قوس قزح والعمامة: جنوب إفريقيا وإيران، وصيفتان للجزائر في ملف الصحراء

عبد الحميد جماهري

توزعت إيران وجنوب إفريقيا أدوار الوصيفين الديبلوماسي والعسكري للجزائر، ففي الوقت الذي تولت إيران الجانب العسكري التسليحي للبوليزاريو، شمرت جنوب إفريقيا عن سواعدها الديبلوماسية وراسلت مجلس الأمن والأمم المتحدة بشأن البوليساريو (انظر رد المغرب في مقالة عن عمر هلال في الصفحة 2).. ضدا على مواقفهما المعروفة وقرارتهما في هذا الشأن.
ويتضح من هذا التوزيع أن البلدين معا، يزكيان التوجه الذي تدعمه الطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر لزعزعة المنطقة وإشعال فتيل الصراع وتفكيك الدول في منطقة شمال إفريقيا وتعميم النموذج الساحلي الصحراوي على منطقة جنوب المتوسط وشرقه..
من الواضح أن إيران، وهي تتدخل عبر المسيرات (الدرونات) في أوكرانيا، ثم عبر تسليح الميلشيات الانفصالية، تلعب دورا خطيرا، أولا في نقل البراديغم الشرق أوسطي وبؤر توتره إلى منطقة شمال إفريقيا والساحل جنوب الصحراء، ثم ثانيا في تلغيم جنوب أوروبا، حيث تنشط المجموعات الإرهابية التي تمس الأمن الأوروبي، ثم العالمي.
وهي في علاقتها مع جنوب إفريقيا تتكامل في الأدوار، من حيث معاداة المغرب باعتباره الدولة الأكثر استقرارا في المنطقة بالنسبة للتكتلات الكبرى عالميا (الاتحاد الأوروبي وأمريكا) بدون التفريط في شراكته الدولية واستقلالية قراره..
ويطرح التلاقي الموضوعي قبل التخطيطي، في موقفي الدولتين مقاربة العلاقة بينهما، سواء في قضيتنا الوطنية أو في مجالات الاستراتيجية التراثية الجزائرية.
من المفارقات التي يكشف عنها الموقف الإيراني في علاقته مع جنوب إفريقيا أن الملايين في طهران ورثوا نفس قوة العلاقة التي كانت بين البلدين، إبان نظام الشاه رضى بهلوي! وعليه فإن النظام الحالي يشتغل على الأولوية الاستراتيجية لجنوب إفريقيا التي بناها الشاه، فإليه يعود الفضل في إرساء تعاون متقدم مع الدولة الإفريقية في المجال النووي والتجاري، مع إضافة البعد الأمني والعسكري اليوم في جنوب القارة وفي منطقة الساحل والصحراء…
وتقول الدراسات التي نشرت في هذا المجال (منها مركز أوفير الفرنسي) إنه منذ فترة احمدي نجاد صارت القارة فاعلا مركزيا في استراتيجية طهران، وذلك من أجل التوسع الإيديولوجي عبر «الأدوات المساعدة»، والتي تتمثل في تصدير تجربة حزب الله من الشرق الأوسط إلى دول الساحل وشمال إفريقيا… عبر البوليساريو، وهي استراتيجية تسميها طهران بـ «الدفاع مع التقدم الميداني»…
تتزامن في ذلك غاية البحث عن عمق استراتيجي في القرن الإفريقي مع استغلال حالات اللاستقرار من أجل الاستفادة منها والتغلغل في منطقة هشاشة أمنية تسمح لها بنشر كل أنواع التهديدات: الدرونات، الجماعات المتطرفة، والبروبغاندا.. وكلها مواد لبناء شبكات النفوذ والتأثير..
والإيرانيون يدركون أن هناك توافقا عربيا وإجماعا (حتى عندما تسيء بعض العواصم للتحالف العربي القوي)، ضدهم فيسعون إلى نقل منافستهم للأقطاب العربية في موقع المواجهة إلى القارة.. (الموقف المعبر عنه من طرف اللجنة الوزارية العربية المعنية بإيران).
وفي السياق ذاته تسجل موازين التبادل الاقتصادي أن جنوب إفريقيا هي الشريك التجاري الأول لإيران في إفريقيا… وهذه القوة الأولى اقتصاديا في القارة لمدة طويلة البلد الإفريقي الوحيد العضو في «البريكس» و«G20» قد سعت الجزائر لضمها إلى خطتها التي سمتها «G4» إلى جانب نيجيريا وإثيوبيا..
وبالرغم من أن ما يجمعهما على المستوى الإيديولوجي والسياسي يكاد ينعدم (هو ما قد يجمع قوس قزح… إلى العمامة!َ) فإن دولة جنوب إفريقيا صارت ذات أولوية عند إيران أكثر من أي وقت مضى… وهما معا يبحثان عن الدول المهمشة، والتي لا يمكنها البحث عن مظلة أمنية أمريكية + أطلسية!
في الوضع الحالي للعالم، مع الحرب الروسية الأوكرانية تظهر الصعوبة الملموسة لدى إيران في تطوير البديل الاقتصادي أو الذراع التنموي للتغلغل، إضافة إلى الصعوبة في إيجاد حل للمشكلة النووية يتوقع الباحثون (مركز فورين بوليسي على سبيل المثال) أن المتوقع مستقبلا هو ارتفاع منسوب التصعيد الأمني العسكري مع الدول التي تعتبرها عدوة لها، وتقوية ارتباطها بشبكات النفود .. منها البوليساريو.. وتتوقع سيناريوهات المستقبل القريب مسعى إيرانيا «للركوب» على الدينامية الروسية في الساحل وفي القارة عموما!
لقد كان المغرب حاسما مع الدولتين، مع فارق مثير في درجة الرد وليس في طبيعته.
ومن ذلك أن المغرب اعتمد القطيعة مع إيران، في وقت رد بقوة على محاولة جنوب إفريقيا سواء في الاتحاد الإفريقي أو في الأمم المتحدة، ومن المفيد الانتباه إلى أن لغته في رد عمر هلال قد اتسمت بثلاثة مستويات في تبليغ الموقف:
الإدانة، ثم الأسف على الأدوار المتناقضة لقوة قارية معترف بها، ثم الدعوة إلى التعقل بنبرة لا تخلو من بلاغة ساخرة… وتركت الرسالة الباب مفتوحا للدخول إلى التاريخ. جنوب إفريقيا يمكن أن تدخل التاريخ من خلال الانضمام إلى ديناميات السلام، التي يقودها مجلس الأمن، إلى جانب مائة بلد عبر العالم، جنوب إفريقيا، التي تشارك على غرار المغرب، في العديد من عمليات حفظ السلام…

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 11/03/2023

التعليقات مغلقة.