يؤثر على التوازن الأسري والاستقرار الاجتماعي ..خبير قانوني يشخّص لـ «الاتحاد الاشتراكي» أعطاب الطلاق وانعكاساته على الأسر والأبناء

عرفت ظاهرة الطلاق مدّا تصاعديا خلال السنوات الأخيرة، ونتج عنها مشاكل أسرية لا حدّ لها، وأمام استفحال هذه الظاهرة، كان للجريدة لقاء مع الأستاذ الباحث امحمد برادة رئيس محكمة الاستئناف بفاس سابقا ومدير ديوان بمركز للدراسات والاستشارات القانونية، الذي أكّد على أن ظاهرة النزاعات الأسرية المؤدية إلى الطلاق تعتبر من بين الظواهر الاجتماعية المؤلمة، التي تنعكس سلبا على الأسر المعنية وعلى الأبناء تحديدا، وهو ما دفع الباحثين والمهتمين والممارسين في الحقل الفقهي والقضائي والاجتماعي والنفسي والسياسي، لإيلاء حيز هام من اهتمامهم للموضوع، الذي شكّل كذلك محور العديد من الأطروحات الجامعية، وألّفت في مضامينه وأبعاده العديد من المؤلفات، وكتبت بشأنه عدة مقالات إلى جانب تنظيم محاضرات وندوات وموائد مستديرة بخصوصه.
وشدّد الأستاذ برادة على أن سبب كل هذا الاهتمام بهذا الموضوع يرجع لكون الظاهرة تعتبر من أبرز الظواهر الاجتماعية المؤثرة على التوازن الأسري والاستقرار الاجتماعي، ولما لها من انعكاسات سلبية على الأسرة والأبناء، التي تتجلى في التفكك الأسري، والانحرافات الإجرامية والأخلاقية المعقدة، مشيرا إلى أن هناك عوامل متعددة ساهمت في إبراز المشاكل الناتجة عن النزاعات الأسرية المؤدية إلى الطلاق، والتي أكّد الخبير القانوني على أن من بينها ما عرفته المجتمعات من تطورات متلاحقة، تجلت في التغيرات والتحديات السوسيو- اقتصادية والثقافية، مما أثّر على كيان الأسرة، وانعكس سلبا على عدم قيام هاته الأخيرة بكامل أدوارها، وأدى إلى خلق النزاعات، والتوترات في العلاقات الزوجية.
ووقف المتحدث عند عدة عوامل أخرى من قبيل ما طرأ من تغيير في العقليات الذي عرفته المجتمعات، وطبيعة التحولات الاقتصادية والاجتماعية، وارتفاع تكاليف الحياة، وما عرفته الأسر من بعد جديد في مفهوم السلطة داخل الأسرة، الذي انعكس في المسؤولية المشتركة، التي أصبح يتقاسمها الزوج وزوجته في تدبير ورعاية الأسرة، وكذا ما أصبحت تساهم به المرأة في الجانب المالي للأسرة، إلى جانب ظهور سلوكيات وعلاقات مشبوهة بسبب الإدمان على التعامل مع الانترنيت والعنف الزوجي وغيرها. وأوضح الخبير القانوني أن الأسباب السالفة الذكر، ووفقا لما خلصت إليه دراسات ميدانية، تؤدي في أغلبها إلى ارتفاع منسوب النزاعات العائلية التي تنتهي في أغلبها بما يمكن وصفه بـ «تسونامي الطلاق»، واللجوء إلى القضاء للمطالبة بالمستحقات المترتّبة عنه.
وأبرز الأستاذ برادة أن اللجوء إلى القضاء يخلق بدوره متاعب متعددة للزوجين المتنازعين ولأسرتهما، بسبب ما تعرفه أقسام الأسرة بالمحاكم الابتدائية من ارتفاع متزايد في عدد القضايا التي تعرض عليها، بمعدل 800 حالة طلاق يوميا، وبما يزيد عن 300 ألف حالة طلاق سنويا، وهو ما يبين مدى خطورة هذا المؤشر على تنامي هذه الظاهرة، خاصة في الأوساط «المثقفة» التي لم تعد تقبل بتصرفات الزوج الانفرادية وهيمنته على مداخيل الأسرة نموذجا؛ بالنظر إلى أن هناك سلبيات أخرى وممارسات تكون دافعة للرفض والمواجهة؛ مما يجعل عددا من النساء يواجهن هذا الأمر رفضا لهاته التصرفات دفاعا عن كرامتهن وعن حقوقهن وحقوق الأبناء، الشيء الذي يؤدي إلى نشوب الخلاف ويفضي في حالات متعددة إلى ارتفاع منسوب الطلاق، مع ما يعني ذلك من تراكم للملفات في رفوف المحاكم التي تنتظر دورها.
ونبّه المختص إلى أن تعقّد المساطر والإجراءات، وعلنية الجلسات وطول الانتظار، والمبالغ الزهيدة التي يُحكم بها عن الطلاق ومستحقاته، فضلا عن مساطر التنفيذ، واقتسام الثروة التي راكمها الزوج خلال فترة الزواج، والصعوبات التي تواجه العائلة بشأن زيارة الأبناء، وارتفاع تكاليف التقاضي، تعتبر كلها معيقات تساهم في تعميق الصعوبات التي تعرفها المساطر القضائية في التعامل مع هذه الظاهرة، مؤكدا على أن هذا الوضع وما يترتب عنه من تداعيات مختلفة دفع إلى المطالبة بإدخال تعديلات على مدونة الأسرة التي تبيّن عمليا وبالملموس على أنها لم تعد قادرة على مواكبة المستجدات التي تعيشها الأسر والمجتمع. وأشار برادة إلى أن الأعطاب الناجمة عن الطلاق تفاقمت حدتها وأدت إلى التفكك والعنف وضياع حقوق الأبناء مع عدم شعورهم بالأمان وتشويه صورة الأبوين أو أحدهما، مما يترتب عنه ضعف الثقة في النفس وغيره من التداعيات، مبيّنا في نفس الوقت على أن هناك مبادرات يمكن القيام بها تنهل من هويّات ومرجعيات وثقافات بلادنا ومن النصوص التشريعية مع الاستئناس ببعض التجارب الواردة في القانون المقارن ودعم – الوساطة الأسرية كحلّ بديل لتسوية النزاعات العائلية وللحدّ من تنامي ظاهرة الطلاق.


الكاتب : محمد بوهلال

  

بتاريخ : 02/05/2023