برشمان الزمن السياسي…! العنف، الدين… والجائحة! 2/2

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

تشكل «الهيبة» مُقوِّما من المقومات المتميزة والفريدة في تشَكُّل الدولة المغربية، وهي إرث من الدولة السلطانية أو الإمبراطورية. وعلى عكس الأمن، الذي يشكل موضوعة عامة ومشتركة بين الدولة الوطنية في كافة الأقطار، يرى محمد الطوزي وبياتريس هيبو أن الهيبة تحيل على خوف بلا ينابيع أو خوف امتثالي، طقوسي، تمتزج فيه الرهبة بالتقديس والشعور بالامتثال ..
في الكتاب، تشكل «الهيبة» موضوع نقاش حقيقي، ويعتبر الكاتبان أنها تأسست كـ « شكل من أشكال العنف»، والذي‮ تظهره السلطة، و‬يسمح لها بعدم الاضطرار واللجوء الدائمين إلى العنف الجسدي، الماحق والساحق والمستمر في الزمان والمكان.
إن الهيبة، كما عبر محمد الطوزي، هي إظهار للسلطة، هي عنف متحكم فيه ولكنه مشهدي‮ ( كمثال على ذلك يتحدث الطوزي في حواره عن ‬الحَرْكة وعن التمثيل الفرجوي برؤوس الضحايا…).
ومن ميزة الهيبة، كذلك، أنها غيرمرتبطة بالمخزن وحده، بالإحالة على السلطان حصرا، بل تمس ظلالُها العمال والباشوات والأئمة والقضاة… إلخ‮.
ومن البديهي أن الهيبة تحيل على العنف، وهما معا يحيلان على جانب آخر من تجربة الدولة في المغرب، لا سيما في ظرفها الوطني الحالي، وهي تجربة الإنصاف والمصالحة، والتي طرحت قضية العنف من زوايا العدالة الانتقالية.
ففي صفحات طويلة يطرح الكتاب علاقة المغرب مع ماضيه في «تبييء» العنف كسؤال مضمونه: هل العنف جزء تكويني من النظام المخزني؟
يرى الطوزي، في معرض الجواب أنه – أي العنف – في‮ ‬«قلب كل علاقات السلطة‮ ‬وأحيانا يكون الرمزي منه ‮أقوى‮ ‬من المادي،‮ ‬سواء أكان مؤطرا أو غير مؤطر‮‬»‮.‬
في باب آخر، لا يستقيم الحديث عن الدولة في المغرب، مع محمد الطوزي، بدون أن تثار قضاياه الأولى، وهو الإسلام السياسي والدولة عموما، ومكانتهما في الكتاب، وأيضا ما كشفته الجائحة الحالية من عناصر تمس هذه الجوانب (الدين، الدولة والوباء).
ويجزم الكاتبان بأن الوباء أظهر الحاجة إلى المكون العتيق في الدولة، من قبيل وظيفة المقدم، والشيخ والباشا والقايد…إلخ.
ففي مراحل مواجهة معضلة حديثة للغاية، اتضح أن الوظيفة العتيقة لبعض مكونات الدولة ما زالت قادرة على التكيف وعصرنة أدائها، كما في تسليم شهادات التنقل، أو ضبط عمليات التلقيح.. ومع إقرار الباحثين عدم وجود مسار واحد لكل الدول الإسلامية في علاقتها مع الإسلام، ولاسيما الإسلام السياسي. وقد لاحظ المحاوِر عبد الرحمان حفيضي،«صمت الإسلاميين الذي يشبه صمت المقابر « في هذه الفترة وانسحابهم الكلي من مناقشة تدبيرها، واتخاذ مواقف من قرارات الدولة المرتبطة بها، تبين أن الموقف من قضايا ذات علاقة بالوجود والموت، لم يدفع الإسلاميين الذين يوجدون في تقاطع هذه القضايا إلى التعبير عن رأيهم فيها! بل الانسحاب من أي معادلة تخصها.
وفي تعليقه، يقول الطوزي «إن الذي انسحب ليس الإسلاميون وحدهم، بل الإسلام نفسه».
وقد كان مثيرا حقا أنه لاحظ في حديثه أن كل ما له علاقة بالتدين اختفى كليا أو جزئيا بدون أن تكون هناك ثورة: فالوباء أكد ذلك، فقد تم إغلاق المساجد، ولم يعد هناك لا حج ولا عمرة ووقع ما لم يكن أحد يتوقعه..
بيد أن الناس يعتبرون ذلك عاديا تبعا لـ«قانون الضرورة» المالكي، الذي فرضه الوباء..
فالإسلاميون، بالنسبة له «فاعلون معاصرون يستعملون أدوات تقليدية، حتى وإن كانت غير تقليدية كما نتواضع عليها» ويفعلون أحد «أشكال التأويل الديني» في ممارسة السياسة.
وفي العلاقة بين الدولة والدين الإسلامي يقول الطوزي «نحن نعتقد بأن الدين هو الذي يراقب ويضبط الدولة، والحال أنه لم يقع أبدا في تاريخ الإسلام، أن كان الدين هو الذي يضبط ويراقب الدولة بل العكس هو الصحيح».
وعليه، في المغرب، كما في غيره من الدول الإسلامية، فإن السياسيين هم الذين يراقبون الدين.
والدولة تحاول تدبير الديني والحكم عليه ..وهذا البعد كرهان حديث هو إيديولوجيا، وهو يخضع لموازين القوى الموجودة في الميدان..
وهو ما يجعل الدولة تحاول حكم وتدبير الحقل الديني باعتماد طرائق ليست دينية، بالضرورة.
نحن أمام مجتمعات «علمانية دهرية» تقوم فيها الدولة بتدبير الحقل الديني باعتبار الوظيفة سياسية وليست دينية.. كما هو الحال بالنسبة لبياتريس هيبو!
ومن جهة أخرى، وجدت الدولة نفسها، في ما بعد الاستقلال ثم في الفترة الممتدة إلى حدود الثمانينيات والتسعينيات، في معادلة يحكمها إلى حد ما التمييز يسار /يمين.
ويطرح السؤال اليوم، في المسار الفيبيري للدولة، ما إذا كان هذا التمييز ما زال قائما، أم أنه ترك مكانه لمعادلة أخرى يحتل فيها البعد القيمي مركز الصدارة والمعيار النموذجي للفرز؟
يعتبر الباحثان أن التأرجح في القيم هو البارز حاليا، وليس هناك نقط ارتكاز واضحة لتمييز القوى السياسية..
وقد حدث التحول من القضايا الاجتماعية والاقتصادية إلى قضايا التقدمية والحداثة، وما أثار الانتباه هو أن «التقدميين ليسوا دوما هم من نظن!».
فإذا أخذنا قضية الأسرة والشرخ الذي حدث حولها، فقد وجدنا أن بعض اليساريين كانوا ضد إصلاح مدونة الأسرة ببعدها التقدمي، وكان بعض رجال التدين معه!
غير أن الباحثين ينسبون هذا المعطى بالقول إن «التمييز اليساري اليميني يلعب قليلا ولكنه مضبب»!
يضاف إلى ذلك أن حاملي الأفكار والمشاريع والقيم النيوليبرالية مثلا، هم أفراد ومجموعات، نجد فيهم الإسلاميين، الذين انحازوا لمحركات البنك الدولي وأناس يساريين دافعوا عن القروض الصغرى بقيم نيوليبرالية،
ونجد تقنوقراطيين من عائلات مخزنية خريجي مدارس كبرى..
إن الكتاب الذي يبحث في عمق تركيبة الدولة، وزمانها السياسي، وينقب في مضمرات لكثير من عناصر تكوينها، لا بد من أن يترك أثره في العقل السياسي المغربي (أو المفروض أنه كذلك، حتى لا نكون إيجابيين أكثر من الواقع!). كما سيساعد على تحيين محركات البحث في كيفية اتخاذ القرار، وبناء الهندسات السياسية في أروقة الدولة، واختبار طاقمها السياسي والتدبيري، الديني منه والدهري …

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 04/05/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *