«ليس إلا.. فراشات وأصابع» يا قطار منتصف الليل .. العثور على شعرية الهايكو المغربي للشاعر مصطفى قلوشي

 

مصطفى قلوشي،من الأسماء المبدعة التي حلقت في دنيا قصيدة النثر، وبعد اختمار التجربة ،فتح نافذة الشعر على الهايكو ،حيث الاختزال والتكثيف والتلميح، بالقليل من أجل الكثير، للوصول إلى  المقصدية، عبر منحدر شائك أو  مائي أو  مستطيل، وغالبا مايكون
دائريا، للعودة إلى  الإشارة بدهاء وذكاء.
جرت العادة في أي  عمل شعري أن  نستظل بعنوان العمل لنعود
إليه ، وتبعا لذلك نبدأ من «ليس إلا «، ليس إلا هذا الهايكو ،بنفحة
مغربية ليرتدي معطفا مغربيا ،يليق بكل الفصول ، ويؤسس لكتابة
لها صوتها ومميزاتها ،يعجن الطبيعة من الماء والتراب والنار ضمنيا ،
ليعطي شكلا، يضم باقات الورد ،وكذلك الشعر ،حيث ماء الشعر ،ونضج
القصيدة على نار هادئة
«برجي ترابي،
مائي برجك
مزهرية نصير «ص44.
من الصيرورة والسيرورة ،أي من التحول والمشي، يأتي هذا العمل، بعد معاناة وألم،ومحو وكتابة،ليتلاءم النص مع ذات الشاعر :
«حكي جلدي ،
أيتها  القصيدة
إني  قلمت اظافري أمس. «ص44
تقليم الأظافر، أي تقليم الزوائد، بمعنى تقليم الأبيات  الزائدة ، لتصبح
القصيدة رمشة عين ،ولا أقول ومضة أو  شذرة ،لأننا  بصدد هايكو
مغربي ؛وهنا لابد من الإشارة إلى احترام نشر الهايكو على صفحات الجرائد، بشكل يحافظ لباسه وحريته دون خنقه، بعيدا عن تراكم
الأبيات وكأننا  أمام  لغو في الكلام .
إن  المبدع مصطفى قلوشي يستمع إلى  الكتابة بعين الشاعر، أي
الاستماع بالعين، التي ترصد و تتأمل، لتخيط ثوبا  مناسبا وملائما،
لا نشتكي منه قصرا ولا طولا على قول الشاعر كعب، لهذا تمت حياكة
العنوان بالطريقة أعلاه: ليس إلا  فراشات وأصابع يا قطار منتصف الليل «،بإضافة ياء المنادى ،فالأصابع تكتب وترسم، بنكهة مميزة ومتميزة
قهوة سوداء
أفكار سوداء
هذا بريد صباحك «ص14
تتجلى طقوس الكتابة، وخلوة الشاعر، بحثا عن الهدوء ليلا ونهارا، وربما الليل لاصطياد الأفكار، والقهوة للكتابة، وما يجمع بينهما السطور السوداء، وهذا يؤكد صدق الإشارة إلى الاستماع بالعين:
«تحت كومة رماد
وجد أصابعه
فراشات تضئ «ص15
عنقاء الكتابة تولد من الرماد من جديد ،لتتحقق أبدية  المبدع وصيرورته وسيرورته، عبر التحول والممشى، من بداية المحطة إلى آخر محطة ، حيث السفر عبر الكتابة والقراءة.
«بعين واحدة
يقرأ طالعه
قطار منتصف الليل»ص35
يصبح القطار رمزا ذا بعد إنساني، يمر عبر المراحل التي يسلكها،
ويرصدها من خلال النوافذ شاعر متمكن، يصور المشاهد بآلة  تطاوعه، ولا تعصي له أمرا،رغم بعد المسافة.
«محطة الوصول
بعيدة…بعيدة
تماما مثل أحلامي «ص37 .
أحلام  الشاعرهي الكتابة، وهي النص الذي لم يدون بعد، ويحلم
بالإمساك به، مابين اليقظة والنوم، حيث يؤسس مصطفى قلوشي
إبداعه، بين اغفاءة وانفتاح، وبين أصابع واحتراق الفراشات، يكون
ألم الكتابة، من أجل  خلق هايكو نشم فيه تراب الأرض، وأوراق
الشجر وتراتيل الطيور ذات الريش المغربي .
إن  الشاعر مصطفى قلوشي، بهذا المنجز الهايكوي،يضع لبنات هذا
اللون من الكتابة ، الذي يبدو سهلا ، ولكن اثناء الإبحار تتجلى صعوبة
الرياح، لأنها  كتابة السمع بالعين .


الكاتب : د. محمد عرش

  

بتاريخ : 11/10/2019

أخبار مرتبطة

للحديث عن تجربة الأستاذ أحمد المديني الإبداعية لا مناص لكلّ دارس من العودة إلى بداياته الأولى، بالانطلاق من باكورته القصصية

  تسعى هذه المداخلة إلى بيان كيف استطاع المؤلف وبقدرات فنية عالية الدقة أن يشتغل على توظيف المتخيل أو المحكي

علاقتي بشعر عبد الكريم الطبال، علاقة قديمة ترتد إلى أيام الطلب الجامعي، وإلى عهد «العلم الثقافي» الأغر الذي طلع علينا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *