لماذا نستكثر على الكاتب المغربي الجوائز؟

الحديثُ عن الجوائز هو، بصفة عامّة، حديثٌ إشكاليٌّ لأنّه ينطلق من مواقع يتداخل فيها الذاتيُّ بالموضوعي، كما ينطلق من الالتباسِ الحاصلِ، في العالَم العربي على الأقلّ، وضمنه المغرب، حوْلَ طبيعةِ الجوائز والهدفِ منْ ورائها: هل هيَ اكْتشافٌ وتشْجيعٌ للكاتبِ أمْ تتويجٌ له؟ ورغم أنّ الجائزةَ تندرج في إطار المؤشّرات الدولية لرصْدِ سلسلة القيمة المتعلّقة بالقراءة وتسويق الكتاب، فإنّ المواقف تتضارب بل وتتناقض من شخصٍ لآخرَ، وأحيانا داخل الشّخص نفسه. قد نتّفق مع الكاتب الذي ينطلق من موقفٍ مبدئيٍّ من الجوائز برفضه المشاركة فيها، مهما تكنْ أسبابُ هذا الموقف ودوافعه، إلاّ أنّنا لا يمكن أن نتفق مع الذي يشارك في الجوائز ويسعى إلى الحصول عليها في الخفاء، لكنه يَذُمُّها وينتقدها في الظاهر، ولا سيّما بعد إخفاقه في الحصول عليْها. هنا تنعدم المصداقية والموضوعيّة ليُفْسَحَ المجالُ للأحكامِ المُسبقَة والتّقييمات الشخصيّة التي تنصبّ على الكاتبِ أكْثَر مما تنصبّ على كتاباته.
صحيحٌ أنّ الجوائز لا تَخلُق الكاتبَ، وأنّها ليست محطّة نهائيّة، وليست مَعْبَرا للإبداع ولا تكريسا لمبدعٍ معيّن، خاصّةً أنّ مُعظم الجوائز، الأدبية بالخصوص، في العالَم العربي هي جوائزُ تشجيعيّة وتحفيزيّة. كثيرونَ هُمُ الذين حصلوا على جوائزَ، في هذا الحقْل أو ذاك، في هذا الجنسِ التّعبيريّ أو ذاك، إلاّ أنّهم لم يُطوّروا تجاربَهم الإبداعية، ولم يُكرّسوا أنفُسَهم ككتّابٍ حقيقيّين، وبالتالي تنتهي تجربتُهُم بحصولهم على الجوائز. وبالمقابل، فإنّ عَدَمَ الحصول على الجائزة، أو عدَمَ المُشاركةِ فيها أصلاً لا يقلّل في شيء قيمة الكثير من الأعمال الجيّدة.
إنّ الجائزة، بالنسبة لي على الأقلّ، هي بمثابَةِ حافزٍ ماديٍّ ومعنويّ في آنٍ، تجْعَلُ الكاتبَ في وضعية الإحساس الذاتي بنوعٍ من الاعتراف الرمزي بما يَكتُب، والاعتراف كذلك بجدوى ما يكتب، وذلك في ظلّ العزوف الكبير عن الكتاب وعن القراءة، وفي ظلّ انعدامِ دوْرَةِ الكتاب الطبيعيّة من التأليف إلى التوزيع والقراءَة، وبالخصوصِ في ظلّ التهميش الكبير الذي يَطالُ الكاتبَ، مثْلما يطالُ وضْعَه الاعتباريَّ. لذلك أشرتُ في البداية إلى إدْراج الجوائز اليوم ضمن مؤشّرات سلسلة القيمة التي حدّدتها منظمة التعاون الاقتصادي للتنمية، التي تسعى إلى التحفيز على القراءَة منذ سنّ مبكّرة ومدى الحياة، وهي مؤشّراتٌ الهدفُ منها رصْدُ تحوّل المجتمعاتِ من وضعية «القراءة» la lecture إلى وضعية «القرائيّة» la littéracie. لذلك فإنّه من حقّ الكاتبِ، أيِّ كاتبٍ مُبْتَدئٍ أو مُكَرَّسٍ، أنْ يشاركَ في الجوائز التي تنظمها هذه الدولة أو تلك. ولا ينْبغي أنْ تكونَ هناك مزايَداتٌ في هذا الشأن، خاصة وأنّ بلادنا لا تتوفر سوى على جائزة واحدة ذاتِ قيمةٍ هي جائزة المغرب التي تُنَظم مرّة كلّ سنة.
