بنية المكان في رواية «أحلام مؤجلة» للكاتب عبد السلام بزيد

يميز الدارسون في النقد الروائي بين المكان الواقعي والمكان الروائي، فالأول له وجود عيني في الواقع الخارجي، والثاني عنصر فني تابع لأغراض التخييل، تصنعه الكلمات، فتغدو له مقوماته الخاصة، وأبعاده ( سيزا قاسم ). كما أنه ثاو في خيال المتلقي، يثيره الإيحاء اللغوي وأي تطابق بين المكانين فهو تطابق وهمي.
وتنبع أهمية المكان في الرواية من كونه ملتقى كل العناصر الروائية كالأحداث والشخصيات، وعلاقاتها المتشعبة، فهو الذي يؤطر فعلها ووجهات نظرها، ورؤية البطل ومنظور المؤلف، ويساعد على تطوير البناء الروائي.
في رواية « أحلام مؤجلة « لكاتبها عبد السلام بزيد ( الطبعة الأولى 2019 ) يحضر المكان بشكل مكثف ولافت للانتباه. ويتيح ذلك إمكانية تناوله من خلال ثنائيات متعددة: مفتوح ـ مغلق / ثابت ـ متحرك / عام ـ خاص. وهي ثنائيات يمكن التوفيق بينها لمقاربة بنية هذا المكون، ومقاربة دوره في بناء المواقف.
« أحلام مؤجلة « رواية لا تتخذ المكان مجرد خلفية تتحرك أمامها الشخصيات أو تقع فيها الأحداث كما في الرواية الكلاسيكية، بل تعرضه من زاوية الراوي، والشخصيات، والأحداث، والأفكار، من خلال تفاعلها جميعها، ليعبر في نهاية التحليل عن موقف الكاتب، وإيديولوجيته. فهو إذن يحضر بوصفه تجربة ـ بتعبير غالب هلسا ـ تحمل معاناة الشخصيات، وأفكارها، ورؤيتها للمكان، وتثير خيال المتلقي فيستحضره بوصفه مكانا خاصا متميزا.
وأهم الأمكنة التي تشكل فضاء الرواية :

1 ـ القرية:

كثيرا ما يحضر هذا المكان المفتوح والثابت ـ عند المثقـف وغيره- باعتباره فـضاء مناقضا لـفضاء المدينة. والقرية في حضورها هذا غالبا ما تتزين بثياب الفضيلة والنقاء والعفة والطهارة، لكنها عند الكاتب عبد السلام بزيد تخرج عن هذه القاعدة، لأن معظم شخصيات الرواية تضيق بها القرية، فتخرج منها هائمة على وجهها.
منها خرجت سمية هاربة من زوج الأم لتعانق المجهول، وخرج عيسى بحثا عن أفق جديد، وعن سمية بعد أن أنهكته العطالة وحياة القرية، ومنها خرج سحتوت بائع المخدرات ليقضي عقوبته السجنية، وخرج الخريج الجامعي الجديد للبحث عن شغل، فعاد خرقة بالية بعد أن سحقته سيارة الشرطة في مظاهرة للمعطلين، ومنها يخرج الفلاحون للنبش في حقولهم أو لركوب وسائل نقل مهترئة توصلهم إلى المستشفى بحثا عن قطرة دواء.
ولأن شخصيات الرواية مغلوبة على أمرها، وتعيش مأساة مضاعفة، فقد بدت القرية من وجهة نظرها فضاء سوداويا، ومعاديا، يمارس عليها حرب استنزاف، كاشفا بذلك عن تعدد رمزيته، وغناها.
هذا العداء تساهم فيه طبيعة القرية، وطبيعة أهلها، والعلاقات السائدة بينهم. ومن مؤشرات ذلك: تبادل السكان السباب والنميمة، انتهاء صلاحية سلعة الدكان منذ أمد بعيد، عدم توفر طبيب في المستوصف، هدوء القرية وجهلها يجبران البطل على الرحيل ( ص 9 ) حوار أم عيسى الدائم مع حيواناتها ( ص 18 )، أصوات القرية تبعث على الاشمئزاز ( ص 25 )، سكون البيوت الطينية شبيه بالموت( ص 25 )، الإحساس بكون المكوث في القرية يؤدي إلى الشلل ( ص 35 ) ترويج المخدرات دون حسيب أو رقيب ( ص 26/49 ).
غير أن انتقال الشخصيات من القرية إلى المدينة قد ساهم في نموها وتطور مواقفها، ومن ثمة تغيير نظرتها إلى فضاء البادية. فعيسى بعد أن تزوج من سمية، ووهبهما مشغلهما كل ممتلكاته، عاد إلى القرية « وقد تغيرت نظرته، فصار كل شيء معبرا ولم يعد صمتها رهيبا ـ ص 84 « بل بعد موت مشغله باع معظم ممتلكاته، وعاد ليستقر في القرية. وسحتوت ( بائع المخدرات) أثناء قضائه عقوبته السجنية التقى بشخصيات جديدة لعبت دورا بارزا في تحوله ـ وإن كان هذا التحول غير مقنع ـ فعاد إلى قريته ولم يتعرف عليه معظم أهلها، وتسلم أمور المسجد، وأصبح مشرفا عليه ( ص 107 ).
هذا الإحساس تجاه المكان ( العداء ـ الألفة ) لا يوجد خارج الذات بل داخلها كما يقول باشلار. وهذه العاطفة المثالية، والعودة إلى المنابع الأولى تضفي على الرواية ملمحا رومانسيا واضحا، يشي بموقف الكاتب.

2 ـ الغرفة العلوية:

هي مسكن المجاز المعطل ( عيسى و الخريج الجديد ) يطل منها على عالم القرية، فيتسلى بالنظر إليها أو يتأمل سقف الغرفة، وزواياها أو يشرع نوافذ خياله لتذكر من سبقه من أبناء القرية إلى العطالة ( ص‌25/ 28 / 59).
الغرفة العلوية مكان يحقق له الدفء والحماية، فيه يغرق نفسه في التدخين أو يحاول النوم والهروب إلى عالم من الأحلام الوردية، عله يخفف من قلق البحث المستمر.
إن التجاء شخصية المعطل إلى هذا المكان الداخلي المغلق، وراءه رغبة ملحة في تعميق وجودها وتحقيق حضورها القوي. لكن بحثها يصاب بالفشل، فيضايقها الهدوء والفراغ. في هذا العالم يتسامى البطل وينفصل عن الواقع. لذلك فهو يمثل معادلا موضوعيا لهروب المعطل / المثقف وانعزاله في برجه العاجي.

3 ـ المدينة:

مكان مفتوح على المجهول، يقصده القرويون هروبا من جحيم القرية، وهدوئها القاتل، أو لقضاء مآربهم المختلفة. التجأ إليها أبطال الرواية تباعا:
ـ سمية: هروبا من زوج الأم؛
ـ عيسى: بحثا عن أفق جديد، وعن سمية؛
ـ المتخرج الجامعي الجديد: بحثا عن شغل، أو شفاء من المخدرات.
بحث فيها المتخرج الجديد عن شغل حتى التصق حذاؤه برجله، فصارا قطعة واحدة( ص77 ) ثم قادته الظروف إلى الانخراط في المظاهرات أمام البرلمان عندما اكتشف صدفة أن مطالب المتظاهرين هي نفسها مطالبه، وقادته إلى مواجهة قوات القمع حتى دهسته سيارة الشرطة كـأنه قط، أو قطعة بالية من الثوب، فماتت بموته أحلام الأم المنتظرة ( ص 79 ).
هذا الفضاء كشف (من زاوية الراوي / الكاتب ) طبيعة أزمة البطالة التي تخنق المجتمع المغربي، والمقاربة الأمنية في التعاطي معها، وكشف مستوى تكوين الخريجين الجامعيين، ووعيهم النضالي. وهو كشف لا يخلو من فضح وتشهير.

4 ـ المقهى:

يوجد في حي شعبي، احتضن سمية، وحماها من المجهول، وبذلت سمية من جهتها قصارى جهدها في العمل فحلت البركة، وبدأت آثار النعمة تظهر على مالكه، الذي عوضها فقدان الأب( ص 12 )
يلتجئ إليه عيسى حين يهرب من هدوء القرية، وجهل أهلها، فيلتهم الجرائد التي تركها الزبائن. فيه التقى سمية، وكونا علاقة انتهت بزواجهما، وامتلاك المقهى ( ص 92 ).
نشأت بينهما وبين المكان علاقة استثنائية، من خلال العلاقة الجدلية التي ربطت الطرفين، فالمقهى احتضنهما وحماهما من الضياع والتشرد، وأخلصا هما في العمل، فأعطياه قيمته من خلال تجربتهما، فتضاعفت الأرباح، وأصبح المقهى دون سمية ( حين غيبتها ظروف الحمل ) مكانا موحشا مثيرا للشفقة، وفي أمس الحاجة للمسة أنثوية رقيقة. لقد كثف وجودهما، وحماهما.
هذا المكان الحميمي جعلهما يعملان على تثبيت لحظات الألفة والوجود. وهي لحظات ستمتد عميقا، عندما استثنيا المقهى ولم يبيعاه مع جميع ممتلكاتهما.

