القلق والخوف يزيدان من عزلة المرضى .. الاكتئاب .. مشاكل أكثر، مختصّون أقلّ وعلاج ممكن

 

يعتبر الاكتئاب مرضا يتم التعامل معه بكثير من الصمت على غرار جلّ الأمراض النفسية، إذ يفضّل المرضى عدم الإفصاح عن وضعهم الصحي ولا كشف تفاصيل ما يعانونه، سواء مع المقرّبين منهم أو مع الغير. ويرخي الداء الذي يعرف انتشارا واسعا بتداعياته على الجوانب العاطفية والنفسية والجسدية للمصاب، الذي تظهر عليه عدة أعراض كالشعور المستمر بالحزن وعدم الاهتمام بالذات والإعراض عن القيام بمجموعة من الأنشطة اليومية التي كانت معتادة وطبيعية، ويؤكد المختصون في هذا الصدد، على أن المريض وإلى جانب ما سبق قد يعاني من صعوبات في النوم ويحسّ بالتعب المستمر، وفقدان الشهية أو الزيادة فيها، إضافة إلى أنه قد يحد بعض الأشخاص صعوبات في التركيز ولا يستطيع اتخاذ القرار، وفي بعض الأحيان قد يشعر بالذنب أو القلق دون سبب، وهو ما تترتّب عنه مشاكل متعددة تصاحب المكتئب، قد تدفع البعض إلى الإقدام على الانتحار، الأمر الذي يتطلّب تدخلا ومواكبة، وقبل ذلك تحسيسا وتوعية بهذا المرض وكيفية تجنبه أو التعامل معه في حالة الإصابة به، سواء من طرف المريض أو محيطه الأسري.
وإذا كانت المشاكل المرتبطة بالاكتئاب كثيرة وتترتب عنها تداعيات مختلفة وتفرض العديد من التحديات، فإن قلّة الاختصاصيين تعتبر من بين المشاكل الكبيرة التي تعترض سبيل مواجهة المرض، إذ وحسب أرقام وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، فإن عدد الأطباء الاختصاصيين في الطب النفسي لا يتعدى 121 طبيبا، منهم 11 التحقوا سنة 2021 و15 التحقوا سنة 2022، في حين لم يتعد عدد الخريجين من هذه الفئة سنة 2022 سبعة أطباء نفسانيين. وتكشف نفس المعطيات الرسمية عن ضعف إقبال الأطباء على هذا التخصص رغم تخصيص مناصب له ، فالمغرب يتوفر اليوم على أقل من طبيب نفساني لكل 100 ألف نسمة مقارنة مع المعدل العالمي المقدر بـ 1.7 لكل 100 ألف نسمة، هذا في الوقت الذي يعاني حوالي %26 من الأشخاص من الاكتئاب في بلادنا.
وضعية صحية مقلقة، تبيّنها أرقام الوزارة، ويؤكدها الممارسون في جلّ المناسبات التي يحضر فيها هذا النقاش بأبعاده الصحية والاجتماعية والإنسانية، وتترجمها شهادات بعض الذين عانوا من هذا الوضع، حيث أكدت إحدى الشابات لـ «الاتحاد الاشتراكي» وهي تتحدث عن تجربتها قائلة «أصبت بمرض الاكتئاب في سن 15 سنة، وواجهت العديد من الصدمات النفسية، لم أكن أستطيع النوم ولا الأكل وأكتفي تقريبا بالماء. كانت حالتي جد مزرية، بعد عام ذهبت إلى طبيبة نفسانية لكن بدون جدوى فرغم الحصص التي استمرت لمدة شهر مع الطبيبة النفسانية تواصل الاكتئاب والأفكار التي كانت تقتل روحي في كل ليلة».
بالمقابل، وخلافا للتصريح الأول، أوضحت شابة أخرى وهي تتحدث للجريدة «في البداية كانت تنتابني فترات اكتئاب خفيف، لكن بعد مرور سنتين شعرت بنوبات الاكتئاب الشديد بعد توالي الأزمات ابتداء بجائحة كورونا والهلع الذي خلفته في نفوس العديد من الناس، ثم صدمة عدم النجاح في الجامعة، وأصبحت أواجه واقعا وضغوطا للعثور على عمل بأقصى سرعة، تفاديا لعبارات اللوم والاتهامات بالكسل وغيرها»، مضيفة بالقول «كل هذه الضغوطات كانت سببا في تطور مرض الاكتئاب عندي الذي أصبح مع مرور الوقت ينمو داخلي و يكبر، حتى غابت عني السعادة، وكانت أحيانا تنتابني فكرة الانتحار». وأوضحت المتحدثة « انعزلت عن أصدقائي وعائلتي لمدة طويلة وبعد إصرار من أفراد أسرتي قررت الذهاب لطبيب لربما أجد عنده ما يعيد ما تكسر بداخلي و يمكنني أن أرى مجددا النوم الذي هجرني لشهور فأنا كنت أنام ساعات قليلة بالكاد، فقد كان التفكير الزائد ينخر دماغي واللوم يلتهمني من الداخل، وكان هذا من أفضل القرارات في حياتي، إذ كان ذلك الطبيب عبارة عن منقذ لي حيث وصف لي أدوية قليلة الخطورة وتعالج حالتي وتساعد على النوم. حرصت على اتباع البرنامج الذي وضعه الطبيب لعدة شهور وبدأت أتحسن تدريجيا، وهذا أمر مهم لأن عددا من الأشخاص يعتبرون أن الاكتئاب هو من ضعف الإيمان وليس بمرض، وهذا اعتقاد خاطئ فهو مرض كباقي الأمراض ولابد من زيارة طبيب و الالتزام من أجل العلاج».
ويؤكد الأطباء علاقة بالمرض، أن التشخيص الطبي والانتظام في العاج يمكّن المرضى من تجاوز هذا النوع من الأزمات النفسية ويتيح لهم استعادة حياتهم الطبيعية الأمر الذي يجب استثماره وعدم ترك المرضى عرضة لتداعيات أكثر صعوبة.

(*) صحفية متدربة


الكاتب : (*) مريم خدو

  

بتاريخ : 30/05/2023