المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر -82-

انتقال الأموال من من أبناء وزوجات التجار إلى الفئة العسكرية

 

“المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر»، كتاب يتناول دراسة العائلات المغربية في مصر خلال هذه الفترة، وذلك من خلال إبراز دراسة هذه العائلات كخلية اجتماعية اقتصادية متحركة.
هذه الدراسة  سلطت الضوء على عائلات النخبة التجارية المغربية ودورها في الاقتصاد المصري إبان تلك الفترة التاريخية، و كذلك تطرقت إلى المدى الجغرافي الذي اتخذته معاملاتهم بمختلف أنواعها، والرخاء الاقتصادي الذي تمتعوا به.
 الكتاب أصدرته مكتبة الإسكندرية سنة 2015، وهو كما يقول مديرها الدكتور إسماعيل سراج الدين،  ترجمة للعلاقات بين مصر والمغرب العربي، التي هي من الصفحات المشرقة في تاريح الأمم، وأوضح الدكتور إسماعيل سراج الدين، أن هذا التاريخ الممتد من العلاقات إلى العصور القديمة،  كان من نتيجتها، العديد من الأسفار والرحلات من بلاد المغرب إلى مصر ومن مصر إلى المغرب، بل يكشف مدير مكتبة الإسكندرية، أن الروح المغربية موجودة في مدينة الإسكندرية في أوليائها الصالحين وأسماء أحيائها وشوارعها، بل امتد الوجود المغربي إلى مدن أخرى، وفي القاهرة عد ابن طولون مركزا للمغاربة، وما زلنا إلى اليوم نرى في هذا الحي أثرا في بقايا العائلات المغربية القاطنة.
كتاب «المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر، هو دراسة للمؤرخ الدكتور حسام محمد  عبدالمعطي، أنجزها بمناسبة اختيار المملكة المغربية ضيف شرف معرض مكتب الإسكندرية  الدولي للكتاب سنة 2012. ولأهمية هذه الكتاب/الدراسة، نسلط الضوء على ما جاءت به هذه الدراسة من معطيات التي استندت في إنجازها إلى  العديد من الوثائق التي تبرز حياة ودور المغاربة في مصر،  في العديد من المجالات خلال القرن الثامن عشر .

 

يرى الدكتور حسام محمد عبد، أن  الزواج بزوجات التجار ووضع أموالهم وأموال أطفالهم تحت وصاية هؤلاء الأمراء، كان هدفا آخر من أهداف الأمراء المماليك؛ حيث استطاعوا امتصاص هذه الأموال وبالتالي انتقلت هذه الأموال من أيدي أبناء التجار وزوجاتهم إلى الفئة العسكرية وبالتالي فقد حطموا هذه البيوت اجتماعيا واقتصاديا وكانت هذه العوامل البداية الحقيقية لبداية  الهدم في بناء الطبقة التجارية الوسطى المصرية؛ التي تعرضت لضغوط جبائية جبارة مع الحملة الفرنسية؛ مما حطم قواها. وقد أسهم كل ذلك في تراجع حجم الثروات التراكمية داخل المجتمع، وبالتالي كانت الرأسمالية المصرية توصف بأنها فانية متآكلة.
فطدراسة ومقارنة أسماء العائلات التجارية الكبرى على مدار الفترات التاريخية توضح بصورة كبيرة اختلافا كبيرا في أسماء العائلات التجارية الكبرى في كل فترة تاريخية؛ مما يجسد حقيقة مفادها أن لكل فترة كبار تجارها ورأسمالييها، وأن الرأسمالية في مصر لم تكن ثابتة الوجود بل كانت متغيرة؛ مما كان يعوق تطور مؤسساتها بصورة كافية.
ورغم ذلك ترى الدراسة،  فقد أصبحت الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أصبحت تعانيها مصر في ظل نظام فوضوي كان ينبئ بضرورة التغير جذريا إن عاجلا أو آجلا كضرورة للتطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي؛ فلم يكن ذلك إلا إفرازا للتغير ونتاجا لهذه الأزمات المزمنة التي كانت تعيشها مصر عند مستهل نهاية القرن الثامن عشر.
لقد كان من السهل على أية عائلة تجارية يقول الدكتور حسام محمد عبد المعطي، من إحدى المدن المغربية أن تنتقل إلى القاهرة دون أن يترتب على ذلك تهميش اجتماعي لها عند وصولها إلى القاهرة،يصدق ذلك على العديد من البيوت التجارية المغربية التي نزحت إلى مصر في غضون تلك الفترة التاريخية مثل عائلات بنكيران وجسوس والشرايبي والعشوبي وغيرها، كان لهذه العائلات نصيب وافر في النشاط الاجتماعي والعمراني والحضري باعتبارهم جزءا من النسيج المصري الذي استطاع في النهاية صبغهم بخصائصه. وما لبث أن امتصهم وصهرهم في بوتقته كجزء لا يتجزأ منه؛ بيد أن تأثير المغاربة كان واضحا نستنتج الدراسة،  في الكثير من القيم والعادات التي أفرزوها داخل بنيان المجتمع المصري، لكنهم مارسوا حياتهم اليومية في شتى جوانبها داخل إطار الحياة العامة للمجتمع المصري، ولم يشذوا يوما عن البناء الاجتماعي منذ هجرتهم؛ حيث ساعدت وحدة اللغة والدين والثقافة على سهولة امتصاصهم داخل بنيان المجتمع، وإن ظلت لهم شخصيتهم المميزة وحضورهم المادي الملموس لفترة طويلة.
(انتهى)


الكاتب : إعداد:  جلال كندالي

  

بتاريخ : 09/08/2021