انتخابات بلا فلسفة سياسية!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لم يستطع أحد من مكونات الحقل الحزبي المغربي أن يقترح تأجيل الانتخابات التي تستكمل دورتها التنظيمية في يونيو 2021، بالرغم من الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد بسبب الجائحة وبسبب التعبئة الوطنية العليا التي ترافق هذا التدبير..
وهو بحد ذاته تحول في الثقافة السياسية وفي مقاربات التواصل السياسي المغربي، كما أخبر وزير الداخلية الزعماء السياسيين في لقاء في منتصف الشهر الجارى بأن «الاستحقاقات ستجري ولو بالكمامات»!
فقد صار من المتوافق عليه، أن تجري الاستحقاقات التشريعية منها والمحلية في احترام تام لانتظاميتها.
أضف إلى ذلك أن دستور البلاد يجعل دورية الاستحقاقات مسألة بنيوية في التداول المؤسساتي. فقط نص الفصل 62 على أنه «ينتخب أعضاء مجلس النواب بالاقتراع العام المباشر لمدة خمس سنوات، وتنتهي عضويتهم عند افتتاح دورة أكتوبر من السنة الخامسة التي تلي انتخاب المجلس».
وبذلك يبدو التوقيت الانتخابي دستوريا محددا ولا هوامش فيه.
المغرب أيضا، كان قد عاش جزءا من العشوائيات الانتخابية عندما كانت الخارطة السياسية تُصنع، والتوقيت يخضع لاعتبارات لا علاقة لها بالتداول الطبيعي داخل المؤسسات، كما حدث في مرات عديدة عندما كانت تؤجل أو تعجل قبل أوانها..
والمرة الوحيدة التي أجريت فيها قبل وقتها، لاعتبارات اسراتيجية كبرى، حدثت عندما عرفت البلاد موجتها من الربيع العربي في فبراير 2011، وقتها تم إجراء انتخابات سابقة لأوانها وسقطت حكومة عباس الفاسي، زعيم الحزب الوطني الاستقلالي، وحملت الموجة العميقة الإسلاميين المنضوين تحت لواء «العدالة والتنمية» إلى الحكم..
وصدقت نبوءة وزير الداخلية وقتها السيد ادريس جطو وهو ينصح عبد الإله بنكيران الأمين العام للحزب آنذاك: «لا تجدفوا فالموجة آتية بكم»… مع الفيروس كوفيد 19 الذي زلزل العالم، كان النقاش في الأوساط السياسية والحزبية وفي أعماق الدولة يتمحور حول السؤال:هل سيتأثر تاريخ إجراء الاستحقاقات بالشروط الجديدة للوباء؟
وبدأت التوقعات، بين من يرى الضرورة بتعجيلها، وهم في الغالب أولائك الذين يرون أن الحكومة أبانت عن ضعف شديد في تدبير الأسابيع الأولى من الجائحة، أو كانوا يتوسمون في أنفسهم الأهلية بخوضها بقوة أكبر ، وبين من كان يرى بتأجيلها إلى حين تتضح الأمور أكثر.…
ولعل جزءا من النقاش سبق خوضه، سواء تعلق الأمر بالعتبة أو بالتقطيع الانتخابي للدوائر أو بالنظام المعتمد، الفردي منه أو اللائحي الخ.
ولعل الجديد فيه، هو الارقام والنسب،بين من يدعو إلى ضرورة تخفيض عتبة الفوز بالمقاعد وبين من يدعو إلى الغائها او الرفع منها، خصوصا بين الاحزاب التي تقول بانها كبيرة والتي تعتبر ان طريقة رفع العتبة إلى10 % بإمكانه حل معضلة البلقنة السياسية وتشتت المشهد الحزبي، وبالتالي يساعد على تشكيل حكومات مجمعة من حزبين أو ثلاث عوض كتل أحزاب متنافرة في غالب الأحيان..
لقد مرت على البلاد قرابة ستة عقود من الاستقلال، ولحد الساعة لم يفرز النظام الانتخابي، والنقاش السياسي ومسيرة طويلة وعسيرة من الديمقراطية المتنازع حولها، قواعد لعب نهائية ودائمة في الزمن، يمكن أن تستمر البلاد على إيقاعها وتستقر بواسطتها في دينامية اقتراعية سياسية متعارف عليها كما هو حال الدول التي اختارت أنظمة انتخابية نهائية ، لا سيما في الغرب الأوروبي الذي يشكل مصدر استلهام سياسي بالنسبة للنخب المغربية….
وبالرغم من أن قضايا الفساد الانتخابي واستغلال الدين واستعمال المال المشبوه من الأشياء التي تنشط النقاش السياسي مع كل انتخابات، فإن الشكل الاسمى والانجع في محاربة هذه المظاهر المخلة بالديمقراطية وسلاسة التنخيب في البلاد، لا يحظى بالحرارة التي صاحبت النقاش حول الانتخاب باللائحة، مثلا الذي جاءت به حكومة التناوب السياسي الأولى في تسعينيات القرن الماضي ، والتي قادها معارض كبير للحكم، هو الفقيد عبد الرحمان اليوسفي.
ويبدو المشهد السياسي اليوم كما لو أن الانتخابات تجري بدون خلفية عميقة، كما لو أنها بدون فلسفة سياسية.. اللهم إلا من الأحلام التي تراود بعض القوى في تقويض أخرى ولعب دورها، خصوصا مع الصلاحيات والسلطات التي صارت اليوم لرئيس الحكومة، والذي أضحى يقتسم جزءا من السلطة الحقيقية في الممارسة.
ومن المحقق، أن العمل من أجل تقويض قوة سياسية بعينها، لا يمكن أن يشكل برنامجا مقنعا ومعبئا، في سياق وطني مشوش، كثيرا وأولوياته أكثر مما يمكن أن يفسره عمل أحادي.
وسيكمن المشكل الأكبر في إقناع المغاربة، مرشحين وناخبين بالدخول في أجواء انتخابية، في سياق وطني ودولي وإقليمي »مكمم« ، ثم التوجه إلى صناديق الاقتراع في ظرف سنة، في بلاد لاشيء يؤكد بأنها ستعود إلى إيقاعها العادي أو الطبيعي خلال شهور قليلة.
لقد كان المغرب قد قام بتوقعات استشرافية، بناء على دعوة منه في 2003، وتم وقتها إطلاق مشروع جماعي لقراءة خمسين من تاريخه واستشراف أفق 2025، ومن المهم اليوم أن نذكر أن أحد مداخل هذا الأفق2025، القريب هو انتخابات يونيو القادم ، ولعل التوصية الأساسية التي صاغها جمع من المثقفين والباحثين والسياسيين تحت إشراف المستشار الملكي الراحل مزيان بلفقيه، هي توطيد الممارسة السياسية العادية، وتقوية التماسك الوطني وتحسين نظام الحكامة..
ومن ثمة فإن المغرب، من وراء الرهان الحالي «ليس عليه فقط أن يستكمل انتقاله الديمقراطي، بل وأن يستقر وبشكل دائم في إطار الممارسة السياسية العادية».. والأهم في ذلك هو إعادة الاعتبار للالتزام السياسي كفعل وطني وليس كفعل انتخابوي للارتقاء أو الغنيمة. …
نشر في موقع «العربي الجديد»

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 22/07/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *