الحبيب المالكي: ديموقراطية التَّوافُق 17 :سنوات رئاسة مجلس النواب في المغرب

IV – تقييم السياسات العمومية
التكامل والتعاون بين السلط 2

 

بالحرصِ نَفْسِه على هذا التقليد الشخصي، أحاول أن أقف الموقفَ نَفْسَه تُجاهَ مَهَامّي على رَأْسِ مجلس النواب في المملكة المغربية خلال الولاية التَّشْريعية العاشرة (2021-2016).
وهذه المرة، حاولتُ أَنْ أُشْرِكَ معي عددًا من أطر المجلس في تجميع المعطيات وفتح ما يشبه ورشةً من الحوار الجماعي حول عملنا وأدائنا ونوعية النتائج التي حققناها. وقد وجدتُ من الأصدقاء والزملاء في مجلس النواب روحًا سمحة من الإنصات والتفاعل، إِذْ أدرك الجميع معنى هذا التقليد، وبالخصوص أدركوا أَن ذلك من أجل الإِسهام في لَمْلَمَةِ عناصر ذاكرةٍ مشتركة وترصيد التجربة التي كانت جماعيةً بامتياز من أجل المزيد من فهم واقعنا السياسي في المغرب وتأمل سيرورة نضالنا الديموقراطي في أحد أهم أمكنة الممارسة الديموقراطية.

 

حرص مجلس النواب على تقديم مساهمة مؤسساتية على مستوى التشخيص واقتراح مداخل للإصلاح لِحَلَقة مفصلية في منظومتي التربية والتكوين بما يكفل المردودية والإنصاف والجودة ومبادئ التعميم، وأساسا الحق في الولوج لخدمة التعليم الأساسي كما ينص على ذلك دستور المملكة (الفصل 32 من الدستور).
رهانُ بلادنا على التربية والتعليم والتكوين من أجل تحقيق التنمية الشاملة وفي تنمية الموارد البشرية وتطوير المهارات وفي انفتاح الأشخاص.
وتبعا للمنهجية العلمية المعتمدة من قبل مجموعة العمل الموضوعاتية التي شكلت لإنجاز هذه العملية، تمحورت عملية التقييم حول نوعين من التقييم :
أولا: تقييم بعدي للمنجز في كل من الميثاق الوطني للتربية والتكوين والمخطط الاستعجالي برسم الفترة الممتدة من 2000 إلى 2015 ؛
ثانيا: تقييمٌ مُوَاكِبٌ للبرنامج الوطني لتعميم وتطوير التعليم الأولي 2018-2028.
وقد تم حصر معايير التقييم المعتمدة في أربعة معايير : الملاءمة، والفعالية والنجاعة، وتناسق البرامج والحكامة المؤسساتية، والاستدامة.
ووفق هذه المعايير، تمت صياغة الأسئلة المركزية للتقييم توخيا للأهداف التالية :
تقييم المنظور التربوي للتعليم الأولي والمنجزات المادية للسياسات العمومية في مجال التعليم الأولي ؛
استعراض النصوص القانونية والتنظيمية المُؤَطِّرة للقطاع، خصوصًا لمشاريع الإصلاح، وكذا الآليات والوسائل المادية والمالية المعتمدة لأجرأة هذه السياسات ؛
تقييم كيفية تدبير الاعتمادات والآليات والوسائل المرصودة، وكذا منظومة التتبع والمراقبة ؛
تقييم النتائج بالقياس للأهداف المُسَطَّرة وفق الأجندة الزمنية المحددة للبرامج ؛
تشخيص جوانب الضعف والخلل في منظومة التعليم الأولي واقتراح توصيات لتجاوزها.
ولبلوغ هذه الغايات، عقدت مجموعة العمل، بالإضافة الى طلب المعطيات من القطاعات المعنية، مجموعة من جلسات الاستماع إلى مجموعة من الفاعلين الحكوميين وهيئات المجتمع المدني على المستوى المركزي والترابي، وقامت بزيارات ميدانية لأربع جهات بالمملكة للوقوف على واقع التعليم الأولي.
وقد مكن كل ذلك، بالإضافة إلى تحليل النصوص التشريعية والتنظيمية المؤطرة للتعليم الأولي، وعمليات الرصد الميداني التي قامت بها المجموعة الموضوعاتية، وما توصلت إليه من خلاصات، من مقابلات، من إعداد تقرير نعتبره وثيقة ستغني بما تَضَمَّنَتْهُ من تشخيص وتوصيات مساهمة مجلس النواب في تصور وأجرأة الإصلاح الضروري لهذا القطاع الفرعي الهام في الجوانب التنظيمية ومن حيث التجهيزات الأساسية والتمويل والشراكات والتشريع ….
ممارسة اختصاص تقييم السياسات العمومية : دروس أولية

بعد عشر سنوات على دسترة اختصاص تقييم السياسات العمومية من جانب البرلمان، وبعد أربع عمليات تقييم لسياسات وبرامج عمومية، أصبح بالإمكان استنتاج بعض الدروس من الممارسة، بهدف جعل هذه المهمة المسنودة لمجلس النواب ذات مردودية وتحقق المتوخى منها في إعمال الحكامة في تدبير الشأن العام وجعل الإنفاق العمومي منتجًا ويحقق الأثر الملموس على المستهدفين.
وتتوزع هذه الدروس بين منهجية عمل المجموعة الموضوعاتية المتعلقة بالتقييم، وتتبع مآلات خلاصات وتنفيذ الاقتراحات والتوصيات التي تُتوج عادة التقرير الذي تنجزه المجموعة الموضوعاتية بشأن السياسة أو البرنامج الذي تُنْتَدبُ لتقييمه.
هكذا علمتنا الممارسة أنه من أجل الاستعداد القبلي للشروع في عملية التقييم، ينبغي التوافق على الموضوع السنوي محور التقييم في ختام كل سنة تشريعية، حتى يتاح الوقت للفرق والمجموعات النيابية انتداب ممثليها في المجموعة الموضوعاتية، وحتى يتم إعداد برامج عمل المجموعة في مطلع السنة التشريعية، مما سيسمح للمجلس بإنجاز عملية تقييم واحدة على الأقل خلال كل سنة تشريعية كما ينص على ذلك النظام الداخلي للمجلس.
يتعين مضاعفة عدد ممثلي كل فريق أو مجموعة نيابية في المجموعة الموضوعاتية حتى يتيسر توزيع المهام بين أعضائها في إعداد المسوحات الضرورية وجمع المعطيات الإحصائية والمعلومات، وإجراء المقابلات سواء مع المسؤولين عن السياسة أو البرنامج موضوع التقييم أو مع المجموعات المستفيدة والهيئات المهنية أو المدنية المعنية، والخبراء، والإطلاع على الوثائق الموجودة في حوزة الإدارات والمؤسسات العمومية المركزية والترابية. ومن خلال توزيع أعضاء المجموعة على فرق عمل، سيكون بالإمكان اقتصاد الوقت والجهد، على أن يتم تقاسم المعلومات بين مختلف الفرق والتداول بشأنها في إطار المجموعة.
ينبغي وضع جدول زمني لعملية التقييم، يتضمن مراحل الانجاز وتاريخ الانتهاء من كل عملية فرعية وتواريخ الاجتماعات وموضوعها والأعمال الميدانية والمقابلات، وصياغة التقرير والمصادقة عليه في إطار مجموعة العمل وعرضه على السلطات السياسية للمجلس وبرمجة مناقشته في الجلسة العامة.
وحتى تكون ممارسة هذا الاختصاص الدستوري الجديدة ناجعة، ومن أجل جعل التقييم منتجا للأثر وذي مردودية في تجويد السياسات العمومية، ينبغي الحرص على تتبع مآلات التوصيات والخلاصات التي تتوصل إليها كل عملية تقييم. وإذا كان هذا التتبع يعود إلى مجلس النواب من خلال الرقابة على العمل الحكومي والتشريع، فإن السلطة التنفيذية معنية بتنفيذ التوصيات، خصوصًا منها ما يتم التوافق بشأنه خلال الجلسة العامة لمناقشة تقرير المجموعة الموضوعاتية، وإلا فإن سؤال جدوى هذا العمل ومقاصده، سيظل مطروحًا.
ينبغي أيضا لمكونات المجلس أن تحرص على هذا التتبع من خلال الأسئلة الموجهة للحكومة، ومساءلة أعضاء الحكومة ورؤساء المؤسسات العمومية من جانب اللجن النيابية الدائمة ومن خلال مبادرات تشريعية عند الضرورة، وإن اقتضى الحال تخصيص جلسة عمومية من جلسات المراقبة لمساءلة الحكومة حول مآلات توصيات عمليات التقييم والتدابير المتخذة لتحسين السياسات التي خضعت للتقييم.
ينبغي أيضًا للمجتمع المدني، العامل في الميدان، وفي المجالات موضوع التقييم أن يتعبأ بدوره في إطار ما هو مسموح له به في الدستور والتشريعات ذات الصلة، للترافع والتواصل في شأن مآلات التوصيات التي تتوج كل عملية تقييم والمطالبة بتنفيذها. وبهذا يكون وَجْهٌ من أوجه مشاركة الهيئات المدنية في تدبير الشأن العام قد تحقق، ويحصل التكامل والتعاون أولا بين السلط، وثانيا بين هذه الأخيرة وهيئات المجتمع المدني الذي ينص الدستور على إشراكها في الشأن العام.
لقد حقق مجلس النواب رصيدًا هامًا في مجال تقييم السياسات العمومية التي شرع في إعمالها عمليا خلال السنة التشريعية 2015-2016. وتعتبر التقارير المنجزة في إطار هذه العمليات وثائق غنية بالمعطيات والإحصائيات وبالتشخيص، وخاصة بالاقتراحات والتوصيات. إن الأمر يتعلق، عمليا، ببنك للمعطيات ينبغي استثمار مجهوداته في تطوير سياساتنا العمومية وأعمال الحكومة فيها وأساسًا جعلها منتجة للأثر على حياة المواطنات والمواطنين.
الفصل 70 من الدستور ” يمارس البرلمان السلطة التشريعية. يصوت البرلمان على القوانين، ويراقب عمل الحكومة، ويقيم السياسات العمومية. للقانون أن يأذن للحكومة أن تتخذ في ظرف من الزمن محدود، ولغاية معينة، بمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها، ويجري العمل بهذه المراسيم بمجرد نشرها. غير أنه يجب عرضها على البرلمان بقصد المصادقة، عند انتهاء الأجل الذي حدده قانون الإذن بإصدارها، ويبطل قانون الإذن إذا ما وقع حل مجلسي البرلمان أو أحدهما”.
من الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في اليوم الوطني حول التعليم الأولي بتاريخ 18 يوليوز 2018 .


بتاريخ : 25/08/2021