وهم «لوموند»: التياران، الأمني والسياسي، في المغرب؟ 2/1

عبد الحميد جماهري

خصصت يومية «لوموند» الفرنسية صفحة في عددها لنهاية الأسبوع لوضعية الصحافة في المغرب، عنونت التقرير المنشور ضمنها، بـ«القمع يشتد ضد الصحافيين في المغرب»..
بَنَت «لوموند» تقريرها على قضية الزميلين الصحافيين عمر الراضي وسليمان الريسوني، الموجودين بسجن “عكاشة” بالدار البيضاء كحدث مباشر.
ما من شك أن القضية تحظى بمتابعة متباينة من طرف الرأي العام المغربي، وكان آخر مستجد بخصوصها هو عريضة للصحافيين، من منابر متعددة، تطالب بإطلاق السراح..
وأصدرت فيها المنظمات الحقوقية بيانات وتصريحات.
ودعت عريضة دولية السلطات إلى الإفراج عن الزميلين الصحفيين، بعد أن دخلا أسبوعهما الثاني من الإضراب عن الطعام.
السلطات المغربية لم تقف مكتوفة الأيدي، وأصدرت بلاغا عبرت فيه عن استغرابها »لمحاولة منظمات غير حكومية الطعن في مصداقية المؤسسات الدستورية، والتأثير على السير العادي للعدالة في معالجة ملف عمر الراضي«، دون ذكر ملف سليمان الريسوني.
السلطات المغربية، من خلال المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، رفضت ما أسمت «التحريض على التدخل في عمل القضاء كسلطة مستقلة لدولة ذات سيادة، وهو أمر مخالف للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ولاسيما المتعلقة منها باستقلال السلطة القضائية»..
القضية إذن تخضع لنقاش عام ، بين الضحايا وبين المتابعين، بين الدفاع والدفاع المضاد،في دائرة التقاضي، وفي دائرة النقاش العمومي،و تعرف مرافعات علانية ،في سياق »الاستفزاز الديموقراطي المتبادل« .
القضية محكومة بطبيعة ما هو معروض على القضاء.
وليس المجال، هنا، مناقشة تبعاتها أو مسالك الحل فيها، دون المساس بقدسية العدالة والبراءة معا، بل مناقشة الخلاصة التي خلصت إليها اليومية الفرنسية في الموضوع، حيث كتبت أن «هناك تيارين داخل النظام المغربي، تيار أمني، يهرب إلى الأمام، وتيار سياسي يعي الضرر الذي يسببه هذا الإشكال لصورة المغرب. والسؤال هو، مَنْ مِنَ التيارين، الأمني أوالسياسي تكون له الكلمة الفصل في قضية الإضراب عن الطعام»؟
يكون من الأجدر أن نناقش وجود تيارين، واحد أمني، أو أمنوي متشدد والآخر سياسي معتدل، …بلغة أخرى تيار سياسي يهتم وينشغل بصورة البلاد، رمزه الحمائم، وتيار أمني يهرب إلى الأمام، رمزه الصقور يهربون إلى الأمام على دراجات نارية!
أولا، نفهم من هذه الخلاصة الإعلامية للزميلة لوموند أن هذين التيارين يتصارعان، وأن أحدهما سينتصر، بدون أن تقول لنا كيف، ومن سيمنح الانتصار لهذا أو ذاك؟
فهما لا يعلنان الصراع على الملأ من قوم المغرب الأقصى.
ولا يخوضان مباراة سياسية ولا مبارزة إعلامية..
يمكن من خلالهما أن نخمن كيفية انتصار الواحد منهما وهزيمة الثاني.
فهل تقصد أن المنتصر سيصير منتصرا بواسطة التحكيم الملكي، مثلا حيث يتم الاحتكام إليه باعتباره أعلى سلطة في البلاد؟
أم تقصد أن الرابح سيجعل موازين القوة تميل نحوه، ولكن كيف؟
إذا كان الأمر يدخل ضمن منطق موازين القوة، فنحن في وضع صعب وغاية في الخطورة..لأن ميزان القوة يحيل على علاقة صراع وتوتر بين سلطتين، وفي حالة تعادل القوتين نكون في خطر التمزق، وفي حالة التفاوت بينهما، نكون في وضعية التعسف، التي تعتمد العنف!