5 ـ الدرب:

مكان مفتوح على الانطلاق و الحرية، وجسر يربـط بين المقهى وغرفة سمية ، ضوءه خافت، عبرته سمية وعيسى مرات عديدة متشابكي الأيدي تغمرهما السعادة والفرحة في مناجاة عميقة ( ص 24 ). يرتبط حضوره بزمن الليل إلى درجة يصعب معها فصلهما. هو معبر من الحياة العامة إلى الحياة الخاصة، معبر من ضغط الواقع وإكراهه إلى واقع أبيقوري مختلف.

6 ـ غرفة سمية:

تتعدد دلالتها ورمزيتها بتعدد زوايا نظر الشخصيات. مكان يبيح ما لا يباح. يبيح حرية الحركة، وحرية الفعل. يقترن حضورها بالدلالات الآتية:
ا ـ الجنة أو الفردوس: تسكنه الشياطين والعفاريت، نزل بها عيسى فتسلم هدية ربانية جزاء صبره على عطالته ( ص 13 / 22 )، تسلم سمية، فاستلذ جسدها واستمتع به، واستمتع بقبلها التي تمطرها كالسماء ( ص 24 )، وبتدليكها رجليه بالماء الدافئ، وبالراحة حتى تغيرت بشرته.
لكنها جنة لا تخلو من اختبار ( يشبه اختبار آدم ) إذ كشفت زيف مجموعة من شعارات عيسى، وأفكاره: ( الدفاع عن المرأة وانتهاك جسدها / سقوط فكره الثوري اليساري حين قبل صدر الحاج وقبل هديته . ص 84). هذا الزيف هو المعصية الكبرى التي ارتكبها عيسى، وفضحتها مواقف السارد.
ب ـ الكون: امتلكته سمية حين استسلمت للذتها الشيطانية وسلمته نفسها، فأحست أنها امتلكت الكون كله ( ص 21 )، ثم عملت على إمطاره قبلا، وخدمته بكل تفان. في هذا الكون نفسه ستلتقي بأمها بعد غياب طويل لحظة عقد قرانها مع عيسى، « لحظة توقف فيها الزمان عن الدوران، وأدمعت المقل وتاهت الكلمات ص 82».
ج ـ الجحيم: يبعث الهلع في نفوس الجارات والخوف على أزواجهن من جمال سمية الآسر وإغرائها ( ص 12 ). فكأن سمية تفاحة والأزواج أبناء آدم وورثته الشرعيون، لكنه جحيم مؤقت، إذ سرعان ما تغير موقف النساء فنشأت بينها وبينهن علاقة ود وتعاون، حين اكتشفن الطبيعة البشرية لسمية، تلك الطبيعة التي تجعلها مثلهن، تخاف، وتمرض، وتترجى، وتيأس، وتضعف، وتبحث عن حضن يحميها…
وكأن الرواية بهذا التصور تنتصر للحياة ومتعها ضدا على كل الأصوات المتغنية بالألم والعذاب والخطيئة.
7ـ المستشفى:
مكان تمتهن فيه كرامة الناس، ويحرمون من حقهم في العلاج والمعاملة اللائقة، مكان اعتمدته الرواية لتمرير موقف الكاتب النقدي للوضع الصحي في المجتمع الذي تصوره الرواية، من خلال رصد مجموعة من الخروقات ومظاهر الفساد المستشرية في دواليب هذه المؤسسة التي يفترض فيها تغليب الضمير المهني، وخدمة الإنسان. هذا الموقف النقدي نستشفه من مؤشرات عديدة منها:
طبيب المداومة يزدرد فطوره كعادته ممزوجا بآهات المرضى وأنينهم الذي يقطع الأوصال (ص 40)؛
الممرض الرئيسي يحاول التملص من المرضى لينعم الطبيب ببعض الراحة (ص 40)؛
الممرضات في أبهى زينتهن … يتملصن بدورهن من المرضى ويتفنن في إهانتهم ( ص 40) ؛
الطبيب يباشر عمله وهو يسب ويلعن هذا الصباح الذي استهله بهذه الحالة (ص 40)؛
امتلاء المستشفى بأجساد أنهكها ركوب الجرار … أسند الكل ظهره إلى حائط المستعجلات منتظرين حتى أعياهم الانتظار (ص 41).

8 ـ المكان المتحرك

ا ـ الحافلة:
مكان متحرك يربط بين القرية والمدينة، حافلة خضراء قديمة تصلح لكل شيء إلا السفر، زجاجها مكسور، وأبوابها صدئة، مهترئة، تصدر صريرا كأبواب السجون، ستائرها بالية يمسح فيها الركاب مخاطهم وأيديهم. فيغدو السفر على متنها قطعة من عذاب ( ص 11 ).
ب ـ سيارة البيكوب: يقبع فوقها عيسى على أكوام البصل، والسلع الموجهة إلى القرية ( ص 14 )، كأنه بضاعة، وهي لحظة تجسد معنى التشيؤ الذي تناولته مجموعة من الدراسات النقدية الروائية.
ج ـ سيارة الشرطة: تذكر فيها سحتوت أيام الحرية، والأسباب التي صنعت منه مجرما ( انفصال الوالدين، الانقطاع عن الدراسة، الرفقة السيئة، القدر…ص 66 ) إنها مكان لإنعاش الذاكرة، واستحضار الماضي لدواع مختلفة، حداها التلذذ و الحسرة.
د ـ الدراجة الهوائية: دراجة سحتوت «البزناز» تصدر الكثير من الضجيج . دراجة مهترئة يمتطيها لتوزيع السباب والآفات على الناس البسطاء، وفرض قوانينه الخاصة، القائمة على القوة والبطش ( ص 26 ).
الفضاء المتحرك في الرواية لم يقدم من زاوية وظيفية، تبرز دوره في الرقي بحياة الناس وتسهيلها، من خلال تقليص المسافات أو تقريب المؤن، أو تطبيق القانون… بل ركزت على دلالته السلبية المتجلية في طابعه القهري والتسلطي الذي يمتهن الإنسان، ويذل كرامته وإنسانيته، ويحوله إلى سلعة رخيصة، أو خرقة بالية تدوسها العجلات بلا رحمة.
8 ـ المحمكة
قبو المحكمة تنبعث منه رائحة السجائر النتنة، ورائحة البول التي تزكم الأنوف، به كراس متراصة قد اقتلع غشاؤها، ويكيل فيه رجال الشرطة السجناء أنواع السب والشتم عند اقترافهم أبسط الأخطاء. ويجمعونهم كما تجمع الشياه عشاء ( ص 66 ـ 67 ).
ولأن المكان امتداد للشخصية فالأوصاف التي أضفاها السارد على فضاء القبو تتعدى حدود الوصف الفيزيقي إلى كونها تعبيرا مجازيا عن الشخصيات، تعبيرا يروم إشراك المتلقي وجدانيا في رفض هذا المكان، وقيمه.
9 ـ السجن: مكان معاد للشخصيات، يمارس عليها القهر والعنف، ويجردها مما تبقى فيها من قيم إنسانية، من خلال طبيعته، و موظفيه، وعلاقاته.
طبيعته: يحفه سور كبير مسيج بالأسلاك الشائكة. وزنزانة لا تتسع إلى كل تلك الأكوام البشرية، مرحاضه لا يتعدى ثقبا في الأرض مكشوفا للجميع، وتنبعث منه الروائح الكريهة، فتجعل النوم حلما صعب المنال. ( ص 56 ).
موظفوه:
ـ شداد، غلاظ، لا رحمة في قلوبهم، يتكالبون على المساجين بالسب والشتم والتهديد بأنواع التعذيب المذلة. ( ص 57 ) ؛
ـ الموظف السمين نموذج صارخ للاستغلال حيث لا يكل من المضغ، وسلب المساجين أشهى الأطباق والفواكه، و تكديس كل ما تقع عليه عيناه في جيوب بذلته. ( ص 88 )؛
ـ رئيس المعقل بصق في مؤخرة سجين متمرد فكانت هذه آخر مرة يثور فيها ( ص 102 )
ـ النائب نفسه يخاطب الأظناء بغلظة ( ص 56 )؛
علاقاته:
تنتشر كل أنواع الرذيلة بالسجن، مثل اللواط، والمخدرات، والاستغلال، وتقطير الشراب. مما يسبغ عليه كآبة وحزنا ( ص 57 ). لكن رغم ذلك تقدم لنا الرواية ـ من منظور نقدي شامل ـ تصورا آخر يرى السجن أرحم من العالم الخارجي حيث تلتجئ إليه بعض الشخصيات وكأنها تفر من غول ( ص 87 )

