لفهم ما جرى ويجري : 3ـ وفلسطين وسط هذا الهدير الحربي؟

عبد الحميد جماهري

بالنسبة لكل مغربي يربط بين قضيته الوطنية والقضية الفلسطينية رباط رَحِميا، لا بد من أن تكون فلسطين، كما هي الصحراء، نظاراته في التقدير الجيوسياسي للمرحلة، وتقدير الموقف من المجريات في ما يقع ! والنظر إلى المواجهة غير المسبوقة من هذه الزوايا.
ومن هنا، سيكون أول موعد فلسطيني مع القرار الدولي، بعد الضربة الإيرانية لإسرائيل، يومه الخميس، من خلال تصويت مجلس الأمن الدولي على طلب قدمته السلطة الفلسطينية لنيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، بحسب ما أفادت مصادر دبلوماسية عديدة..
وهو الموعد الأهم بالنسبة لفلسطين، بعيدا عن الأفق الإيراني كذلك.
بالعودة إلى الهجمات الإيرانية المتشابكة، لا أحد بمقدوره أن ينكر بأن طهران فصلت فصلا واضحا بين »حقها في الرد« والحرب الدائرة في غزة ضد الشعب الأعزل.
فهي من جهة تتولى الدفاع عن نفسها، أو ترابها الديبلوماسي بشكل مكشوف، وبأدواتها العسكرية من مسيرات وصواريخ،ومن جهة ثانية تفوض مساندة حركة حماس في مقاومتها لأذرعها في سوريا والعراق واليمن ولبنان.. وقد كانت هناك مناسبة للفصل، سابقا، بين القضية الفلسطينية وما يقع مع إيران، عندما حاولت أصوات من داخلها أن تعمد طوفان الأقصى بدم شيعي، وقتها صرح المتحدث باسم الحرس الثوري العميد رمضان شريف أن: «طوفان الأقصى جزء من الانتقام لاغتيال الشهيد سليمان القاسمي«.
وهو ما انبرت لتكذيبه قيادات حماس، كما حاولت تداركه أصوات إيران الرسمية. ولم تقم إيران بأي هجوم بسبب غزة ولا هددت بحرب إقليمية وظلت تتوجس بالرغم من الجحيم المعمم والغضب العالمي وعدد القتلى والشهداء.. ولما تغيرت حساباتها كان ذلك لصالحها وحدها!
التمييز الآخر بين القضية وبين ضربات إيران ورد في مضمون البيان الصادر عن حركة حماس عقب الهجوم الإيراني. فقد ساندت الحركة إيران في »الدفاع عن حقها في الرد«، كما هو مكفول دوليا، في حين دعت الأحرار. في العالم، إلى مواصلة مساندة طوفان الأقصى والمترتبات العسكرية عليه.. ولعله وعي مشترك بأن الربط، وإن كان واضحا، عمليا وموضوعيا، على الأقل، من حيث المشترك الإسرائيلي بينهما، فإن تدبيره قد يعقد المعادلة . علاوة على أن ذلك لم يصدق كثيرا في الترتيب الذي سبق إليه عراق صدام حسين عندما ربط بين الخروج من الكويت وبين انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية، أيام الراحل ياسر عرفات.
كان من الممكن أن تضع طهران حقها في الرد كورقة تفاوض بها من أجل وقف إطلاق النار في غزة مثلا، كما فعل صدام حسين في سابق الشرق الأوسط، وأن تزيد من إحراج الأمريكيين والغرب، لكن ذلك لم يرد كأفق ممكن لا في تدبير إيران لردها على هجمات إسرائيل على قنصليتها ولا في طلب حركات المقاومة التي تلتقي معها في الصراع مع تل أبيب…
2 – الواضح أن شروط الاشتباك التي كانت وراء الحرب التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، قد تتعقد أكثر، لغير صالح الفلسطينيين، حيث يبدو أن الوضع سيزداد وحشية، وأن من بين ما ستطلبه إسرائيل من حليفتها وشركائها هو إطلاق ذات اليد في رفح، وتعطيل أي هدنة لفائدة الشعب الفلسطيني. ولعل طلب السلطة الفلسطينية في مطلع أبريل الجاري من مجلس الأمن النظر مجددا في الطلب الذي قدمته في 2011 لنيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، سيزيد من امتثال الولايات المتحدة، التي تتمتع بحق الفيتو، لمطالب إسرائيل بالتشديد على معارضتها لهذا المسعى.
وبالرغم من أن » 137 من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة اعترفت حتى اليوم بدولة فلسطين، فإن هذا التأييد لا يكفي لاجتياز عقبة الفيتو الأمريكي المرجح في مجلس الأمن«، والحال أن قبول دولة ما عضوا في الأمم المتحدة بقرار يصدر من الجمعية العامة بأغلبية الثلثين، لا بد له من توصية إيجابية بهذا المعنى من مجلس الأمن الدولي.
3ـ التخوف الأكبر هو أن يطغى الملف الإيراني الإسرائيلي، باعتبارهما قوتي ردع في حالة مواجهة ( حيث لعبة الظل تتحكم في الكثير من المعادلات ) على القضية المركزية. فلسطين، وتتدحرج في ساحة الترتيب كما وقع عندما كان الملف النووي الإيراني على طاولة التفاوض الدولي..

4ـ على عكس كل التوقعات، يمكن لهذه المواجهات أن تقوي التقوقع العربي، ورديفه التقارب العربي الرسمي الإسرائيلي. وقد بدأت التحليلات، ولا سيما منها الجيوستراتيجية المبنية على معطيات غربية تتحدث بالفعل عن تعاون لوجيستيكي وجيوفضائي في وقت المواجهة، ومن الدول العربية التي لم تخف ذلك، في حين تعاملت دول أخرى بمنطق الاتفاقيات التي تجمعها مع الدول الغربية الحليفة لإسرائيل (لا سيما فرنسا والولايات المتحدة).. وليس خافيا أن الدول العربية ستنكمش حول نفسها وتعزز عملها من أجل أمنها وتعزيز. التواجد الغربي، من خلال القواعد الأمريكية التي كان لها دور واضح في الردع..
كل العواصم، مالت، علاوة على ما سبق، إلى دعوات التهدئة من أجل تجنب المنطقة اشتعالا لا يعرف مداه. والنار تتجه إلى السعودية التي يقول عنها أنطوان بسبوس، مدير مرصد الدول العربية في باريس، إنها «أكثر انشغالا بتهدئة علاقاتها مع جيرانها والنأي بنفسها عن حرب إقليمية، فيما تواجه مصر سيناريو التهجير الذي سيثقلها أكثر ويجعلها عاجزة عن أي دور مستقبلا.
5- هل هناك أفق للتهدئة أو أي اتفاق قد يوقف الجحيم؟ وهل يمكن لديبلوماسية القيم أن تنخرط في هدنة لفائدة الفلسطينيين أم أنها ستعمل من أجل منع الحرب. الحريق الشامل؟ لا يمكن اليوم أن تتقدم أي خطاطة جيوسياسية للحل السلمي، بل ستتعطل أية مساعي، ولعل الضربة ستخفض الأصوات التي كانت تنادي، حتى في أوساط الأمريكيين، بتخفيض الدعم العسكري والمالي لإسرائيل! .
ختاما يقول الفلسطيني
«أَنا التوازُنُ بين مَنْ جاءوا ومن ذهبوا
وأَنا التوازُنُ بين مَنْ سَلَبُوا وَمَنْ سُلِبوا
وأَنا التوازُنُ بين مَنْ صَمَدُوا وَمَنْ هربوا
وأَنا التوازُنُ بين ما يَجِبُ:
يجب الذهابُ إلى اليسارْ
يجبُ التوغُّلُ في اليمينْ
يجبُ التمترُس في الوسطْ
يجبُ الدفاعُ عن الغلطْ
يجبُ التشكُّك بالمسارْ
يجبُ الخروجُ من اليقينْ
يجبُ الذي يجبُ
يجبُ انهيار الأنظمةْ
يجبُ انتظار المحكمةْ..»!
الفلسطيني اليوم، هو ما وصفه درويش في مديح الظل العالي، وعلينا أن نستحضر تشبثه بالتراجيديا في هذا الغليان الأعمى. ضده!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 18/04/2024

التعليقات مغلقة.