وفي حالة الاستمرارية الفعلية لميزان القوة، يكون من المنطقي، في لحظة من لحظات بلادنا، أن نعمل على مأسستها، بالقوانين والهيآت المؤسساتية.!
هممممممم…«لوموند» تعدنا بالفوضى في هذا الباب!
الافتراض الثاني في الفهم هو اعتبار أن المقصود هنا انتظار الرأي الملكي في من يكون له الكلمة النهائية، كلمة الفصل !
هناك أولا معطى: الاحترام الملكي للدستور، وهو لم يغادر مربعه في أية قضية كانت في العلاقة بين المؤسسات.
-هناك ثانيا ما قاله الملك نفسه حول هذا التفسير عندما تم، في وقت سابق، تقديمه في قضية الحسيمة.
لنتذكر كلام ملك البلاد في يوليوز 2017، أي منذ أربع سنوات خلت، من تقرير لوموند وخلاصاته.
وقتها كانت على جدول الأعمال الوطني، قضية الحسيمة الحارقة، وكانت مقولات «المقاربة الأمنية»، تعبيرا عن استرخاء سياسي وفكري، في تعقب التشابك في قضية أثارت الكثير من الجدال في المغرب.
وكانت هناك أيضا زوايا للنظر تحاول أن توزع التقدير السياسي العام إلى تشدد وتطرف، بناء على خطاطة طاعنة في الماضي..
وجاء الجواب من جلالة الملك نفسه عندما قال: «هناك من يقول بوجود تيار متشدد، وآخر معتدل، يختلفان بشأن طريقة التعامل مع هذه الأحداث. وهذا غير صحيح تماما».
بوضع النقط على الحروف، أكد الملك على وحدة التوجه في البلاد.بالقول إن «هناك توجها واحدا، والتزاما ثابتا، هو تطبيق القانون، واحترام المؤسسات، وضمان أمن المواطنين وصيانة ممتلكاتهم».
ودفع الخطاب الملكي الأمر إلى أبعد عندما استبق مثل هذه الدعاوى، التي تجعل من المقاربة الأمنية أسلوب حكم، «كأن الأمن هو المسؤول عن تسيير البلاد، ويتحكم في الوزراء والمسؤولين، وهو أيضا الذي يحدد الأسعار، إلخ».
إن القول بوجود تيار أمني في صلب الدولة، يوجه دفتها ويرسم سياستها، بدون الالتفات إلى حقيقة الوضع السياسي للدولة، هو هروب اصطلاحي، لا يمكنه أن يساعدنا على فهم المجريات ولا في حل القضايا مهما كانت فردية!
وعلى كل، يبدو أن الذين قالوا إن الدولة في المغرب بوليسية، وضعوا قليلا من الماء في كؤوسهم، وتنازلوا عن نصف الكأس، بالقول إن الدولة …نصف بوليسية فقط!
باعتبار أن النصف الآخر يملؤه، حسب فهمهم، التيار السياسي..
بالنسبة ليومية صادق برلمان بلادها منذ ثلاثة أيام، فقط، على قانون “الأمن الشامل” يمكن اعتبار هذه الخلاصة تعديل مزاج سياسي، في زاوية حادة !
ولوموند تدرك أن القانون أعاد مجلس الشيوخ الفرنسي ذو الغالبية اليمينية صياغته و»إخراجه من إطار قانون الصحافة لتهدئة الخواطر«، ونزل معارضوه في فرنسا إلى الشارع وقد تخلل هذه التظاهرات العنف المسجل.
ولا أحد منا كتب عن تيار أمني في الدولة الفرنسية، بالرغم من أغلبية البرلمان التي صوتت على القانون.
لم تهضم نخبة فرنسية ذات منزع عدائي بعد، أن يكون المغرب مغرب مؤسسات،لا يطلب الأمن فيها أبدا سلطة القرار السياسية، ويشتغل ،كما تشتغل السياسة في بنيات دستورية ، يمكن أن تخضع للتشريح والتعليق والمتابعة، لكن لا يمكن اختزال تاريخ بلاد بأجمعها في تركيبة لغوية مسكونة بهاجس الاستعلاء الفرنسي،مسعاها أن «تبخس الأهالي»!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 20/04/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *