السياسات العمومية وحقوق الإنسان سياسات ومؤسسات (1)

راكم المغرب خلال تسعينات القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة مكتسبات علي قدر كبير من الأهمية في مجال حقوق الانسان، سواء على مستوى تأهيل المنظومة القانونية الوطنية التي دأبت الحرص على ملاءمتها مع الالتزامات الدولية للمملكة المغربية في مجال حقوق الانسان، أو على مستوى الجهود المتعلقة بتعزيز البناء المؤسساتي وتطوير السياسات والبرامج العمومية وقد عرفت هذه المكتسبات طفرة نوعية من حيث المقاربة والتنفيذ مع اعتماد دستور 2011، والذي شكل محطة سياسية بارزة في مسار استكمال بناء دولة الحق والمؤسسات وترسيخ مبادئ وآليات الحكامة الجيدة وتوفير متطلبات المواطنة الكريمة وتحقيق مستلزمات العدالة الاجتماعية والمجالية ولاشك أن السياسة العامة للدولة تلعب دور أساسي في تحقيق هذه الأهداف، فعلى مستوى تحديد السياسات العمومية، أطلق المجلس الاستشاري لحقوق الانسان مسلسل إعداد خطة العمل الوطنية في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية. وقد جاءت هذه الخطة التي تعتبر الأولى من نوعها في الشرق الاوسط وشمال افريقيا استجابة لضرورة توفر المغرب على إطار منسجم يسمح بجرد وبتنسيق مجموع الأنشظة التي تتوخى نشر حقوق الانسان بالمغرب والنهوض بها وحمايتها وتعزيز احترامها للسياسات العمومية برزت الحاجة للعمل بمقاربات التقييم في مختلف دول العالم نتيجة تعدد المشاكل العمومية وتعقدها، وتزايد حاجيات المواطنين التي يتوجب على الحكومات تلبيتها، مقابل النقص الحاصل على مستوى الموارد العمومية، والتي تعد كافية لحل كل المشاكل، وتلبية كافة الحاجيات الشيء الذي فرض ادخال التقييم في دورة حياة السياسات العمومية قصد تحديث طرق العمل وتحديد الأولويات وعقلنة تدبير الموارد وذلك بغية تلبية أكبر عدد ممكن من الحاجبات بأقل تكلفة ممكنة، وبجودة تجعل الناس راضين عنها، الا أن تحقيق هذه الأهداف ليس بالامر السهل، بل يتطلب الشروع في إجراء عمليات التقييم بشكل مؤسساتي ومنتظم، برشد الحكومات الى التعديلات والتقويمات الضرورية لتحسين نتائج سياستها، والتعلم من أخطاء الماضي وتجاوزها في الحاضر والمستقبل، بالاضافة إلى ذلك، إن اللجوء إلى عمليات التقييم وتعميم العمل به يساهم في الرفع من النجاعة أداء الفعل العمومي، ومن إرساء ثقافة المحاسبة وإعادة توطيد روابط الثقة وتقويتها بين المجتمع والدولة، لهذا الغرض عمل المشرع الدستوري خلال وضعه لدستور المملكة المغربية لسنة 2011 على دسترة مختلف مقاربات التقييم المعمول بها بمختلف التجارب الدولية حيث قام بدسترة التقييم اليدمقراطي الذي أسنده للبرلمان باعتباره ممثلا للمواطنين، مقابل دسترة التقييم الداخلي للحكومة.
بالإضافة إلى دسترة التقييم التشاركي، تفعيلا لمبادئ الديمقراطية التشاركية إلى جانب الديمقراطية التمثيلية من أجل الرفع من عدد مناصري السياسات العمومية والتقليص من الهوة بين المجتمع ومؤسسات الدولة، كما قام المشرع الدستوري بدسترة فاعلين جدد في التدخلات العمومية،ومنحهم حق تقديم المساعدة للبرلمان والحكومة، سواء عند وضع السياسات أو عند تقييمها، ويتعلق الأمر بمختلف المؤسسات الدستورية وهيئات الحكامة وعلى المستوى العملي لم يتم تحديد اللحظة الزمنية للفاعلين. التقييم في دورة حياة السياسات العمومية بل ترك لهم المجال مفتوحا لاختيار اللحظة المناسبة للقيام بذلك، اذ يمكن لهم اجراء اشغال التقييم قبل وضع السياسات العمومية قصد دراسة المشكل العمومي، وتحديد الحاجيات الاساسية للمواطنين، ووضع أهداف متلائمة معها ومنسجمة مع بعضها البعض، ومع أهداف السياسات الاخرى، ومع بيئتها. كما يمكن لهم إجراء عمليات التقييم بشكل مواكب لمسار تنفيذ السياسات العمومية قصد التأكد من أن عملية التنفيذ تتم بنفس الشكل المخطط لها، اما التقييم الذي يتم اجراؤه على المدى المتوسط، فانه يتم من أجل تقييم مدى بلوغ الاهداف المحددة بنفس الطريقة المتوقعة.
وعند الانتهاء من تنفيذ السياسات العمومية يمكن لهم اجراء عمليات التقييم اللاحق من أجل تقييم مدى فعالية ونجاعة تحقيق الأهداف المتوقعة وتقييم اثارها على مستوى تطور حياة المواطنين، وبلورة حكم تقييمي يعكس حقيقة تنفيذ السياسات العمومية في الواقع، ويعكس مدى رضى المستفيدين منها، في هذه المرحلة من عملية التقييم، يتم اتخاذ القرار حول الاستمرار في العمل بنفس السياسة او تعديلها او ايقاف العمل بها ووضع سياسة جديدة، غير أن ممارسة وظيفة التقييم لا تتم بشكل اعتباطي بل تتطلب ممارستها وفق مبادئ وقواعد محددة، تضمن الاستقلالية والحياد للمقيمين المهددين، وتنفيذ عمليات التقييم من خلال توظيف منهجيات وأدوات علمية. مضبوطة مكن اجل جمع المعلومات الضرورية وتحليلها والوصول إلى نتائج موثوق فيها من طرف مختلف الفاعلين في السياسات المعنية بالتقييم ورغم ان ممارسة وظيفة التقييم في بعض الاحسان تكون فعلا سياسيا، وخصوصا عند ممارستها من طرف البرلمان قصد مساءلة الحكومة حول نتائج أدائها. إلا أنه من الضروري أن تبني هذه المساءلة على استنتاجات تمت بلورتها من خلال الاعتماد على نتائج تقييمات علمية ومحايدة، وتقف على نجاحات واخفاقات السياسات العمومية المحلية كما هي في الواقع.
وكما جدد المشرع الدستوري للبرلمان الاليات التي يمارس من خلالها وظائف التشريع والرقابة، فإنه عمل على جعله يمارس وظيفة تقييم السياسات العمومية من خلال عقد جلسة سنوية المناقشة.
السياسات العمومية وتقييمها، كما تنص على ذلك الفقرة 2 من الفصل 101 من الدستور إلا أن عملية التحضير لهذه الجلسة السنوية تتم من خلال المرور بمجموعة من المراحل التي تنطلق من تحديد موضوع السياسات المعنية بالتقييم وتشكيل المجموعة الموضوعاتية التي ستشتغل عليه، وصولا إلى صياغة التقارير التقييم التقنية التي سيتم عرضها على الجلسة السنوية المناقشة والتقييم وتتطلب هذه المراحل التحضيرية العمل وفق مبادئ ومعايير محددة مسبقا ومنهجيات علمية، تجعل نتائج ت قارير التقييم التقنية موضوعية وموثوق فيها، وقابلة للاستخدام من طرف الحكومة قصد تحسين أداء السياسات العمومية من جانب اخر عمل المشرع الدستوري على تقوية دور البرلمان كفاعل في حقل السياسات العمومية من خلال وضع مجموعة من الآليات أو ادخال تعديلات جوهرية على البنيات. الاخرى كانت موجودة من قبيل التوسيع من اختصاص القانون وتكريس التداول الديمقراطي على التدبير الحكومية، وعلى أساس نتاذج الانتخابات التشريعية. المباشرة وتبوي مجلس النواب الصدارة في ظل نظام الثنائية البرلمانية من خلال اسناد مهمة التنصيب الحكومي، ومنح الثقة للحكومة وسحبها منها، من خلال إسناد مهمة التنصيب الحكومي، ومنح الثقة للحكومة وسحبها منها، واعطائه الكلمة النهائية في التصويت على مشاريع ومقترحات القوانين كما تم العمل علي التخفيف من قيود نظام العقلنة البرلمانية، من خلال التخفيض من نسبة النصاب القانوني الواجب توفره لتفعيل مجموعة من آليات المراقبة، وتوسيعها لتشمل إلزامية مثول رئيس الحكومة امام البرلمان للاجابة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة مرة كل شهر وإلزامه بتقديم الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة سواء بمبادرة منه او بطلب من ثلث اعضاء مجلس النواب، او بطلب من الاغلبية المطلقة لأعضاء مجلس المستشارين. بالاضافة الى ذلك تم القيام ببعض الاصلاحات على مستوي تعزيز مراقبة برمجة الميزانية المخصصة للاستثمار حيث اصبح القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية يلزم اعضاء الحكومة بتقديم مشاريع نجاعة الاداء للبرامج العمومية والمؤشرات المتعلقة بقياسها امام اللجان البرلمانية المعنية رفقة مشاريع الميزانيات الفرعية لقطاعات الوزارية، والحرص على انجاز تقارير سنوية للاداء توجه الى البرلمان من تقييمها واختيار الاستراتيجيات والاختيارات المالية الاكثر وضوحا لملائمة الاهداف والبرامج وحرص المشرع الدستوري على جعل البرلمان يمارس وظيفة مناقشة وتقييم السياسات العمومية من خلال عقد جلسة سنوية عمومية يهدف الي تحقيق التواصل مع المواطنين من اجل تغذية النقاش العمومي، وتوجيهه نحو نتائج اختيارات سياسية واضحة، ت شكل. امتدادا طبيعيا للاختيارات المقدمة اثناء عملية التنافس الانتخابي والتأسيس للتداول الحكومي بناء على برامج سياسية واضحة للتعاقد، والتي يترتب عنها محاسبة سياسية والانتخابية، بالاضافة الى تعزيز الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة حتى لا يترك اي مجال للتهرب من المسؤولية في تدبير الشأن العام، و بخصوص السياسات العمومية التي تعتبر للتقييم فان المقلصود منها، تلك التي تعمل الحكومة من خلال وضعها على تقديم الاجوبة الضرورية لحل المشاكل العمومية وتلبية حاجيات المواطنين المختلفة، او قصد للتنفيذ برنامها الحكومي، الذي يكون موضوع تعاقد بينها وبين البرلمان لحظة تنصيبها او التي تدخل من خلال قصد تحقيق التوازن بين مختلفا لتدخلات القطاعية، وجعلها منسجمة في خدمة اهداف سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية وتنظيمية كبرى ومحددة مسبقا. تختلف السياسات العمومية عن السياسة العامة للدولة، اذ تعد هذه الاخيرة حلقة تدخل ضمن بنية التدخلات العمومية يتم من خلالها في السياسة العامة للدولة الربط بين التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة، والسياسات العمومية با عتبار السياسات العمومية تتجلى حكوميا، يتجلى في التطبيق الفعلي والعمل على أرض الواقع، اما السياسات القطاعية فانها تشكل جزء من التدخل الحكومي على مستوى القطاعات الحكومية حيث تعمل من خلالها الحكومة على ضبط وتنظيم وتطوير كل قطاع على حدة، انطلاقا من خصوصية كل قطاع في المقابل تحافظا لسياسات العمومية بطابعها الافقي باعتبارها سياسة فوق قطاعية، وذلك من اجل تدبير الوسائل والامكانيات بين مختلف القطاعات قصد الحفاظ على تماسك المجتمع ويمكن للسياسات العمومية ان تضم مجموعة منسجمة ومندمجة من البرامج العمومية، الا انها عندما تكون بسيطة ودقيقة في صياغتها تظهر وكأنها برنامجا واحدا، لكن السياسات العمومية يتم بلورتها وفق رؤية تكنوقراطية بينما السياسات العمومية يمكن ان يتدخل في عملية صنعها فاعلين متعددين سواء بصفتهم اصحاب القرار، او بصفتهم مؤثرين في رسم اهدافها، او بصفتهم مستشارين في التخطيط لوضعها، طبيعة السياسات وابعادها ومجالات تدخلها، وحسب المقاربات المعتمدة في وضعها، الا انها تعد فعلا حكوميا، يتم تنفيذها من خلال مجموعة من الخطط والبرامج والاهداف العمومية التي تعبر اتجاه العمل الحكومي لفترة زمنية مستقبلية، وبذلك فانها تعبر عن نشاط مؤسساتي لخدمة المصلحة العامة حيث لا يمكن لاية سياسة أن تصبح عمومية الا اذا تبنتها الحكومة، وتجدر الاشارة الي أن الربط بين مفهوم التقييم كوظيفة مؤسساتية والسياسات العمومية كتدخل حكومي تم لأول مرة عند وضع دستور سنة 2011 في حين ظهر التقييم كآلية لقياس فعالية ونجاعة البرامج العمومية، بمناسبة إحداث المجلس الاعلي للحسابات سنة 1979 ورغم ذلك، فان ممارسة اشغال تقييم البرامج العمومية لم تتم قبل تاريخ صدور التقرير الذي أعده البنك الدولي سنة 1995، اي ابان ما عرف بموجة الانتشار الالزامي نتيجة. انتشار التقييم بمختلف دول العالم عن طريق الضغط الذي مارسه الملك العمومي على الدول التي تربطه بها عقود التعاون واستجابة لذلك عمل المغرب على خلق المركز الوطني لتقييم البرامج سنة 1995.
(*) محامي بهيئة طنجة


الكاتب : إسماعيل الجباري (*)

  

بتاريخ : 02/12/2023