«التنقل المناخي» في إفريقيا.. 113 مليون شخص مهددون بالترحال داخل القارة بحلول عام 2050!


/ عن : allAfrica

إن التكيف مع عالم أكثر «دفئا» اليوم هو «مهمة ضخمة»، وحتى لو تم الوفاء بسقف درجة الحرارة الأكثر طموحا (ما يطمح له بعد كل مؤتمر COP كل سنة ويتراوح بين 1.5 إلى 2 درجة مئوية)، فإن المخاطر المناخية المتزايدة ستجبر الملايين من الأفارقة على توقع الأسوأ والابتعاد قدر المستطاع عن المناطق المتغيرة بفعل تقلبات المناخ.
أدت موجات الحر الناجمة عن تغير المناخ بالفعل، إلى خفض «النمو الاقتصادي العالمي» بما يصل إلى 29.3 تريليون دولار أمريكي ما بين عامي 1992 و 2013، وتضرر «الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا» بشدة وبشكل خاص، حيث تظهر إحدى التقديرات أن «نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للفترة ما بين 1991-2010 في إفريقيا، كان (في المتوسط) أقل بنسبة 13.6٪ مما ينبغي أن يكون عليه دون حدوث تغير المناخ».
من المتوقع كذلك، أن ترتفع درجة الحرارة ‘العالمية’ إلى ما بين 2.4 – 2.6 درجة مئوية بحلول عام 2100، ما يشكل مخاطر لا يمكن التأمين عليها حتى بالنسبة للبلدان الغنية. وبالنسبة للأفارقة، ستزيد هذه التغييرات من «عدم المساواة» و»تعطل مجالات الأعمال» قاطبة، كما أنها ستقوض «النظم الزراعية» وعقودا من المكاسب الإنمائية في مجالي «الصحة» و»التعليم»، إذ من المتوقع أن تتسبب التغييرات المناخية في خسائر وأضرار لـ»تراث إفريقيا الفريد» ذي القيمة البارزة والعالمية، وستلمس لا محالة ساكنة القارة الأكثر تنقلا داخليا ومعها المجتمعات التي تستقبلهم أيضا.
لهذا، سيتعين على ساكنة الكوكب الأزرق (أو الأحمر إن لم تتحمل البشرية مسؤولياتها بجدية)، أن تكيف الصناعات الحالية مع التوقعات المستقبلية حول المناخ إن أرادت حقا أن تبقى الحياة قائمة ومزدهرة في الأجيال القادمة ولصالح الساكنة في إفريقيا خاصة، إذ لم تتبقى إلا «مهلة ضيقة» للاستعداد والتكيف مع التغيرات المناخية في إفريقيا، استنادا لتقرير جديد بعنوان : «التحولات الإفريقية.. الحقائق الحالية للهجرة المناخية والنزوح في إفريقيا»، والذي يرسم «سيناريوهات محتملة لحركة التنقل لسكان المستقبل الناجمة عن تزايد حدة الآثار المناخية في القارة السمراء، ويراجع خطاب الهجرة وتغير المناخ، مستخدما مصطلح «التنقل المناخي» لتتبع الحركة السكانية بدافع من الآثار الضارة للتأثيرات المناخية المفاجئة أو بطيئة الحدوث».
يهدف التقرير الذي أطلقته «المبادرة الإفريقية للتنقل المناخي»، إلى «تقديم الأدلة وتوفير المعرفة والتوصيات المتعلقة بالسياسات المناخية، لصالح القادة المجتمعين في قمة المناخ COP27 في مصر»، حيث تتصدر «استراتيجيات التكيف مع المناخ» جدول أعمالهم، وما يترافق معها من أبحاث وبيانات وتوقعات تدعم الحلول المحلية للتكيف مع المناخ في جميع أنحاء إفريقيا، كما يستند التقرير إلى «سيناريوهات محتملة الحدوث» (بها شيء من التفاؤل) بشأن التنمية في القارة، بغرض تقديم إسقاطات على حركة التنقل المناخي، تتناسب مع مسار التنمية في إفريقيا على مدى السنوات الـ 30 المقبلة.

خلاصات صادمة !

من المتوقع أن تتواصل معظم التنقلات والهجرات القارية (الداخلية) بسبب المناخ في إفريقيا في المستقبل، وينعكس ذلك على المناطق الجغرافية الحالية التي تنشط فيها حركة التنقل في القارة، على أن يزداد عدد الأشخاص الذين يتنقلون طلبا للحماية وتحسين سبل العيش من 1.5٪ من سكان إفريقيا اليوم إلى ما يصل إلى 5٪ بحلول عام 2050 (حوالي 113 مليون شخص).
في نفس السياق، يمكن أن ينزح ما يصل إلى 2.5 مليون شخص من المناطق الساحلية بسبب «ارتفاع مستوى سطح البحر» والضغوطات المناخية أو الحياتية الأخرى، على غرار منطقة القرن الإفريقي حيث يمكن أن تجبر التأثيرات المناخية ما يصل إلى 9٪ من السكان (ما يناهز 49 مليون شخص) على الترحال والنزوح داخل إفريقيا في العقود المقبلة، وهذا يبرر المساعي إلى العمل على بناء القدرة المحلية على التكيف مع مناخ المدن والبلدات الصغيرة، ويمكن للتكيف أن يمكن المزيد من الناس من البقاء في محيط مجتمعاتهم المحلية.
من المتوقع كذلك، أن تكون حركة التنقل عبر الحدود صغيرة نسبيا بتوقع أن يصل عدد المعنيين بـ»التنقل المناخي» عبر الحدود إلى 1.2 مليون شخص كحد أقصى بحلول عام 2050، في ظل سيناريوهات ارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة، مع احتمال أن «إجمالي حركة الهجرة المحتملة عبر الحدود» ستشمل ما بين 11 إلى 12 مليون شخص بحلول عام 2050 إلا أن هذا المعطى يتعارض مع ما ينقل من أخبار حول أعداد (مبالغ فيها) للغاية حول من يغادرون إفريقيا صوب الخارج.
بالنسبة لمعظم سكان القارة، سيكون «التنقل المناخي» الملاذ الأخير لهم بسبب ارتباطهم بأراضيهم ومنازلهم ومجتمعاتهم، بحسب «استطلاع رأي» خلص إلى أن نصف المشاركين من الرجال و 40٪ من النساء أعربوا عن آمالهم وتفاؤلهم «الإيجابي» بالمستقبل، على الرغم من معاناتهم من اضطرابات مناخية حادة ونظرتهم إلى أن التنقل الداخلي مكلف للغاية. ونتيجة لذلك، لا يزال كثير من ساكنة إفريقيا معرضين لخطر النزوح أو أن تتقطع بهم السبل (لربما بسبب الكوارث الطبيعية بشكل مباشر)، وغالبا ما يستقر أولئك الذين ينتقلون أو ينزحون قسرا في مناطق جديدة.

خطوات لتفادي الكارثة؟

يقترح برنامج العمل المصاحب لتقرير التحولات الإفريقية، إجراءات رئيسية للسنوات الـ8 المقبلة، يمكن لها (الإجراءات) أن تدعم البلدان الإفريقية في «تحقيق تطلعات أهداف التنمية المستدامة لعام 2030» التي وضعتها الأمم المتحدة بموجب «اتفاق باريس».
تشمل الإجراءات المقترحة، أولا «التخطيط» للتنقل الداخلي في إفريقيا والتوقع والتخطيط للتنقل المناخي، في ما يشمل ذلك تعزيز التماسك الاجتماعي في المجتمعات المتضررة، ومنع الجمود والدفع بعجلة النمو الاقتصادي، فضلا عن الحفاظ على السلام وحماية المرتحلين في إفريقيا، أما الخطوة التالية، فهي «إدماج التنقل المناخي في التكيف مع المناخ وتمويل الالتزامات المقترحة»، ويتحقق ذلك من خلال الاعتراف بحقيقة «التنقل المناخي» ودعمه كاستراتيجية وحل ممكنين.
ثاني الخطوات تكمن في «الإخطار المسبق بمخاطر المناخ»، ويشمل ذلك «محو الأمية» بشأن تغيرات المناخ، والإنتاج المشترك لخدمات المعلومات المناخية القابلة للتنفيذ، والوصول إلى الإنذارات المبكرة.. وعلى وجه التحديد، ينبغي للبلدان أن تعزز من «دور المرأة» وأن «تسخر طموحات الشباب» نحوالتنمية المحلية من خلال متابعة الحلول التي يقودها المجتمع المحلي والقادرة على الصمود أمام تغير المناخ والإستجابة للكوارث والتنقل المناخي في جميع أنحاء القارة، كما ينبغي للبلدان أيضا أن تستثمر في المدن الذكية، وبناء روابط أقوى عبرها ومع المناطق الريفية والاقتصادات الخاصة بها.
ثالث الخطوات وآخرها، تشجيع البلدان على تحقيق «تنمية إيجابية» ذات علاقة بالطبيعة وبإدارة الأراضي والمياه وغيرها من الموارد الطبيعية المشتركة بشكل «تعاوني ومستدام» لدعم «سبل العيش الزراعية» والقائمة على «النظم الإيكولوجية» و»تعزيز الإنتاجية»، من أجل الحد من «الأثر البيئي وتسخير النظم الإيكولوجية وحماية التنوع البيولوجي» من أجل «التنمية الاقتصادية» و»القدرة على التكيف مع المناخ».. على أن التقرير يوضح أن «خيارات التنمية الشاملة التي تقلل من الضعف في تبني القدرة على التكيف مع المناخ يمكن أن تمكن الناس من البقاء في مجتمعاتهم الأصلية».
يحدد التقرير أيضا، مجموعة من «النقاط الساخنة» المناخية المحتملة، أبرزها ما يشمل المدن أو المناطق المحددة التي ستتسع أو ستتقلص بسبب التنقل المناخي، منها الأراضي الحدودية التي ستشهد زيادة في التنقل المناخي والأراضي المنخفضة والمناطق الساحلية. تحتاج هذه المجالات إلى «بناء القدرة على الصمود لنجاح الإجراءات والاستراتيجيات طويلة الأجل على المدى القريب». يمكن للخطوات المقترحة في التقرير أن تجنب وتقلل من خطر النزوح على المجتمعات المحلية من لدن الوافدين في المستقبل، مما يمنع تصاعد الخسائر والأضرار في مستقبل قد يكون الأكثر دفئا على كوكبنا، بحسب مجموعة القائمين على التقرير.


الكاتب : ترجمة : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 14/11/2022