«طعم المُرَبَّيات» للشاعر والكاتب سعيد عاهد

طفولة يهودية في المغرب

 

في إطار الدخول الثقافي، إن صح هذا التعبير مغربيا، أصدرت «الفاصلة للنشر» بطنجة الترجمة العربية لمجموعة محكيات الكاتب المغربي اليهودي بوب أوري أبيطبول (طعم المربَّيات: طفولة يهودية في المغرب)، وقعها الإعلامي والشاعر والمترجم سعيد عاهد.
وتقع الترجمة في حوالي 340 صفحة من القطع المتوسط، مع تمهيد من توقيع المترجمة آرلت ساندرز، وكذلك قراءة في المجموعة للكاتب والإعلامي محمد أمسكان المتخصص في الثقافة والفن المغربيين اليهوديين، انتقى لها عنوان «حكواتي قادم من الدار البيضاء».
ومن ضمن ما ورد في تمهيد المجموعة: «سيجد الكثيرون أنفسهم في هؤلاء الشبان المراهقين ذوي السمرة اللطيفة والعيون الفوارة، وآخرون غيرهم سيتذكرون بتأثر تلك الشخصيات التي أثثت مغرب ماضيهم؛ شبان وشخصيات يُلقي المؤلف عليهم نظرة نادرة اللطف.
«بأسلوبه المتفرد جدا، الذي يجوز تصنيفه كحديث شفوي مكتوب تطبعه رنة موسيقية تجعل القارئ يحس الأشياء، ينير لنا هذا الرجل صاحب القلب الكبير الذي لا يحجب مشاعره، بصورة عكسية سعينا إلى الطفولة، موصلا إيانا برفقته من التيه المختلف الأصناف إلى الخلاص المتعدد التمظهرات.
«وهو يتمكن، من خلف المرآة التي تشوه الذاكرة، من استشعار لحظات حياة وجعل معناها أكثر عمقا.
«يمضي تفكيره مثلما تمضي قاطرة: الصور كلها تتسارع مجتمعة، تتزاحم، تمتزج لتحقيق تحليقها، وفي خضم فورتها، يضعنا المؤلف على سكة ماضينا.
«كثر عمقا.
صور نتعرف ضمنها على أنفسنا، صور نفتتن بأنفسنا داخلها ونسترجع ذلك الصدى الساكن كل واحد منا.
«هي أحيانا مشاهد طبيعية ذات جمالية استثنائية، غروب شمس لامع في أنفا، رجل على ظهر حمار في وادي أوريكا؛ وأحيانا طُرفة ينفطر لها القلب ( نسيان دعوة لا يُغتفر)، صور غير منطقية ( خمسة أطفال يركبون دراجة « سوليكس « واحدة، خادمة صغيرة تكشف عن ردفيها…)؛ وأحايين أخرى صور تنبعث منها روائح بكل بساطة (أزقة الملاح، « دفينة « أمهاتنا).
«إن المؤلف محفز، كاشف للنظرة الحميمة التي نرى عبرها أنفسنا، وهو يجعلنا نستشعر اهتزازاتنا ونتشرب ونتلذذ بملذات سبر أغوار الذات.»
وفي قراءته لـ «طعم المُربَّيات»، يكتب محمد أمسكان: «(…) يعكس المسار الأسري لبوب أوري أبيطبول، إلى مدى كبير، مسارات الطائفة اليهودية المغربية، المشتتة عبر أرجاء العالم حاملة المغرب في القلب والوجدان. فالكاتب، سليل مدينة الدار البيضاء، استقر أولا في باريس لبضع سنوات، ليهاجر بعدها إلى كندا، إلى مونتريال بالضبط حيث اشتغل في ميدان الموضة. وسنة 1980، سيشد الرحال إلى المكسيك، وهناك سيؤسس وكالة للعلاقات العامة وتنظيم التظاهرات الفنية والثقافية، وعقبها استقر، سنة 2000، في لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، لينشئ رواقا للفنون التشكيلية، ويهندس العديد من مشاريع عروض الفرجة والسيرك والمسرحيات الموسيقية… متعاطيا للعنته الجميلة والمفضلة: الكتابة.
«إثر نشر عدة نصوص ضمن مجلات تصدرها الطائفة اليهودية، سيهب بوب أوري أبيطبول قراء اللغة الفرنسية كتب محكيات («طعم المُربَّيات»، و»صقور موگادور»، و»حب مدام كوهين المحرم» و»مقهى براغ»)، ودواوين شعرية («ما وراء حدود الإنسان»، و»جمال العالم» و»أنبياء وقتلة»)، دون إغفال مسرحيات تم إنتاجها وعرضها.
«قرأت مجموعة «طعم المُربَّيات» بلغتها الأصلية قبل وقت غير وجيز، لكن الاطلاع عليها باللغة العربية يكتسي نكهة مغايرة، ذلك أن لغة وترجمة سعيد عاهد الألمعيتان أعادتا للمحكيات موسيقيتها وشفويتها العبرية الشعبية المميزة لأطفال الدار البيضاء. إن المحكيات، وهي مقتضبة، تهب نفسها للقارئ كأنها حكايات من ألف ليلة وليلة. وضمنها، يستعيد الكاتب، بلغته وأسلوبه الرشيقين والمجازيين، أجواء الماضي، وشلة الأصدقاء وحي فردان، وخاصة زنقة لوسيتانيا الشهيرة والحاضرة بقوة بيعاتها، وفرنها التقليدي، ونادي الرابطة بين ظهرانيها، ودكاكين احماد ومحمد، وباعتها المتجولين، وفقرائها، وإسكافيها حانانيا، الذي سيلتقيه المؤلف في الزنقة ذاتها بعد مرور حوالي ثلاثين سنة على هجرته(…)».
وتتضمن الترجمة العربية للمجموعة 32 نصا يغلب عليها السرد رغم أن بعضها يعانق الشعر، وهي لا تخلو من نَفَس ساخر وموزعة على سبعة عناوين رئيسة: الكلمات، وزنقة لوسيتانيا، وأهوائي المتفردة، وشخوص حيي، وأمي، وجذور وصقور موغادور.
وفي اتصال بالجريدة، أوضح سعيد عاهد أن مشروع ترجمة «طعم المربَّيات (طفولة يهودية في المغرب)» تم الاتفاق عليه مع المؤلف، بمبادرة من الكاتب والإعلامي محمد أمسكان، في شتنبر 2000، وأنه كان جاهزا قبل سنة تقريبا، لكن انعكاسات الجائحة على مجال النشر والطبع حالت دون صدوره من قبل. ويضيف أنه اقترح على الكاتب، بعد مراجعة النص الأصلي، حذف بعض المحكيات من الترجمة لأنها لا تتوافق مع تيمته الأساس المتمثلة في رصد معالم طفولة ومراهقة يهوديتين في مغرب ما قبل الاستقلال وبعده بمدة وجيزة، وكذا الهجرة من البلد الأصل والحنين الدائم إليه والانطباعات المتولدة عن العودة إليه سنوات بعد ذلك، وهو ما وافق عليه بوب أوري أبيطبول عقب نقاش مع المترجم.
ونقرأ ضمن أجواء المجموعة: «جلت العالم إذن عدة مرات، ناشدا حقائق كانت منفلتة مني، وتستمر كذلك إلى الآن، ليتواصل بحثي عنها. وبعد جميع سنوات التيه هذه، والتجوال في مدن غريبة لبثت كذلك بالنسبة لي، أنا الغريب وسط الغرباء، رجعت إلى الجذور، إلى حي طفولتي السعيدة المبارك؛ غادرت مونتريال الباردة والحزينة وثلجها، لألقى مجددا، بشكل كنت أظنه تلقائيا، النور الساطع لمسقط رأسي.
«آه يا أمكنة خطواتنا الأولى! صداقاتنا الأولى! ميولنا العاطفية الأولى! يا مهد طفولتنا! آه يا قصور رمل آمالنا الأكثر جنونا التي يأتي البحر لمداعبتها قبل ابتلاعها ببطء! آه يا أيها الرمل الدافئ الذي ينساب بين أناملنا كحياتنا! المتعذر على الحجز! كالريح التي تكرر نفسها إلى ما لا نهاية بين أغصان أشجار السنط والزيتون! أريد أن أبوح لك بأحزاني وأفراحي، من قبيل الارتجافات التي تطفو، خفيفة، على أمواج بحري المتوسط المعشوق، أو على مياه بحيرات كنداي، كندا الغريبة والقصية.
«(…) أما جدتي، فلم يجد النسيان سبيلا إليها. هكذا، فهي لم تتوقف، طوال مقامها في كندا، عن الإفصاح لنا، مرارا وتكرارا، عن حبها لبلدها الأصلي وعن افتقادها لكل شيء. وهذا، بدون ترتيب، بعض ما كانت تحن إليه، دون الإشارة بالطبع للطقس والبحر لأن الحنين إليهما بديهي: الخادمة المنزلية، بقال الزنقة، جودة الخبز، الحمام المغربي، جاراتها، صديقاتها، بيتها الذي كانت تتصوره شاسعا جدا، عملها، «لا كوت» ونزهتها اليومية في الشاطئ… حتى مشروب «بيبسي»، وفق أقوالها، كان له طعم مغاير!»


الكاتب : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 15/10/2021

أخبار مرتبطة

جرى مساء الثلاثاء الماضي بمسرح محمد الخامس بالرباط حفل تقديم وتوقيع كتاب للمؤلف والمخرج المسرحي عبد الواحد عوزري، يحمل عنوان

من ذا الذي مازال يتذكر زغلول مرسي؟ قد لا أبالغ بقولي إن الجواب عن هذا السؤال سيكون بالنفي. وإن من

«لو أن الإنترنت كانت اقتصادًا قوميًا أو اقتصاد دولة، فإنها كانت ستُصنّف بين اقتصادات العالم الخمسة الأولى، أي بعد الولايات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *