقتل مدرس بشكل همجي

باريس- يوسف لهلالي

شهدت فرنسا يوم الأحد العديد من التجمعات في العديد من المدن من أجل التعبير عن الغضب والتنديد بما تعرضه له أحد المدرسين من قتل همجي يوم الجمعة من طرف أحد المتطرفين، لعرضه رسوما كاريكاتورية للنبي محمد على تلاميذه في القسم.
وتمت هذه التظاهرات أيضا من أجل تكريم المدرس صامويل باتي، على إثر الجريمة التي أثارت حزنا شديدا في البلاد، ووضع على خلفيتها عشرة أشخاص في الحبس الاحتياطي، كما قامت السلطات الفرنسية بسلسلة اعتقالات أخرى صبيحة يوم الاثنين من أجل اعتقال الأشخاص المتورطين في نشر الكراهية والتحريض على الشبكات الاجتماعية.
في باريس، تجمع المتظاهرون في ساحة الجمهورية يوم الأحد 18 اكتوبر، التي انطلقت منها المسيرة الحاشدة في 11 يناير 2015 عقب الهجمات التي شنها جهاديون على مقر صحيفة شارلي إيبدو.
ورفع العديد من المتظاهرين في الساحة «أنا صمويل» و»حرية التعبير وحرية التدريس»، وسط تصفيق طويل من حين لآخر. وشهدت العديد من المدن الفرنسية تجمعات خاصة في ليون وليل ونيس وبوردو.
وشارك في التجمع العديد من الشخصيات السياسية من جميع الاتجاهات، منها رئيس الوزراء جان كاستكس وعمدة باريس الاشتراكية آن هيدالغو والرئيس اليميني لمنطقة إيل دو فرانس، التي تضم باريس، فاليري بيكريس وزعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون، كما انضم الرئيس السابق الاشتراكي فرانسوا هولاند إلى التجمع من أجل التنديد بالعنف.
وقامت السلطات الفرنسية صباح يوم الاثنين بعمليات ضد «عشرات الأفراد» المرتبطين بالتيار الإسلامي، وفق ما أعلن وزير الداخية جيرار دارمانانن، مشيرا إلى أن «فتوى» كانت صدرت في حق أستاذ التاريخ الذي قتل بقطع رأسه الجمعة.
وقال الوزير لأحد الاذاعات المحلية في إشارة إلى مشتبه بهم تم توقيفهم «من الواضح أنهم أصدروا فتوى ضد الأستاذ». وأضاف أنه تم فتح أكثر من 80 تحقيقا بشأن الكراهية عبر الإنترنت، وأن توقيفات حصلت في هذا الإطار.
وقر ر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد تعزيز أمن المدارس ومراقبة الدعاية الإسلامية المتطرفة على الإنترنت.وقالت الرئاسة الفرنسية إن ماكرون أمر بعد اجتماع حضره ستة وزراء والمدعي العام لمكافحة الإرهاب جان-فرنسوا ريكار، باتخاذ «إجراءات ملموسة» سريعة ضد الدعاية الإسلامية المتطرفة على الإنترنت، مطالبا باتخاذ خطوات سريعة «وبعدم منح أي مجال لأولئك الذين ينظمون أنفسهم بغية الوقوف بوجه النظام الجمهوري.
وستتخذ «الإجراءات المناسبة» في حق عدد من الجمعيات بعد التدقيق فيها، في انتظار مشروع قانون ضد الإسلام الراديكالي من شأنه أن يوسع نطاق أسباب حل الجمعيات.
كذلك، قرر ماكرون التحرك فورا ضد جميع من دعموا الاعتداء على شبكات التواصل الاجتماعي. وقال الإليزيه إنه «منذ يوم الجمعة، حددت منصة فاروس (للإبلاغ عن الحوادث) 80 رسالة تدعم ما قام به المهاجم»، على أن تتخذ ابتداء من يوم الاثنين إجراءات تنفذها الشرطة أو الدرك، مثل الاستدعاءات أو عمليات دهم المنازل.
وبعد ظهر الجمعة الماضية، قطع رأس صامويل باتي، وهو رب عائلة يبلغ 47 عاما ، قرب الاعدادية التي كان يدرس فيها التاريخ والجغرافيا في حي هادئ في منطقة كونفلان سانت -أونورين، في الضاحية الغربية لباريس. وأردت الشرطة منفذ الجريمة وهو عبدالله أنزوف، لاجئ روسي من أصل شيشاني يبلغ سنه 18 عاما.
ويأتي الهجوم على المدرس، بعد ثلاثة أسابيع من اعتداء إسلامي نفذه شاب باكستاني بساطور أمام المقر القديم لشارلي ايبدو وأسفر عن إصابة شخصين بجروح بالغة وفي خضم جدل أثاره الرئيس الفرنسي بعد كشفه عن خطة للدفاع عن قيم فرنسا العلمانية.
في كونفلان سانت -أونورين حيث حصلت الجريمة، تجمع حوالي ألف شخص هم أهالي تلاميذ ومسؤولون ومواطنون، بحزن شديد أمام المدرسة التي كان باتي يدر س فيها. ورفع كثيرون لافتات كتب عليها «أنا أستاذ»، ما يعيد إلى الذاكرة شعارات «أنا شارلي» التي رفعت حول العالم بعد الهجوم على مقر شارلي إيبدو.
وسينظم تكريم وطني للضحية الأربعاء بالتنسيق مع عائلة المدرس، وفق ما أعلنت رئاسة الجمهورية الفرنسية من دون تحديد المكان.
وبحسب العناصر التي كشف عنها النائب العام لمكافحة الإرهاب جان-فرانسوا ريكار، نظم أستاذ التاريخ مع تلاميذه نقاشا في إطار صفوف التربية المدنية، عرض خلاله رسوما كاريكاتورية للنبي محمد. واقترح على التلاميذ الذين لا يرغبون برؤية بعض هذه الرسوم، بعدم النظر إليها.
وأعرب والد تلميذة موضوع في الحبس الاحتياطي حاليا، عن استيائه من هذا الدرس في مقاطع فيديو ناشرا بذلك على الانترنت اسم الأستاذ وعنوان المدرسة كما التقى مديرة المدرسة للمطالبة بطرده. وتلقى الأستاذ بعدها عدة اتصالات تهديد.
ولدى عبدالله أ. سوابق في القانون العام وهو معروف لدى الاستخبارات لسلوكه الراديكالي. وقال ريكار إن عبدالله أ. قام بعد ظهر الجمعة بعمليات مراقبة قرب المدرسة.
وعثر في هاتف المهاجم على رسالة موجهة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «زعيم الكفار» تتضمن رغبته في الانتقام من الشخص الذي «تجرأ على التقليل من شأن محمد» إضافة إلى صورة الضحية مقطوع الرأس. وكانت قد ن شرت الرسالة والصورة على توتير.
من جهتها، شددت موسكو من خلال سفارتها لدى باريس على أن «هذه الجريمة لا تعني روسيا بشيء» إذ إن الشاب غادر البلاد عندما كان طفلا.
وفي المجمل، وحسب الأرقام الرسمية تسببت موجة الاعتداءات الجهادية غير المسبوقة التي بدأت عام 2015 في فرنسا، في مقتل 259 شخصا.

الكاتب : باريس- يوسف لهلالي - بتاريخ : 20/10/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *