جواد النوحي: انطلاق تفعيل ورش الحماية الاجتماعية يجسد الحاجة الماسة لتدخل الدولة الاجتماعية بالمغرب

 

o يسجل في السنوات الأخيرة تزايد تدخل الدولة وتنامي أنشطتها، كأستاذ ومتابع للسياسات العمومية، كيف تقرأ هذا التدخل؟ وهل في نظرك يمكن الحديث عن فعالية السياسات العمومية المتخذة في تحقيق الأهداف والمرامي المعلن عنها من طرف المدبر العمومي؟

n الأكيد أن المرحلة الحالية تشهد فعلا متناميا للدولة، ولا يمكن قراءة ذلك خارج تزايد حجم المشاكل العمومية والقضايا المطروحة، مما أثر على أجندة المقررين، وبقراءة هذه الأجندة يبرز أن الدولة أضحت تواجه نوعين من المشاكل العمومية. يهم النوع الأول المشاكل الاعتيادية التي تعود صناع السياسات العمومية التعامل معها، وتقوت لهم القدرة على إدراك المعطيات حول المشكل وعن الحلول الممكنة والعقبات التي تعوق اتخاذ القرار أو طرح البدائل، ويدخل في ذلك على سبيل المثال تدبير البطالة، أزمة السكن وغيرها من القضايا. ويهم النوع الثاني، المشاكل الطارئة التي تشكل التحدي الأقوى للدولة، وأبرز مثال على ذلك، التحديات الناتجة عن جائحة كوفيد 19 التي أفرزت حدثا غير مسبوق ظهر أنه لا يمكن تدبيره بالحلول الاعتيادية.
وارتباطا دائما بسؤالك، يبرز أن قراءة السياسات العمومية في المغرب لا تمكن خارج الدور المركزي للدولة ومؤسساتها. ذلك أنه بالرغم من خطاب الليبرالية والانخراط في منظومة العولمة، فإن الحاجة إلى الدولة في المغرب تبقى قوية، وأن المركز يبقى المدبر للقضايا والمشاكل الأساسية. فالاستنتاج الرئيسي الذي يمكن تقديمه أن بقراءة تدبير السياسات العمومية يتضح أن لا الجهوية تكرست فعليا، ولا القطاع الخاص تحول إلى فاعل أساسي في التنمية، وأنه من الصعب في الظرفية الحالية تحقيق التنمية ومواجهة الخصاص المسجل في العديد من المجالات خارج دور مؤسسات الدولة. وأثبت تدبير الجائحة منذ مارس 2020 هذا الوضع، فالقطاع العمومي هو الذي تحمل عبء تدبير المرحلة. وكمحصلة لذلك يمكن تقديم خلاصة رئيسية في قراءة فعل الدولة في المغرب فأزمة ممتدة كالجائحة الحالية تثبت انهيار فكرة تراجع الدولة وتقوي أسس الدولة المتدخلة، والحاجة إلى الدولة الاجتماعية. وتقدم التدابير التي اتخذتها الحكومة من خلال قانون المالية المعدل، وأيضا من خلال قانون مالية سنة 2021 الدليل على هذه الفكرة، وأيضا بعد المصادقة على قانون إطار للحماية الاجتماعية منحى اتجاه السياسات العمومية في المغرب، والتي تعطي الأولوية بالأساس للتوازن بين دعم القطاع الخاص والانعاش الاقتصادي ومواجهة الهشاشة الاجتماعية.
وجوابا على الشق الثاني من السؤال المرتبط بتقييم أداء السياسات العمومية ومدى النجاح في تحقيق الأهداف المعلن عنها في البرامج، فمن الصعب تقديم جواب بدون تقييم كل فعل الدولة لمواجهة مشكل عمومي أو دراسة برنامج أو سياسة عمومية. غير أن السمة العامة أن هناك فجوة في الغالب بين الهدف المعلن من كل تدخل والزمن المصرح بتحقيقه والنتائج والآثار الملموسة، وإن كان لذلك أسباب متعددة، فإن أهمها بالأساس هو غياب الالتقائية بين السياسات العمومية المتخذة، وأن بلورة الحكومة للحلول لا يزال يفكر به بمنطق المقاربة القطاعية أكثر منها بمنطق شمولي، وأنه يدبر بدون تنسيق بين المتدخلين المعنيين.

o انطلاقا من هذه القراءة العلمية التي تطرقتم فيها للخاصية المميزة للسياسات العمومية في المغرب، في نظرك هل يوفر حقل السياسات العمومية كتخصص معرفي الإمكانية لتحليل فعل الدولة في المغرب؟

n في نظري هذا سؤال مهم ويفتح نقاشا نظريا وعمليا عميقا عن إحدى الإشكالات الكبرى في قراءة السياسات العمومية في المغرب. وأول ملاحظة يمكن إبداؤها بهذا الخصوص أن الاهتمام العلمي بالسياسات العمومية في المغرب يبقى حديثا وأننا نعيش الجيل الأول من الدراسات حول الموضوع، وأنه لا زال هناك فهم لمفهوم السياسات العمومية خارج التعريف السائد في البراديغم الغربي. وتهم ثاني ملاحظة أن المنتوج الأهم حول السياسات يتم إنجازه من طرف مؤسسات الرقابة والحكامة ومكاتب الخبرة الأجنبية، وأن الجامعة لا تساهم بالشكل المطلوب في مثل هذه الدراسات، فانخراط الباحث الجامعي في الموضوع ليس بالمستوى المطلوب، ولذلك أسباب متعددة من الصعب التفصيل فيها.
وتهم الملاحظة الثالثة، أنه أمام حداثة الاهتمام بالسياسات العمومية سواء من طرف الباحث أو الفاعل تبرز صعوبة لدى العديد من المؤسسات الدستورية في ممارسة الاختصاص المرتبط بممارسة وظيفة التقييم للسياسات العمومية، وهنا يتعلق الأمر بالمؤسسة التشريعية، إذ من الرصد والتتبع للممارسة البرلمانية على امتداد ما يقارب عشر سنوات من إصدار الدستور الحالي، يتضح أن البرلمان يجد صعوبة في ممارسة وظيفة تقييم السياسات العمومية التي أسندها إليه الدستور بموجب الفقرة 2 من الفصل 70 منه. ذلك أننا لا زلنا أمام وظيفة غير مفعلة بالشكل المطلوب في لحظة تظهر الحاجة الملحة لممارسة البرلمان لوظيفة التقييم، والدليل على ذلك محدودية مجلسي البرلمان في ممارسة الاختصاص المناط بهما بموجب الفقرة 2 من الفصل 101 من الدستور، والتي تنص على أنه: ” تخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها”.

o ارتباطا بالممارسة البرلمانية. لقد تم افتتاح في الأسبوع السابق الدورة الثانية من السنة التشريعية الحالية، ما هي في نظرك أهم الرهانات التي ستهيمن على هذه الدورة في وقت يقبل فيه المغرب على الاستحقاقات الانتخابية؟

n بكل تأكيد لهذه الدورة أجندتها ورهاناتها، فعلى المستوى التشريعي سيتم استكمال العديد من النصوص، فهناك حديث عن القانون المتعلق بإحداث هيئات للتشاور، وأيضا تعديل القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، والقانون المتعلق بمجلس المنافسة. كما قد يهم المصادقة على القوانين التنظيمية المتبقية، ويتعلق الأمر بالقانون التنظيمي المتعلق بالإضراب وبالدفع بعدم الدستورية. ولا يمكن إغفال استمرارية مباشرة البرلمان لوظيفة الرقابة والتقييم.
الأكيد أن هذه الأجندة تبدو في الغالب عادية لكن ستتأثر بظرفية الانتخابات، بحيث لا أتصور أن هذه الدورة ستخرج عن المعتاد للدورات الأخيرة في الولاية التشريعية، بحيث سيحكم الصراع الانتخابي على أعمالها، وأن التجاذب سيتقوى حول بعض القضايا، فالمتوقع أن تفكير الفاعل الحزبي سينصب على استثمار المجال البرلماني لتحقيق مكاسب انتخابية.
أستاذ السياسات العمومية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- أكدال الرباط


الكاتب : حوار: عبد الحق الريحاني

  

بتاريخ : 21/04/2021