أفلام غيرت العالم 20 : أريد حلا

 

هناك تعريف شائع يقول بأن السينما هي إعادة ترتيب الوعي في عقول الجمهور، فالسينما ليست فقط مرآة تعكس ما يجري في المجتمع بل أيضا أداة لإعادة تشكيل المجتمع.
فإذا كانت السينما، ككل الفنون، أداة للتعبير عن رؤية معينة اتجاه الواقع، إلا أن تأثيرها على الناس أقوى من كل أدوات التعبير الفنية الأخرى، حيث استطاعت، منذ ظهورها، أن تشكل قوة مؤثرة في الرأي العام، قوة قادرة على تكوين أو المساهمة في تكوين رؤية مشاهديها لهذا العالم وأن تؤثر بشكل ملحوظ في تغيير نظرتنا للواقع بمختلف تجلياته.
ضمن هذا الاتجاه تميزت أفلام عديدة، بكون تأثيرها كان أقوى من غيرها حيث انها كذلك قادت إلى تغيير قوانين، سياسات، سلوكيات وأفكار، كان العديد منها يعتبر من المسلمات، وبذلك تتضح القدرة الفائقة للسينما على تغيير الواقع والوعي الإنساني.
في هذه السلسلة مجموعة من الأفلام التي، بفضل جرأتها، ثرائها الفني وعمقها الإنساني، استطاعت أن تساهم بشكل كبير في تغيير العالم إلى الأفضل.

 

يعتبر الفيلم المصري “أريد حلا” للمخرج “سعيد مرزوق” من أهم الافلام العربية التي تناولنت القوانين المجحفة في حق المرأة، وساهم بشكل مباشر في تغيير بعضها بعد الضجة الكبيرة التي أثارها عند عرضه سنة 1975.
“أريد حلا” فكرة للصحافية “حسن شاه”، بضم الحاء، وكتبت له السيناريو باتفاق مع الفنانة الكبيرة وايقونة السينما العربية ” فاتن حمامة ” التي تحمست كثيرا للفكرة ورشحت المخرج ” سعيد مرزوق” لاخراجها، الذي وافق بشرط أن يعيد صياغة السيناريو، بعدها سعت فاتن حمامة لإيجاد منتج للفيلم، فاصطدمت برفض العديد منهم بدعوى أن القصة لا تصلح لفيلم سينمائي ، قبل أن تتمكن من إقناع المنتج والممثل “صلاح ذو الفقار” بإنتاجه.
يتحدث الفيلم عن “درية”، قامت بالدور “فاتن حمامة” السيدة التي تنتمي لطبقة راقية، متزوجة من الدبلوماسي “مدحت”، قام بالدور ” رشدي أباظة”، الذي لا تحبه ولا تطيق العيش معه، لكنها تحملت حتى كبر ابنهما لتطلب الطلاق، وهو ما سيرفضه الزوج بشدة.
على إثر ذلك ستلجأ “درية” إلى المحكمة وترفع دعوى للطلاق، وتغادر بيت الزوجية لتعمل كمترجمة في إحدى الجرائد ، في الوقت الذي سيطلبها زوجها لبيت الطاعة لتصبح من جهة مطاردة من طرف الشرطة التي تريد إعادتها بالقوة لبيت الزوج، ومن جهة أخرى مجبرة على خوض معركة قانونية لإقناع المحكمة بحقها في الطلاق.
ستصطدم “درية” بالقوانين المجحفة التي لا تعترف بحق المرأة في طلب الطلاق، وبواقع مر لم يسبق أن عاشته، بعد أن اصطدمت في المحكمة بنماذج عديدة لنساء تم الدوس على حقوقهن بسبب نفس القوانين، مثل حالة شابة طلقها زوجها وتركها مع طفلين دون معيل لتقع في الأخير ضحية للانحراف، وحالة سيدة عجوز طلقها زوجها بعد 30 سنة من الزواج ليتزوج من شابة، وتركها عرضة للجوع والفقر، وظلت تنتظر من المحكمة أن تنصفها إلى أن فارقت الحياة.
أمام هذه الحالات المؤلمة، التي توضح إلى أي مدى تعاني المرأة من الظلم، ستواصل “درية” بإصرار الدفاع عن قضيتها، لكن في المقابل، ووجهت بإصرار الزوج على عدم تطليقها خصوصا ان قانون الأحوال الشخصية يقف في صفه، وبعد أربع سنوات من الترافع والمواجهة، ستحكم المحكمة لصالح الزوج، لتصدم “درية” من هذا الحكم وتغادر المحكمة في حالة ذهول.
نجح الفيلم بشكل كبير في الكشف عن ثغرات قانون الأحوال الشخصية، ويرجع الفضل في ذلك إلى المخرج سعيد مرزوق، الذي أعاد صياغة السيناريو، خصوصا في الجوانب القانونية، حيث قام بمراجعة العديد من الملفات والكتب القانونية، كما ظل طوال ثلاثة أشهر يتردد على المحاكم ويحضر الجلسات ويراقب كل صغيرة وكبيرة، وذلك حتى يعطي للفيلم نفس واقعي من خلال نماذج حية ويسد أي ثغرة قانونية يمكن أن تهدم الفيلم بالكامل.
حقق الفيلم نجاحا جماهيريا فاق انتظارات صناعه، حيث ظل يعرض بالقاعات مدة 15 أسبوعا، واستقبلته النساء بصفة خاصة ومن مختلف الطبقات بحفاوة كبيرة، كما اشاذ النقاذ بجرأته وواقعيته، وفي المقابل تعرض لهجوم كبير من طرف جماعة الاخوان المسلمين التي هاجمت الفيلم بشدة عبر مجلتهم “الدعوة” التي نشرت مقالات تصور الفيلم كمؤامرة ضد الشريعة، غير أن هذا الهجوم لم يؤثر على النجاح الكبير الذي حققه الفيلم والجدل الذي أثاره إعلاميا وهو ما سيدفع بالحكومة إلى إصدار قانون 44 لسنة 1979، الذي ألغى حكم الطاعة وأعطى للمرأة الحق في الطلاق من زوجها شرط التخلي على حقوقها ومستحقاتها المالية، وهو ما اعتبرته النساء انتصارا كبيرا، ويحسب لفيلم “أريد حلا” الذي أعطى مثالا على قدرة السينما على تغيير القوانين وإعادة تشكيل الوعي في مختلف المجتمعات.
(انتهى)


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 18/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *