الألتراس المغربية الحركة الرياضية ذات الوجوه المتعددة -28- الجانب التثقيفي للألتراس المغربية

الألتراس المغربية من هي، وإلى أي وسط ينتمي أفرادها، وما الهدف من تكوين هؤلاء الشباب لهاته المجموعات؟ هي مجموعات مكونة من شباب مغاربة من فئات اجتماعية وثقافية مختلفة، معظمهم ينحدر من أوساط شعبية، اجتمعوا على حب وتشجيع فريق واحد، لا تتحدد أعمارهم في عمر معين، وتختلف أجناسهم وأعراقهم وأصولهم، وعلاوة على شغف اللعبة الذي يتملكهم، فاختلافاتهم تتوحد وتتقوى لتكون روابط متماسكة ومشتركة، تؤطرهم مقومات عدة؛ كالوفاء والولاء وحس الانتماء …

قد يقف المشاهد أو المتابع لبعض التيمات الفنية التي يبدعها شباب الألتراس، وهو يلاحظ حركات الشباب بالمدرجات وقفزاتهم مع ترديد أغانيهم مجرد أغاني فارغة المحتوى والمضامين، لكن المتبصر لما هو مضمر بين سطور هذه الإبداعات الكتابية سيجد أنها أصبحت تتخذ مسارا آخر غير الاقتصار على ترديد الهتافات التشجيعية لفريقها والدفع به إلى الأمام، وصارت تحمل بين ثناياها رسائل قوية لمن يهمهم الشأن على كافة الزوايا والمجالات خصوصا منها السوسيواقتصادية. فكان لا بد لنا هنا من المرور على آلية من آليات صناعة الخطاب الاحتجاجي لهذه الجماعات عبر تحليل محتويات خطاباتها على مدرجات الملاعب وخارجه، من خلال تفكيك شيفرة مقاطعها الغنائية مضمونا.
مع تزامن موجة الربيع العربي بالبلدان المجاورة لنا، أخذت فصائل الألتراس تنوع منتجاتها السمعية التي تطرحها، وتلونت من صبغة التشجيع والتغني بإنجازات فرقها الكروية وتنافساتها، إلى صبغة أكثر تمردية ثورية على جل أشكال الفساد والتعسفات التي طالت هؤلاء الشباب وهم يمارسون نشاطاتهم تحت ظل الاستفزازات والتضييقات التي يطالونها من أجهزة الأمن في بعض الأحيان، أو كما يلخصونه في مصطلح “الحكرة”. هنا تقدمت فصائل عديدة بأغاني تتغنى بالحرية والكرامة لشباب هذا الفكر، ونذكر هنا أول فصيل للذكر لا للحصر، فصيل “ألتراس عسكري” المساند لفريق الجيش الملكي الذي طرح سنة 2011 أغنية بعنوان: “الحرية”، والتي جاءت كلماتها كرد للتنكيل الذي طالهم؛ من قبيل: ” لربي العالي نرفع يداي، الحل عندو لهذه الوضعية، مليت العيشة السلطوية، شباب اليوم رايح ضحية، يا شباب يالاه نطالبوا بالحرية، كونوا رجال قوة شعبية… ” إلى آخر المقطع. بالتحليل والتمحيص في جوهر الأغنية يتبين لنا أن هم الشباب الأول انتقل من توجيه أصبع الاتهام لفريقهم جراء توالي انتكاساته وإخفاقاته، إلى توجيهه نحو الفئة المسؤولة عن تضييق ومحاولة خنق هؤلاء الشباب من ممارسة نشاطاتهم والتضييق من بؤرتها أكثر، فالخطاب الاحتجاجي انتقل من كونه خطابا يتأسس على قاعدة احتجاجية تتوخى المطالبة بحقها المشروع في التشجيع بشتى الوسائل التي يجمعون عليها دون أية رقابة أو حكر من جهاز أو جهة ما عليهم.
من جهة أخرى فصيل آخر لا يقل أهمية عن سابقه في خطاباته القوية، لطالما اشتهر بتوجهاته النقدية على المكتب المسير لفريقه، وللجهات المسؤولة بالمدينة، الحديث هنا عن فصيل “حلالة بويز” المساند لفريق النادي القنيطري، ما يتميز به هذا الفصيل عن باقي الفصائل بتوجهه التمردي في غالب الأحيان على مقاطعه وألبوماته الموسيقية التي يطرحها كثيرا، فالعناوين عديدة لا يتسع المجال لحصرها .
اقتصرت بداية رسائل الألتراس على ما هو رياضي فقط، ومع الأحداث السياسية، تحوّلت هذه الرسائل إلى شعارات احتجاجية: تنتقد الحكومة والبرلمان، تتبنى ملفّات شعبية وتتضامن مع المعتقلين بطريقة الألتراس الخاصة التحول الذي يشهده لألتراس في المغرب يدل على أن الاحتقان الاجتماعي وصل إلى الرياضة، وأن المشجعين الذين كانوا قد اكتفوا بتشجيع فرقهم والنأي بأنفسهم عن الصراعات الأخرى، أصبحوا اليوم في قلب هذا الصراع، حتى وإن ادعى الألتراس شكلياً أن رسائله غير قابلة للتفسير سياسيا.
بالعودة إلى اقتباس أفكار من كتّاب يساريين، مثل جورج أورويل، أو من مسرح العبث أو من أفلام مخرجين معروفين، يدلّ على أن المسؤولين عن هذه الشعارات يتحلون بالوعي ويعملون على تغيير الصور النمطية والأفكار المسبقة لمشجعي كرة القدم، وبأن هذه الفصائل تقودها نخب مثقفة، ما يشير إلى أننا لسنا أمام جمهور رياضي عادي، بل هنالك من يملك مرجعية ثقافية وأيديولوجية مهمّة، ولا يخجل من التعبير عنها أو لا يخاف أبعادها.
لكن ما يقلق في هذه المسألة،تؤكد زينب بنموسى هي الطريقة التي تسير بها هذه التنظيمات/ الفصائل، فبعد الحديث مع بعض المشجعين، اكتشفت مثلاً أن بعض المشجعين لا يعرفون مضمون الشعارات التي رُفعت في المدرجات، لربما يعرفها من سهر على تحضيرها، وكذلك الأشخاص المسؤولون عن نظام الألتراس وضبط الإيقاع، والذين يعطون الإشارة من أجل رفع التيفو/ الشعار، لكن ليس البقية.
وتضيف بنموسى «فوجدت نفسي، وبعدما امتلأت بالأمل، مذهولة بالرصيد الثقافي الذي يملكه الألتراس ومواقفه، أمام استنتاجين أعتبرهما مخيفين، الأوّل هو كون أعضاء الألتراس مجرد «أتباع» لا يهمهم الرسالة التي ينقلونها في المدرجات، يكتفون بالفرجة والصراخ، أو أن لديهم ثقة عمياء في الخلايا المنظمة وهم مستعدون لتحمل مسؤولية شخصية عن أي رسالة تصدر عنها، ما دامت صادرة عن أشخاص يؤمنون بهم.»
وربما هذه الرسائل السياسية التي تصدح بها أغانيهم وشعاراتهم، لا تعني في الحقيقة إلا الخلية التي صنعتها، أما الباقون فهم يرددونها ببراءة سياسية، ظناً منهم أن الأمر لا يتجاوز التشجيع الرياضي.
وعموماً، وأياً كان الاستنتاج الأصح، فإن الدور الذي يلعبه الأعضاء العاديون، حتى لو كانوا جاهلين به، أكبر بكثير من الدور المنوط بالنخبة، فيكفي أنهم يترجمون الفكرة في الملعب إلى لوحة يصعب تجاهلها، لدرجة أن وزارة الداخلية قامت بمنع ألتراس الرجاء البيضاوي من رفع التيفو/ الشعار، في المباراة التي تلت رفع شعار «الغرفة 101»، وأكدت أن إبداعات الملاعب مرحب بها شرط ألا تتجاوز ما هو رياضي، مما يعني أن الرسالة وصلت بقوة، لكن المرسل إليه لا يزال يرفض تلقيها.


الكاتب : إعداد: مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 16/04/2024