مع برهان غليون الإسلام السياسي انتهى كمشروع تاريخي 3/1

برهان غليون، مفكر سوري ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر وأستاذ علم الاجتماع السياسيّ في جامعة السوربون بباريس. اختير رئيسًا لأوّل مجلس وطنيّ سوريّ جمع أطياف المعارضة السوريّة بعد انطلاق الثورة السوريّة في مارس 2011.
له مؤلّفات عديدة بالعربيّة والفرنسيّة. حاصل على شهادة دكتوراه الدولة في العلوم الإنسانيّة وأخرى في علم الاجتماع السياسيّ من جامعة السوربون في باريس.

– من علياء الفكر الى قاع السياسة.. يرى بعض المراقبين أن برهان غليون وقع في خطأ رسم خارطة التحالفات مبكرا ما تعليقكم؟
– تقدير الخطأ مرتبط بالغاية من العمل. لم يكن لدي سوى حساب واحد هو مساعدة الشعب الثائر على تنظيم صراعه ضد نظام غاشم ودموي من خلال السعي إلى توحيد قوى المعارضة المنظمة في إطار مشترك لتقود نضال الجمهور وتحول دون الانحرافات المحتملة ودون استغلال الانتفاضة الشعبية من قبل أطراف داخلية وخارجية لأهداف مختلفة عن أهدافها الحقيقية أو دون الدخول في الفوضى. وقد رميت بنفسي في مقدمة الحركة وغامرت بكل شيء راضيا وفاء للشعب الذي انتمي إليه، من دون انتظار أي جزاء أو مكافأة، وبالاحرى التفكير في منصب سياسي كان يبدو لي دائما قبض ريح ولا قيمة له بالنسبة للمعركة التي لم أتوقف عن خوضها منذ عقود طويلة من أجل حرية الشعوب وكرامتها الإنسانية.
بالمقابل لا دري عن أي تحالفات تتحدث، وما هي الحسابات الخاطئة التي وقعت فيها وفي اعتقادي يخطئ النقاد والمراقبون من الخارج في أحكامهم عندما يقيسون سلوك الآخرين بمقياس نواياهم هم وغاياتهم وتطلعاتهم هم أنفسهم.
– المعارضة السورية مشتتة والضغوطات كبيرة و الاموال هائلة، ماذا عن هامش التحرك؟
– لا أدري أيضا هنا عن أي أموال هائلة تتحدثون. لم يستلم المجلس الوطني فلسا واحدا من أي دولة صديقة أو مؤسسة، لا عربية ولا أجنبية، قبل مرور ستة أشهر على تأسيسه، أي قبل شهر من تقديم استقالتي.
وكل ما قيل غير ذلك كان من باب الدس على الانتفاضة وحملة التشويه التي تعرضت لها من قبل أعدائها وأعداء الحرية في عموم البلاد العربية. ومليارات الدولارات التي تدعي الدول أنها أنفقتها على الأمور الإنسانية لم يمر شيء منها بين يدي مؤسسات المعارضة وإنما كانت تقدم لهيئات منظمة الأمم المتحدة التي وزعت القسم الأكبر منها كما تبين فيما بعد على مؤسسات النظام السوري ّالخيرية” أما الأموال غير المكرسة للمساعدة الإنسانية فقد تحكمت بها الحكومات والدول المتدخلة في الشأن السوري ومولت بها منظمات وميليشيات تعمل تحت وصايتها أو لتحقيق مصالحها، وكانت وسيلة من وسائل الحرب ضد المجلس الوطني وانتزاع السوريين أنفسهم للقيادة من أيدي القوى الأجنبية، العربية والدولية.
وقد كان لهذا المال السياسي أيضا دورا كبيرا في الحفاظ على تشتت المعارضة وتغذية الصراعات داخل صفوفها وكذلك في تعزيز الضغوطات عليها وقطع الطريق على تحقيق الحلم السوري في الانتقال الديمقراطي. وهي الضغوط التي تحولت، كما ترون، إلى تدخلات عسكرية هائلة ومتعددة لتهميش السوريين وتقاسم الكعكة السورية.
وهذا ما يفسر أنه لم يعد للمعارضة اليوم، في الديناميكيات الراهنة للصراع، دور يذكر، في الوقت الذي أصبحت الضغوطات تحيد بعضها أيضا وتحول دون التوصل إلى أي تسوية منشودة بعد تسع سنوات من الحرب الدموية.
وبالنسبة لقوى الانتفاضة والمعارضة التي لا تزال متمسكة باستقلالها ومشروع الانتقال الديمقراطي الوطني يتركز التحرك اليوم على معالجة الآثار المأساوية للحرب الطويلة، والتدخلات المتعددة الخارجية، والعمل على تجاوز الانقسامات الشعبية وإعادة بناء الذات الوطنية، وتشكيل جبهة مقاومة سياسية للمشاريع التصفوية واستعادة المبادرة من قبل القوى الديمقراطية.
ونحن نعتقد أن المعركة السياسية لم تنته بالرغم من الخسارة العسكرية التي تكبدتها المعارضة، بل ربما عادت الآن إلى واجهة الاحداث بعد أن أخفق النظام في التغطية على حقيقة الصراع بدفعه المعارضين إلى حمل السلاح.
وفي هذه المواجهة السياسية ليس هناك موقف أضعف من بين جميع القوى المتنازعة على تقرير مصير سورية من منظومة النظام الهالك القائمة، الذي استنفذ موارده ودمر بلده، وضحى بمئات الآلاف من أنصاره في معارك لم تسفر سوى عن تقديم سورية هدية مجانية للاحتلالات الأجنبية.
– هكذا انتقلت الأزمة المتفجرة اليوم من معسكر الثورة والمعارضة إلى معسكر النظام وحلفائه، ومما يزيد من تفاقمها ادعاء النظام أنه انتصر وربح الحرب في الوقت الذي خسر فيه كل شيء، ولم يعد بين يديه ما يقدمه لا لأنصاره ولا لحماته الروس والإيرانيين. لقد أصبح مجرد خرقة للتغطية على عورة الاحتلال.
هل من إمكانية لادارة حوار ايجابي مع المعارضة في سوريا و هل من تعديلات جوهرية في الدستور ؟
– لو قبل النظام في أي لحظة خلال السنوات التسع المأساوية السابقة أن يجلس على طاولة الحوار مع المعارضة أو حتى مع الجزء الأكثر اعتدالا منها، مثل هيئة التنسيق التي لم تكف عن دعوتها لقبول الحوار معه من دون شروط، لما وصلت سورية إلى ما هي عليه اليوم.
لقد كان النظام يعتقد دائما أن رفضه الحوار هو الدليل على قوته وتصميمه على سحق المعارضة بكل أشكالها والاحتفاظ بالنظام القائم كما هو، بوصفه المالك الوحيد لشرعية الحكم والمطالب بتأبيدها.
وإذا كان المقصود من سؤالك ما يحتمل أن يجري من مناقشات داخل اللجنة الدستورية بين النظام والمعارضة فالجواب أن هذه اللجنة لم تشكل بالأساس إلا للالتفاف على مبدأ الحوار والمفاوضات التي أقرتها قرارات مجلس الأمن لتشكيل هيئة حكم انتقالية مناصفة بين النظام والمعارضة، والتلاعب عليها من خلال تخفيض الأمر إلى نقاش على تعديل مواد الدستور في الوقت الذي ليس للدستور أي قيمة مهما كان مضمونه من دون تغيير آليات ممارسة السلطة وبنياتها وحل مشكلة دولة القمع والمخابرات الموازية أو المبطنة القائمة على التعسف والحكم بالقوة التي كانت تعمل ولا تزال خارج أي دستور أو التزام بما في ذلك الدستور المعلن من قبل النظام نفسه.
هذه هي المسألة الرئيسية وعلى حلها ينبغي أن تتوجه الأنظار إذا كانت هناك إرادة في إيجاد مخرج سياسي للحرب، هل سورية هي دولة الأسد، بدستور أو من دون دستور كما كانت دائما، مهمتها خدمة مصالح عائلة الأسد وحاشيته ومرتزقته المحليين والأجانب، أم هي دولة الشعب السوري، التي تضع مؤسساتها ومواردها في خدمة مصالح السوريين وتأمين حقوقهم.
إذا لم نحسم في هذه المسألة، وتصريحات حماة النظام ووكلاء امره من الروس والإيرانيين لا تزال واضحة للأسف في هذا الامر: إنها دولة الأسد بمقدار ما أصبحت أيضا من خلاله وعبره الدولة التي ينبغي لها أن تضمن المصالح الروسية والإيرانية وتدافع عنها في وجه خصومها المحلييين السوريين والأجانب الدوليين.


الكاتب : حاوره: مراد بن جمعة

  

بتاريخ : 06/06/2020