مقاربة النوع في الأجهزة المهنية للمحامين

إنه لمن عظيم الشرف ودواعي الفخر والاعتزاز أن أكون ههنا بين ثلة من السادة النقباء والأساتذة الأجلاء في هذا المؤتمر الثاني لقطاع المحاميات والمحامين الاتحاديين الذي أتشرف بالانتساب إليه، هذا المؤتمر الذي ينعقد في ظل عدة سياقات وطنية أساسية، أولها سياق الحراك الوطني الذي يعرفه المجتمع المغربي والنقاش العمومي من أجل تعديل مدونة الأسرة، والسياق الثاني المتمثل في إعداد مشروع قانون مهنة المحاماة.
كما ينعقد هذا المؤتمر كذلك في توقيت له راهنيته وأهميته في خضم منعطف تاريخي حاسم تعرف فيه مهنة المحاماة كبوات داخلية وحملات خارجية تكاد تعصف بمكانتها ودورها الطلائعي كضلع ثابت من أضلع العدالة، ولعل لقائنا اليوم هو بمثابة وقفة تأمل تحاول من خلالها استنهاض الهمم والتذكير بأن مهنة الدفاع هي رسالة ذات حمولة وأبعاد حقوقية وسياسية، وهي مهنة التزام بالدرجة الأولى تطوق المنتسب لها بجملة من القيم والمبادئ وتفرض عليه التشبع بمبادئ الاستقلال التجرد والكرامة والشرف، كمعايير تؤهله لولوج محراب العدالة مسلحا بآليات قانونية وتكنولوجية تواكب التحولات والمجريات الحاصلة على كافة الأصعدة في ظل المشهد المغربي الراهن.
لكن، وفي الوقت الذي استبشرنا فيه خيرا بإقرار دستور 2011 لما شكله من أرضية حقيقية لتكريس المبادئ القانونية السامية والمقاربات الحقوقية، والعمل بمنطق الملائمة الداخلية لقوانيننا مع هذا المتن ا لدستوري ذي المرجعية الدولية، بدأنا نشهد تراجعا غير مسبوق لرسالة الدفاع بل وتهميشا مقصودا لأدوارها في ظل الإصلاح الاستراتيجي لمنظومة العدالة، علما أن هذا إصلاح يروم في كنهه النهوض بمهنة الدفاع للقيام بأدوارها السياسية والحقوقية والتنموية داخل المجتمع، والى خلق التوازن الأمثل بين هيئة الدفاع والهيئة القضائية باعتبارهما جناحي العدالة.
للأسف ما نعيشه اليوم بمهنة المحاماة بعيد تماما عن هذه الإصلاحات المنشودة، بل ويعكس واقعا مريرا من التراجع والتقهقر واللاتوازن في مراكز العدالة،و أضحى المراد والمأمول هو استعادة الماضي المجيد بدل التطلع إلى تحقيق مكتسبات جديدة لتعزيز قوة المهنة وشموخها.
الأكيد أن المرأة المحامية شأنها شأن زميلها الرجل، لم تكن بمنأى عن هذه الأوضاع العامة التي شهدتها وتشهدها الساحة المهنية، و نحن من خلال محورنا المبرمج في هذا اللقاء المبارك سنحاول قدر الإمكان العبور إلى جسر المرأة المحامية لإلقاء نظرة على قضاياها وانشغالاتها انجازاتها وتضحياتها همومها وتطلعاتها في خضم تحديات وإرهاصات تكاد تعصف بأصحاب البذلة السوداء وتجهض كافة المكتسبات المهنية التي تراكمت عبر سنين خلت ساهمت المرأة المحامية في جني ثمارها يدا بيد إلى جانب زميلها الرجل.
فمغرب اليوم، هو مغرب جديد، يخطو خطواته المتفاوتة نحو التعبير الحر، والديمقراطية والمساواة، ولعل هذا التوجه الاستراتيجي العميق يهدف في إحدى تجلياته أيضا إلى ضمان ممارسة المرأة المحامية لحقها في المشاركة المتوازنة مع زملائها المحامين في تدبير الشأن المهني وذلك في أفق المناصفة، وتعزيز تواصل المحامية مع المؤسسات المهنية المختلفة دعما للحريات وكذا إبرازا لقدراتها الفكرية والإبداعية والتواصلية، و تعزيزا لدورها في تطوير الثقافة الحقوقية والدفاع عن المساواة بين الجنسين، و تكافؤ الفرص في جميع المجالات.
ولعل من المعوقات الرئيسية التي تحد من دورها في تدبير الشأن المهني، هو تمثيليتها الضعيفة لمجالس الهيئات على ضوء ما تم كشفه من نتائج للاستحقاقات الانتخابية سواء السابقة أو حتى الحالية برسم 2023‪/‬2021 التي أفرزت عن تمثيلية نسائية باهتة لمنصب عضو المجلس ومغيبة لمنصب النقيب على صعيد الهيئات 17 عشر ككل، صحيح أن هذه المعطيات والإحصائيات ليست بالجديدة و أغلبنا على اطلاع ودراية تامة بها، غير أن الدافع الباعث للحديث عنها والتذكير بها من جديد، هو ما نحن مقبلين عليه من استحقاقات انتخابية في أفق 2026‪/‬2023 التي ستنطلق على بعد أسابيع فقط من الآن، نمني من خلالها النفس على نيل فرصة أخرى لتغيير الفكر السوسيوثقافي السائد، والقائم على استئثار العقلية الذكورية للقيام بمهام المسؤولية داخل مجالس الهيئات، في الوقت الذي يفترض فيه أن تشكل هذه الاستحقاقات محكا حقيقيا للإرادة السيادة من اجل ترجمة دستور 2011 الذي ينص ضمن مقتضياته على مبدأ المناصفة.
فكيف لنا ونحن فئة النخبة وننتمي إلى هيئة مهنية ذات مرجعية حقوقية صرفة، نعجز عن خلق آليات تخول المرأة المحامية إمكانية تولي منصب النقيب أو حتى تمثيلية مشرفة لمنصب عضوة مجلس، ومازلنا لحد الساعة نتغنى بالواقعة الفريدة لأول وأخر نقيبة لهيئة المحامين بالمغرب السيدة ماجدولين لوكاس خلال فترة الاستحقاقات الانتخابية لسنة 1966‪/‬1968 مع الإشارة إلى أن المرأة المحامية في وقتها الراهن قد أثبتت وأبانت عن كفاءتها العلمية وحنكتها المهنية ومسارها الحقوقي والسياسي اللامع، وبالتالي فحري بالكتلة الانتخابية بما في ذلك الناخبات من النساء المحاميات، من منطلق أن المرأة لا تحس بهمها ومشاكلها إلا المرأة مثيلتها،ليس تبخيسا لدور المحامي الرجل في هذا السياق، وإنما لسهولة ويسر التواصل الاجتماعي بينهن، وإنها صوتها. الوقت الذي يعكس تطلعاتها وطموحتها المهنية بتاء التأنيث. لنخلص إلى القول، إن عقلية مقاربة النوع ينبغي أن تصدر عن محامية تجاه محامية زميلتها.
صحيح، أن هناك العديد من الأصوات التي نادت بضرورة الرفع من التمثيلية النسائية بمجالس هيئات المحامين، واقترحت تفعيل نظام الكوطا كآلية مؤقتة لتمكين النساء المحاميات من الوصول إلى مجالس الهيئات و تحمل مسؤولية تدبير الشأن المهني، بل ونادت بالتنصيص على هذا الأمر ضمن مقتضيات المادة 88 من القانون المنظم لمهنة المحاماة من خلال تخصيص نسبة. النساء على صعيد كل فئة لضمان تمثيلية المرأة المحامية في تشكيلة أجهزة التسيير، أسوة بالنظام الفرنسي بباريس، الذي تبنى من فاتح يناير 2016 انتخاب مجالس الهيئات على أساس اقتراح أغلبية بالتناوب محامي محامية، وهو ذاته النظام المطبق على لوائح ترشيح النقباء ونوابهم طبقا للفصل 8 من النظام المذكور.
إلا أن هذا التفعيل ظل حبيس المقترحات والتوصيات أخرها كان بمسودة مشروع قانون المهنة التي يقترح في إحدى بنوده على تحديد نسبة 25 بالمئة من تمثيلية النساء ضمن المجالس، في أفق الوصول إلى المناصفة الحقيقية.
ونقول، إن الرهان الحقيقي لتمثيلية مشرفة للنساء المحاميات، هو بتغيير الفكر النمطي السائد والاستفادة من العقلية الشبابية التي صارت تشكل شريحة كبرى وقاعدة ضمن مجالس هيئات المحامين بالمغرب، انطلاقا اختياراتها القائمة على أساس كفاءة ومهنية ونزاهة المشرح لا جنسه أو انتماءاته، وهي التجربة المثبتة فعلا من الاستحقاقات الانتخابية لاتحادات وجمعيات الشباب المحامين بالمغرب.
ولذلك فالحديث عن دور مهنة المحاماة في النهوض بالنموذج التنموي الجديد يبقي مستعصيا أمام الوهن الذي تعيشه المهنة، وأمام الاستهداف المنهج الذي تتعرض له منذ مدة طويلة بهدف إضعافها وجعلها منشغلة فقط بمشاكلها الداخلية ومشاكل منتسبيها.
فإذا ما أردنا أن يكون للمحاماة دور محوري وحيوي في النموذج التنموي الجديد، فانه ينبغي أن تتجه هذه الإرادة نحو تقويتها وتجويدها عبر تبني مجموعة من الإصلاحات البنيوية الجدية والتراجع بالموازاة مع ذلك عن جميعا لممارسات التي تزيد من إضعافها وتقهقرها، وفي مقدمتها تهميش وتقليص دور المرأة المحامية في هذا الإصلاح المنشود.
فلا سبيل للحديث عن دور المحاماة في تحقيق التنمية دونما إشراك للمرأة المحامية في هذا الحوار.
ونحن باعتبارنا محاميات ومحامون منتسبون للقطاع الاتحادي، وجب علينا تجسيد توجهات هذا الحزب على أرض الواقع، مادامت هذه التوجهات تنطوي ضمن أساسها على اعتبار قضية المرأة قضية مركزية في الصراع الديمقراطي داخل المجتمع فلا ديمقراطية دون مساواة، ولا تنمية وتقدم مجتمعي واقتصادي إلا بتمثيلية حقيقية للمرأة في مركز صناعة القرار.
أعي جيدا أننا لا نملك عصا سحرية قادرة على تغيير واقع ترسخ وتجدر على مر السنين، ولكن أملنا كبير في حضاراتكم وفي باقي مكونات الجسم المهني للدفاع إيجابيا نحو تحقيق تمثيلية وازنة للمحاميات في مجالس الهيئات خاصة، وعلى صعيد المهنة بشكل عام.
وقد أثرت تناول هذا الموضوع خلال هذا الجمع المبارك بغية فتح نقاش كبير وعميق للتداول فيه بهدوء وحكمة، بعيدا عن كل الحسابات الضيقة في محاولة جادة لإيجاد الحلول والمخارج المناسبة لتمثيلية مشرفة للمحاميات داخل الهيئات المهنية، في إطار مواكبة الدينامية والانفتاح الذي يشهدها المجتمع، بل لكم زميلاتي زملائي أن تعتبران مداخلتي هاته بمثابة صرخة محامية موجهة إلى جميع القوى الحية داخل المجتمع لدعم الحضور الوازن للمحاميات في المجالس المهنية أسوة بمثيلاتها في العديد من القطاعات اللاتي تقلدهن مراكز الإدارة وصنع القرار وأبدين جدارتهن على كافة الأصعدة، وهو أمر غير عصي على المرأة المحامية، بل منا ولله الحمد من جمعت بين صفتها المهنية كمحامية وصفتها السياسية كوزيرة وبرلمانية وأبانت عن حنكتها وكفاءتها في الصفتين معا.
زميلاتي زملائي الأجلاء، لقد آن الأوان لتصحيح هذا الواقع المعطوب عبر تظافر الجهود وشد الهمم للرقي بمهنتنا والحفاظ على عنفوانها وشموخها، فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
(*) محامية بهيئة سطات


الكاتب : واعظ أسماء (*)

  

بتاريخ : 02/12/2023