أجمعوا على  معدنه النبيل : بشير القمري  الذي ندين له بالكثير

 خلف رحيل الكاتب والناقد والمترجم بشير القمري، حالة من الأسى وألم الفقد الكبير  لما كان وسيظل يمثله الراحل من إشعاع وإسهام في تطوير  وتأصيل الدرس الجامعي المغربي، وما كان يترجمه على أرض الواقع لمفهوم المثقف العضوي المنخرط في أسئلة مجتمعه الثقافية والاجتماعية والسياسية. وقد نعاه محبوه وأصدقاؤه من المثقفين المغاربة بكلمات مؤثرة التقت كلها في الاشادة بمعدنه النبيل وسعة معارفه وثباته على مواقفه.

 

*  الشاعر والمترجم نور الدين ضرار: صاحب الرؤية المتبصرة

“عزائي الصادق لأهله ومعارفه..

وللقلة من مقربيه وأصدقائه..

وحتى لخصومه الذين تشرذموا حول شخصه وأجمعوا جميعهم على تقديره..

أستاذ ألمعي بامتياز.. لم يتوان في الارتقاء بالدرس الجامعي بإسهامه الوازن في تأصيله بقواعده الأكاديمية والمعرفية العالية.. ومثقف كبير أعطانا الكثير من سعة معرفته في الفكر التنويري والنقد الأدبي والفني، برؤية متبصرة ملمة في منحاها التحليلي بمجالات انشغالاتها المفاهيمية وأدواتها النظرية..

صاحب رصيد يشكل مرجعية وافية لا غنى عنها في مجال اختصاصه، إذ أثث مقروئيتنا بالعديد من المصنفات الراجحة في المكتبة العربية والمؤلفات المتصلة بحقول معرفية متجاورة، مراوحا فيها بين السرد والمسرح والسينما والتوثيق.. كما تتلمذت على يديه أجيال وأجيال، ينتمي إليها اليوم العديد من الأسماء الأدبية والفكرية المعروفة على درجات متفاوتة في مشهدنا الثقافي الراهن..

ترسخت لدينا صورته محاضرا كفؤا خارج كل الصور النمطية المتعالية.. ذلك أن إشعاعه لم ينحصر في رحاب المعاهد ومدرجات الجامعات، بل تعداها إلى محافل المنتديات والملتقيات العامة.. وأيضا بحضوره المهيب في الحلقات المغلقة والصالونات الخاصة.. بل وحتى على موائد المقاهي والحانات، بهمة المثقف العضوي المنفتح على كل الشرائح والفئات على حد سواء..

وعلى غرار الكتاب الكبار، عاش حياته بمزاجه، مما أتاح له الزهد في الأضواء والبقاء على الوفاء لأفكاره ومبادئه.. ولم يكن يعرف كيف يجامل أو ينافق.. حتى أنه لم يهادن مرضه ولم يتحمل وهنه، فثبت نفسه على الرحيل بسرعة، وغادرنا في صمت دون استئذان..

رجل ندين له بالكثير من العرفان.. ويكفينا فخرا به في حياته ومماته أنه كرس كل جهده للكتابة والتدريس والعطاء المعرفي اللامشروط.. وظل عبر مساره المهني والفكري مترفعا عن اللهاث وراء الامتيازات، بعيدا عن دوائر الوصولية من أجل الكراسي والريع الثقافي..

تغمده الله بواسع الرحمة والغفران.. وألهم أهله وذويه كل الصبر والسلوان”

 

*  الشاعر منير الادريسي: إحساس كبير بالفقد

كنت طالبا بجامعة محمد الخامس أدرُس الفلسفة، في سنتي الأولى. بينما هو، كان أستاذا للأدب العربي.. مرة التحقت به، في الممر داخل الكُليّة.. توقفَ، عرّفته على نفسي، كطالب يحب الشّعر. كان الرجل متواضعا، وتجاوبه بدا مشجعا جدا.. إلى درجة أن الحديث بيننا، طال على غير المتوقع؛ فأخذ بخطواتنا خارج أسوار الجامعة بالسويسي. ثم دعاني بشير لنستقل سيارة أجرة، نحو مركز المدينة. أذكر انه كان يتحدث معي بيديه أيضا، وهو إلى جانب السائق الصامت.

بعد هذه الجولة السعيدة، انتهى اللقاء بانطباع إيجابي، عن الرجل. فتعزّزَ احترامي له، وتقديري الكبير.

لم نلتق، إلا بعد سنوات عديدة. كان ذلك على هامش مؤتمر اتحاد كتاب المغرب بالرباط. يتوسطنا على المائدة الشاعر القدير عبد الرفيع جواهري.. شعرت بتعب كبير يثقل كاهله ذاك الصباح.. لم يقل الكثير، ولم يكن ينتظر الكثير. بل كان يصغي فحسب.

ذلك كان كافيا، إلى جانب اعتباره وجها من وجوه الثقافة المغربية الذي نفقده اليوم، أن يهيج إحساسا كبيرا بالفقد.

رحم الله بشير القمري، لروحه الرحمة والسلام”.

 

 رجاء الطالبي : توفي اليوم الأمير البربري

توفي أستاذنا   بشير القمري، بشير المعرفة الوارفة والعزة والكبرياء الريفي، كلما التقيته صدفة ببهو وردهات جامعة محمد الخامس ، كان يحسن السلام ويبتسم ابتسامته الأنيقة، يسألني عن  بحثي الجامعي عن الدراسة أو كلما التقيته صدفة في ما بعد  بأحد شوارع الرباط وحدي أو مع سي محمد أو ابنتي أميمة كان يحسن التحية والسلام ويبتسم في وجهنا ولايكف عن السؤال عن أحوالنا ،  كنا نكن له الكثير من الاحترام والتقدير والهيبة، مثقف كبير  معروف بمواقفه الثابتة التي لم يتخل عنها ولم ينحن ولم يبدل المعطف كما فعل البعض من مجايليه ورفاقه …تغمده الله برحمته الواسعة،  حزننا كبير لفقدانه ..

 

صالح لبريني:  الطائر الحر

إن الحديث عن بشير القمري وما خلّفه من نتاج إبداعي ونقدي يبقى إطلالة طائر لانتقاء ما ينفع ويسهم في إضاءة حياة هذا الرجل ثقافيا ونقديا، ذلك أن العودة إلى المنجز هي عودة للوقوف على أهم الانشغالات التي نذر بشير القمري وجوده للاشتغال عليها والسعي نحو تطوير وتثوير الممارسة الثقافية بالمغرب لتحتل المكانة التي تليق بها في الحضارة العربية والإنسانية. ومن تمّ نسوّغ لأنفسنا التطرّق إلى أمر في غاية الأهمية بالنسبة لي شخصيا، يتمثل في معرفتي الأولى بالبشير القمري فقد شاءت سيرورة الحياة أن ألتقي به في مدينة شفشاون بمناسبة المهرجان الوطني للشعر الذي تنظمه جمعية أصدقاء المعتمد، الذي كان محفلا شعريا ونقديا يجمع خيرة الشعراء والنقاد المغاربة للتداول في الشعر المغربي المعاصر، وذلك سنة 1998، حيث جمعتني معه مائدة الغداء في أحد المطاعم بشفشاون ودار بيني وبينه جدال حاد حول الشعر المغربي وبعض القضايا الثقافية، وصراحة وجدت فيه المثقف الذي يحترم الاختلاف، ويدافع عن وجهة نظره بكل جرأة وتصور عميق يبيّن أن الرجل محيط بالمشهد الثقافي إبداعا ونقدا، كما أنه يوثر الإنصات كثيرا بدل الكلام، وهذه خصلة من خصال الكبار، إضافة إلى التواضع الذي يتصف به رغم حدّة نقاشاته التي تبدو للآخر غير مستوعبة، لكن معاشرة بشير القمري ومصاحبته تذيب جبال الثلوج التي يضعها بعض مثقفينا في ما بينهم، وتكررت اللقاءات خصوصا في مدينة بني ملال من خلال الأنشطة التي كان ينظمها اتحاد كتاب المغرب ومديرية الثقافة…

 

 

 


بتاريخ : 28/06/2021