خلاصات:

توظيف المكان في هذه الرواية يسمح باستنتاج الخلاصات الآتية:
إن المكان وسيلة للتعبير عن مقصدية الكاتب، ورؤيته الإيديولوجية التي بثها في ثنايا مواقف الشخصيات. وهي رؤية تروم الإيهام بواقعية المحكي، ويغلب عليها النقد والإدانة. إدانة المكان والقيم معا، قيم القهر والإهانة والظلم والفساد والتنكر للمبادئ… ولا تخلو من تمجيد قيم أخرى مغايرة كالحب، والإخلاص في العمل والوفاء والجمال؛
وصف المكان يتعدى حدود الرؤية الخارجية، ويدفع المتلقي إلى المشاركة الوجدانية، والتفاعل مع النص بتلقي جمالياته وإنتاجها ، ومشاركة الشخصيات في رفض الأماكن المعادية وقيمها، والترغيب في الأماكن الأليفة وقيمها.
علاقة الشخصيات بالمكان لم تكن علاقة تأطير يمثل فيها المكان خلفية لتحرك الشخصيات فحسب، بل كانت علاقة تأثير وتأثر، حيث كشف المكان عن مجموعة من الحالات الشعورية واللاشعورية للشخصيات وساهم في التحولات الداخلية التي طرأت عليها، مقابل ذلك أعطته هي قيمته ومعناه، فضمنته أحاسيسها وأفكارها، هذا التفاعل هو ما أعطى بعدا جماليا للنص.
لعب المكان دورا أساسيا في تعميق الإحساس بالاغتراب أو بالانتماء لدى شخصيات الرواية ( الاغتراب عن الأماكن المعادية: القرية الغرفة العلوية / المكان المتحرك …/ الانتماء للأماكن الأليفة: غرفة سمية /المقهى/ القرية لاحقا… )
المكان في هذه الرواية يحمل قيما معينة أو يمثلها أو يرمز إليها، وهي قيم تختلف من مكان إلى مكان ( القرية / المدينة ) أو حتى في المكان نفسه في أوقات مختلفة ( القرية قبل الزواج وبعده ) أو من زاوية نظر شخصيات متباينة ( القرية من زاوية نظر عيسى وزاوية نظر أمه )
من أهم الوظائف التي يحققها وصف المكان في هذا العمل الروائي:
ـ التمهيد لمزاج الشخصيات باعتبارها فاعلا أساسيا في بناء الرواية،
ـ إبطاء السرد والحد من تدفقه، والتخفيف من حدة الأحداث وقهرها من خلال بث صور شعرية و تعابير رومانسية مدغدغة للعواطف ومثيرة للخيال.
لم يضف الكاتب على الأمكنة المتنوعة من الصفات ما يجعلها تعكس فروقا اجتماعية ونفسية وإيديولوجية عند شخصيات الرواية، ذلك أن تركيزه على وجهات نظر الشخصيات الرئيسية جعله يقدم صورة نمطية عن هذه الأمكنة، وجعل كل الشخصيات تتكلم لغة واحدة هي لغة الكاتب نفسه، وقدم أمكنة معهودة عند المتلقي، فأغفل بذلك زوايا نظر أخرى من شأنها ـ لو وظفت ـ أن تمنح المكان دلالات أخرى مغايرة، وتمنح النص درجة أعلى من الجودة.


الكاتب : محمد كروم

  

بتاريخ : 11/10/2019

أخبار مرتبطة

للحديث عن تجربة الأستاذ أحمد المديني الإبداعية لا مناص لكلّ دارس من العودة إلى بداياته الأولى، بالانطلاق من باكورته القصصية

  تسعى هذه المداخلة إلى بيان كيف استطاع المؤلف وبقدرات فنية عالية الدقة أن يشتغل على توظيف المتخيل أو المحكي

علاقتي بشعر عبد الكريم الطبال، علاقة قديمة ترتد إلى أيام الطلب الجامعي، وإلى عهد «العلم الثقافي» الأغر الذي طلع علينا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *