المفكر والفيلسوف محمد سبيلا .. فارس الحداثة وحارس الأنوار 22

حول قدرة العالم العربي على النقد الذاتي

 

​​

– السيد سبيلا، هل العالم الإسلامي في طور الإصلاح حاليا؟
– إن أي مجتمع في العالم أجمع يعاني من توترات داخلية، وكل مجتمع من المجتمعات الإسلامية يتحكم فيه قطبان من القوى، أحدهما رجعي يسير على منهاج الماضي. تفضل القوى الرجعية لهذا القطب الرجوع إلى الماضي الذهبي على التطور التاريخي، وربما يعتبر ذلك عملية تعويض لمواجهة الواقع المرير. والقطب الآخر هو قطب القوى التقدمية التي تضم مثقفين عصريين، ولهذه القوى اتجاهات سياسية محددة، وهؤلاء مقتنعون بحتمية التطلع إلى المستقبل ومعالجة الأفكار التقدمية.

– ما المقصود بمفهوم التقدم في الإسلام؟
– إن أكثر ما تستخدمه الثقافة الإسلامية هو كلمة «تجديد»، أما مصطلح «التقدم» فما هو إلا مصطلح جديد ولم يظهر في الثقافة الغربية إلا في القرن الثامن عشر. وقد فهمت فلسفة عصر التنوير – ذات الطابع العقلي القوي – مصطلح «التقدم» على أنه مواصلة التطور التاريخي للبشرية.
ولكن «التقدم» ما هو إلا تطور طبيعي بطيء يطرأ على كل مجتمع، ومن ثم على البشرية أجمع، لأن الله خلق الإنسان والمجتمعات بهدف مواصلة التطوير.

– ما رأيكم في النظرية التي تقول بأن المسيحية والكونفوشيوسية قد ساعدتا على التطور الصناعي، أما الإسلام فإنه يحول دون ذلك؟
– إن كل ديانة تقوم على تصورات خاصة عن العالم وعن المجتمع وعن التاريخ، وفي داخل كل ديانة تتواجد كل من المفاهيم التقدمية وأفكار تدل على التسامح وأيضا فكر يساعد على خلق أيدلوجيات مدمرة. وهذا الانقسام يوجد أيضا في المسيحية واليهودية والديانات الأخرى، وما بقي فهو شيء يتعلق بالسيادة الاجتماعية وبتفسيراتها للنص الديني.
والقرآن به آيات تدل على التسامح والتفاهم والسلام، وعلى الرغم من أن لفظ «الإسلام» مشتق من لفظ «السلام»، إلا أنه هناك بعض النصوص تدعوا إلى الكفاح أو الحرب. ومما يؤسف أن التطور في المجتمعات الإسلامية مَكَّن من عرقلة التقدم بشكل متزايد.

-هل هذا يعني رفض التقدم الصناعي؟
– كلا، إن الفكر الإسلامي عامة لا يرفض أبدا الابتكار التقني، والرفض هنا يتعلق في المقام الأول بالفكر الغربي. وهذا مما يلاحظه المرء في دول الخليج، مثل التقدم التكنولوجي في السعودية، فبفضل صفقات البترول يرى المرء هناك أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا العصرية.
أما على المستوى الثقافي فلا تزال البلد منغلقة على نفسها، ولا تزال النظريات الغربية وخاصة الفلسفة شيئا من المحرمات.
إنهم يرفضون أيضا التحليلات المنطقية التي قد تلقي الضوء على الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لأي مجتمع، ويرفضون كل الثقافات التي تماري التقاليد والدين.

– سيادتكم تعملون كمستشار بوزارة حقوق الإنسان في المغرب، هل تعد ممارسة حقوق الإنسان من ضروريات المجتمع العصري؟
– أجل، تعد حقوق الإنسان من الأساسيات لمجتمع يوشك على تجديد سياسته وطرق تطبيقها. وعلى الرغم من أن احترام حقوق الإنسان – على سبيل المثال – منصوص عليه في مقدمة الدستور المغربي، إلا أن الإنسان لا يمكنه تغيير كل شيء مرة واحدة، وإذا حدث ذلك فسيكون صدمة كبيرة لمجتمعنا وللثقافة التقليدية. وعلى وجه العموم فإن أجهزة السلطة والمثقفين والمجتمع المدني يعملون جاهدين على الحفاظ على حقوق الإنسان.

– ما هي النفوذ التي تتمتع بها التيارات غير التقليدية في المغرب؟
– أذكر في المقام الأول الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ولكن أيضا الأحزاب ذات الميول الاشتراكية والحزب الشيوعي سابقا والمجموعات اليسارية الصغيرة، وربما المجموعات الفرعية التابعة للحزب الإسلامي المعتدل (حزب العدالة والتنمية) الذي بذل ما في وسعه من أجل الاستقلال. كما يلعب المثقفون أيضا دورا مهما، وعلى وجه الخصوص المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان.

– وإذا كنا بصدد هذه التيارات فهل يتعلق الأمر بأقلية اجتماعية؟
– كلا، إن الأمر يتعلق بالعديد من الأحزاب التي حققت نجاحا كبيرا في الانتخابات، حتى أن بعضها مشترك في الحكومة، وهم يمثلون حوالي ثلث المواطنين المغاربة. ولا يرجع تأثير قوى التجديد إلى عدد تلك الأحزاب فقط، بل يرجع أيضا إلى كفاءتها، أي أعمالها وتصرفاتها. وهذه الأحزاب تساندها الحكومة التي تحاول جعل الإسلام عصريا.
لقد عُرف عنكم أنكم تدعون إلى المزيد من القدرة على النقد الذاتي في العالم الإسلامي
سبيلا: عندما أتحدث عن النقد الذاتي فأعني أن التراث الثقافي الإسلامي لا بد وأن يخضع لنقد تاريخي ومنطقي، وهذا يتطلب دائما – خاصة في مجال العلوم الإنسانية والإجتماعية – نظرة خارجية تستند على إنجازات العلوم الإنسانية. وعند الحديث عن النقد الذاتي في العالم الإسلامي فإن الأمر يتعلق بالنقد الداخلي والخارجي. والأصوليون المسلمون يعتبرون النقد هجوما، لأنهم يستندون على أفكار مستعارة من الغرب.

– هل الوضع يتطلب نقد الغرب أيضا؟
-أجل، لأن كل ما يوصف بأنه غربي متعدد النواحي. وهناك على الأقل عنصران، أحدهما أن الغرب يعتبر طليعة للبشرية ورائدا في الإنجازات العلمية، والآخر أن الغرب مرتبط في الأذهان بالاستعمار القمعي.
وقد قام المفكرون أمثال فوكو وأدورنو ومدرسة فرانكفورت بنقد آلية الفكر وميوله إلى الانطلاق، كما نقدوا أيضا الاستغلال الداخلي. وعندما يقول لنا المتطرفون إن الغرب يجسد القمع، فإننا نرد عليهم بأن على المرء أن يفرق بين الأيديولوجية، أي القوة الاختيارية، وبين التقدم العلمي.
وفي منتصف القرن التاسع عشر كانت هناك في العالم العربي حركة تدعو إلى النهضة الثقافية والسياسية، وكانت الثورة المصرية ما هي إلا نتاج هذا الإنفتاح على بقية العالم، أما بعد احتلال فلسطين والعدوان الذي قامت به بعض القوى الغربية عام 1956 فقد تحول الرأي العام العربي إلى تراثه الثقافي الخاص.

– هل معنى ذلك أن الاستعمار هو مصدر الكراهية الحالية ضد الغرب؟
– أجل، فإننا إذا ما وضعنا الاستعمار في الاعتبار فإن معظم المسلمين يرون في احتلال فلسطين امتدادا للحروب الدينية. ورد الفعل الإسلامي لا يرى في الاستعمار إلا الجوانب السيئة.
والاستعمار له على أية حال وجهان، فكما كان قمعيا، كان أيضا عاملا من عوامل التقدم. وأثناء البحث الرأسمالي عن الأسواق تتطور أشكال الاقتصاد الأصلية والتقليدية وحتى البسيطة، فتبنى المرافق العامة – مثل السكك الحديدية في المغرب – والمدارس الحديثة، وتحظى حركات تحرير المرأة بالمساندة.

– ما هي التغيرات التي يتمناها الناس في العالم العربي؟
– على الرغم من أن المجتمع التقليدي يكون بالطبع مصبوغا بموروث الماضي وثقافته وتصوراته، إلا أن كل مجتمع يتطلع نحو التجديد والتقدم والتحسن. ويتطلع الناس في المغرب إلى الحداثة والعصرية بشكل خفي، وإن بدا ذلك من قلة منهم.
والنخبة الحديثة تسعى جاهدة إلى التقدم في النظرة إلى العالم وفي المجتمع والدين، أما النخبة التقليدية فهم ينظرون إلى الماضي. وعلى الرغم من قوة الاتجاه التقليدي أرى أن هناك تطور نحو الثقة بالنفس وأعتقد أن هذا التطور سيحظى حقا بمساندة القوى السياسية.

(*) عن مجلة التبادل الثقافي، العدد 1/5


الكاتب :   أجرى الحوار: أولا ليمان ونيكولا ريختر (*)

  

بتاريخ : 25/08/2021