ثمّ إنّ المشاركَةَ في الجوائز منْ عَدَمِها لا يرْفع من مضمون أو جودة النصوص، كما لا يُضعفها في الوقت ذاته، لأنّ حصول كِتابٍ ما على جائزة، إبداعيًّة كان أم نقديّة، لا دَخْلَ له بمضمونه. فلا توجد، حسب علمي، جائزةٌ في العالم العربي تفرض عليك أنْ تكتب بهذا الشكل أو ذاك، بهذه اللغة أو تلك، أي بما يمكن أن نعتبره (رقابة على الكاتب وكتابته)، اللّهمّ ما يتعلق بتحديدِ محاورَ للكتابة تختلف من سنة لأخرى. لكنْ هذا لا يمْنَع من القول إنّ هناك حيْفاً في بعض الأحيان مصدَرُهُ سلّم التقييم والتدخّلات الشخصية وانعدام الموضوعية، وهي على كل حال ظاهرة تعرفها كُبْريات الجوائز في العالم، إلاّ أنّ ذلك لا ينبغي أن يؤدّي إلى تشكيك في أغلب الذين يحصلون على الجوائز، ولاسيّما منْ طرف المشاركين الّذينَ لا يقبَلون بقواعد اللعب بروحٍ رياضيّة. لذلك، فإنّ موقفي الشخصي من موضوع الجوائز هو أنّه ينبغي التعامل مع هذا الموضوعِ بكثيرٍ من النسبية في الأحكام، والموضوعية في التقييم، والابتعاد عن الخطاب السلبي الذي يربط الجوائز، بكيفية آليةٍ وتلقائيّةٍ، بانعدام الجودة وضُعف المضمون وطبيعة المكْتوبِ. وهي خطاباتٌ تنطوي على الكثير من الذاتية وردِّ الفعل الشّخصي، خاصّة من طرف الذين يشاركون فيها ولا يحصلون عليها.
إنّ الكُتّابَ المبدعين المغاربةَ قليلون، بالمقارنة مع مجالات أخرى كالرياضة والغناء وغيرها من المجالات التي تنتشر فيها الجوائز بالملايينِ، فلماذا نستكثر على بعضِ الكُتّابِ المغاربة حصولَهم على جائزة هنا وهناك، مهما كانت قيمتها؟ كما أنّ إحساسي اليوم هو أنّني، في ظلّ الصّمت النقدي الذي يعرفه المشهد الأدبي في بلادنا، أشعر بأنه لا ينبغي أنْ يصيبَني الإحباط واليأس ممّا أكتب لأنّ هناك اعترافاً ما من جغرافيّة أخرى يهْمس لي: اقرئي واكتُبي ولا تُبالي.


الكاتب : عائشة عمور

  

بتاريخ : 15/05/2020

أخبار مرتبطة

  بالنسبة لقارئ غير دروب بالمسافات التي قطعها الشعر المغربي الحديث، فإنّه سيتجشم بعض العناء في تلقّي متن القصائد الّتي

« القصة القصيرة الجيدة تنتزعني من نفسي ثم تعيدني إليها بصعوبة ، لأن مقياسي قد تغير ، ولم أعد مرتاحا

«هَل أنا ابْنُكَ يا أبي؟» مجموعة قصصية جديدة   «هَل أنا ابْنُكَ يا أبي؟»هي المجموعة القصصية الثالثة لمحمد برادة، بعد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *