الأغنياء يطلبون الرفع من الضريبة عليهم!…

عبد الحميد جماهري

قلت في الأصل: لأستفت خيالي!
مادام الواقع يفتك بكل جدواه وجذوته بالممكن من اليوطوبيا،
ويتركنا ليستفرد بنا المستحيل.
لكن من حسن حظنا أن الاغنياء في البلاد البعيدة يمتحنون اليوطوبيا بالسخاء ويعطوننا المثل الجميل، ولا ينامون بالضرورة مع الغريزة بأنيابهم.
منذ شهرين تقريبا صدر لهذا العبد الفقير لرحمة ربه، عمود حول: «3 أفكار يغلب عليها الحماس»، وقد دونته، في صدور الجريدة ليوم
26.05.2020..
اعترفت سلفا أنه الحماس… قد يكون مبالغا فيه بعض الشيء، أو حتى مشكوكا فيه، كأشياء كثيرة يحملها الاندفاع الوطني أحيانا بشكل لا يخلو من طراوة.. ويتم النظر إليها بغير قليل من التوجس….
كنت توجست بأنها قد تكون أفكارا منذورة للنسيان، لكني مع ذلك، أتشبث بها، كما يثق طفل في يديه وهما تكبران في التجربة لمعرفة الطريق..
الفكرة الأولى كانت سؤالا عن إيحاء الطريق التي تشيدنا ونشيدها: لماذا لا نشرع في هذا الصيف، في التعبئة لطريق الوحدة مكررة.. جنوبا من أكادير إلى الداخلة؟
الفكرة الثانية كانت سؤالا أيضا: لماذا لا ينهض حلف البورجوازية الوطنية، والقوى العاملة والقوى المنتجة وعموم الشعب.. حلف يتقدمه الأثرياء والأعيان والبرجوازيون بكل أشكالهم، في تعبئة شاملة من أجل البلاد ويضحون بغير قليل من الثروة لفائدة البلاد- الضريبة على الثروة- مادام أن زمن السجون والاعتقالات والمنافي في زمن العدو الأول قد ولى؟
الفكرة الثالثة: تحيين ميثاق الاستقلال، الذي ربط إلى الأبد بين مكونات العمل الوطني من أجل الحرية والاستقلال ووضع لبنة المغرب الحر، حول الملكية الدستورية العاملة من أجل الجميع، ثم تجدد في المعركة من أجل الوحدة الترابية في 1975، وذلك بميثاق أوسع، بكل القوى العاملة اليوم داخل محيطه المتوافق عليه وطنيا، على قاعدة الدستور الجديد المتجدد والقيم الثابتة الأربعة المكرسة فيه: الدين الإسلامي، الوحدة الترابية، الملكية والديموقراطية؟
اليوم صارت الفكرة الثانية، واقعا في سماء غير سمائنا، بالرغم من تجاوب الوطنية البورجوازية مع مجهود البلاد في الجائحة..
كيف ذلك؟
أورد زميلنا عماد عادل خبرا عن «النوفيل أوبسرفاتور» الفرنسية، ورد فيه:«أن مجموعة تتألف من 83 مليونيرا أطلقوا نداء في رسالة مفتوحة نشرت الاثنين، بهدف المساهمة في التعافي من الأزمة التي سببتها جائحة كورونا». وجاء في الرسالة: «نحن- أصحاب الملايين الموقعين أدناه- نطالب حكوماتنا برفع الضرائب عن الأشخاص مثلنا بشكل فوري وملموس ودائم».
ومن بين أصحاب الملايين الذين ذكرت أسماؤهم في نهاية الرسالة المؤسس المشارك لعملاق الآيس كريم الأمريكي «بين آند جيري» (Ben & Jerry’s) جيري غرينفيلد، والمغنية الأمريكية جوليا ستون، والمخرج البريطاني ريتشارد كورتيس.
وقال أصحاب الملايين في الرسالة إن «المشاكل التي سببها مرض كوفيد19 لا يمكن حلها من خلال الأعمال الخيرية».
هذا الخبر، الذي نشرته «النوفيل أوبسرفاتور»، يكشف ما تزخر به البرجوازية المتضامنة.
لكن من سوء الحظ، لا أحد في البرلمان، طرح الموضوع عند مناقشة القانون المالي التعديلي، علما أن حزب الاتحاد الاشتراكي، وهذا العبد الفقير لرحمة ربه كمناضل بسيط فيه، سبق أن أثار المشكل من بين الأشياء التي يجب أن تتغير مع الكوفيد.
فمن وما لم تغيره الجائحة يجب أن يغيره القانون ويغيره القرار السياسي..
مطروح اليوم أن تعبر البرجوازية الوطنية على أنها قادرة على صياغة بيان وطني، ما يشبه وثيقة الدفاع عن الكرامة وقوة الدولة.. ونعيد صياغته، كما يليق بحلم جميل عبر سؤال يمس الحلف الوطني الذي يقوده الأثرياء..
ولا نمل من السؤال الحالم، الذي يؤمن بمخزون الخير في البرجوازية التي يحذوها الوطن: لماذا لا ينهض حلف البرجوازية الوطنية؟ ولماذا لا يتعبأ الجميع تعبئة شاملة من أجل فرض «الضريبة على الثروة «؟
نقصد أن برجوازية 1944 التي قادت الوثيقة المطالبة بالاستقلال في قراءة جريئة لتغيرات ما بعد اندحار النازية والفاشية وانتصار معسكر الحرية، كانت مهددة بالسجون والمنافي، ورأيناها بالفعل تسجن وتنفى..
واليوم لا تهديد من هذا النوع سيخرج برجوازيتنا من سحرها الخفي والظاهر، بل ما تقدمه هو جزء من طراوة الغنى، وغير قليل من كماليات «التبرجز» السخي..
هل أنا غبي لكي أحلم بأن الاثرياء يملكون هذا الحس؟
أبدا، قلبي العاطفي جدا، الرقيق ذكي أيضا، ولا يمل من التفاؤل عن برجوازيتنا التي تقدم، في الكثير من أعضائها المثال في الإحسان والخير ومحبة البشرية المغربية، لكن عليها أن تقفز هذه القفزة في الهواء النقي، قفزة نحو الأعلى لدخول التاريخ وتقديم المساعدة لبلدها..

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 17/07/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *