عائلة المنوزي تكرم شخصيات وطنية عديدة فُقدت في فترة كورونا

رغم الغياب الجسدي لكل هذه الوجوه والرموز النقية، يبقى نبض ذاكرتنا وإنسانيتنا يتغذى بعشقهم للوطن وإخلاصهم لقيم التحرر والمساواة وكرامة الإنسان

 

نظمت عائلة المنوزي لقاء تكريميا لأرواح العديد من الشخصيات الوطنية الذين وافتهم المنية في فترة الوباء الذي تعرفه الكرة الأرضية منذ ما يزيد تقريبا عن سنة ونصف، في العديد من المجالات، سياسية وجمعوية وثقافية ومدنية وحقوقية، والذي تم احتضانه بفضاء «منديلا» بالدار البيضاء، يوم الجمعة الماضي 9 يوليوز2021.
وفي هذا الاحتفاء بقامات كبيرة ودعتنا ألقت بشرى المنوزي، أستاذة الهندسة المعمارية بفرنسا، كلمة بالمناسبة قالت فيها:» شرف كبير لعائلة المنوزي أن تستضيفكم في هذا الفضاء الرمزي، فضاء»منديلا»، رمز الصمود والتضامن والأمل.
نلتقي اليوم لتكريم أرواح أصدقاء وصديقات للعائلة، رفيقات ورفاق افتقدناهم خلال جائحة كورونا، أو لم نتمكن من توديعهم الوداع الأخير.
شكرا جزيلا لجدي الحاج علي المنوزي وجدتي الحاجة خديجة الشاو، رحمة الله عليهما، اللذين كانا يكرران على مسامعنا باستمرار، ونحن أطفال، هذه الآيات الكريمات:
« وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون»
« واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا بالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين» صدق الله العظيم.»
وأضافت بشرى المنوزي : « لقد فقدنا العديد من الأحباب عاشرناهم لسنوات طوال، وتقاسم معهم آباؤنا وأمهاتنا جزءا هاما من مسار حياتهم، وكانوا بالنسبة لنا نحن الأبناء والأحفاد، أكبر سند إبان فترة سنوات الرصاص:
المرحوم إبراهيم جلول، المهندس البشوش، الذي أشرف على بناء فضاء «منديلا».
المرحومة فاطنة منصور، إحدى رائدات العمل النسائي بالمدينة القديمة من أجل العدل والمساواة.
خالي أحمد الشاوي، المعتقل السياسي السابق بدرب مولاي شريف، الذي وافته المنية هذا الأسبوع.
المرحوم المجاهد عبدالرحمان اليوسفي، رفيق الدرب النضالي لعمنا المختطف الحسين المنوزي.
أبناء المدينة القديمة، محمد تيسير، عبدالله وحدي، مصطفى بنقيبال، إبراهيم تسنكري، محمد الاشهب، مواطنون ساهموا في حماية حي المدينة القديمة، الذي أنجب واحتضن مؤسسي المقاومة السرية محمد الزرقطوني وسعيد بونعيلات وسعيد المنوزي …رحمة الله عليهم جميعا.
اسمحوا لي إن توقفت على بعض الأسماء، خصوصا ونحن ما زلنا نعيش تداعيات ومخاطر الجائحة، لأخص بالذكر الأطباء، د . سعد بنمنصور ود. عبد الله بوراس و د. أحمد الصادقي و د. محمد الدخيسي و د. نجيب الجيلالي و د. عبد المجيد بوزوبع. إنهم مفخرة جيلنا والأجيال القادمة، جنود الخفاء في معركة محاربة الداء ودعم كل الضحايا، ضحايا الوباء وضحايا سنوات الرصاص .
ولا يمكننا أن لا نذكر من وقف صامدا ومساندا على الواجهة الإعلامية، الصحفيان حسن السوسي ومحمود المعروفي. وكذلك على الواجهة الثقافية والفنية، الشاب سعيد جلول ايسوفا. وعلى الواجهة التربوية، أصدقاء أعزاء علي جدي الحاج علي المنوزي، المديرالعربي الجابري والمقاوم سعدالله صالح.
لأرواح كل من ذكرناهم، ومعذرة لعائلات كل من تعذر علينا الإشارة له بالاسم، لكل هؤلاء أخلص تحيات التقدير والاعتزاز. إنهم خالدون في قلوبنا «.
وأكدت المتحدثة أن «في هذا الشهر المتميز بذكرياته، شهر يوليوز، تم إعدام عمنا الكومندان ابراهيم المنوزي سنة 1971 بدون محاكمة وخارج إطار القانون. 50 سنة بعد وما زالت العائلة تطالب بتنفيذ توصية هيئة الإنصاف والمصالحة وتسليم رفاته إلى العائلة. وفي نفس الشهر ، يوم 13 يوليوز 1975، تمكن المناضل النقابي والسياسي الحسين المنوزي من تكسير جدار الصمت عن عملية اختطافه من تونس والفرار من المعتقل السري ب ف 3 بالرباط. وقد تم اعتقاله من جديد وما زالت العائلة تناضل من أجل الكشف عن مصيره وإطلاق سراحه إن كان مازال على قيد الحياة أو تسليم رفاته إن كان ميتا.
فرغم الغياب الجسدى لكل هذه الوجوه والرموز النقية والجميلة، يبقى نبض ذاكرتنا وإنسانيتنا يتغذى بعشقهم للوطن وإخلاصهم لقيم التحرر والمساواة وكرامة الإنسان».
من جهته قال أسامة لوكيلي عن الهيئة الوطنية للأطباء
: « كل فئات الشعب المغربي قدمت التضحيات والشهداء، سواء في القطاع الخاص أو العام. إن الجائحة لم تستثن البعض دون الغير. فنقول حسبنا الله ونعم الوكيل، وأن الأرواح لترخص عند تلبية الواجب الوطني.
باسم الهيئة الوطنية للأطباء لجهة الدارالبيضاء سطات نثمن مجهودات كل من أشرف على تنظيم وإنجاح هذه المناسبة، ونتقدم بالشكر لكل العاملين والعاملات في القطاع الصحي الذين كانوا في الصفوف الأمامية لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية، والتي كشفت بشكل ملموس خصوصية قطاع الصحة ودوره المحوري في الحفاظ على أمن وطمأنينة الوطن والمواطنين على حد سواء.
نسأل الله أن يرفع عنا هذا الوباء وأن يستخلص المسؤولون الدروس لكي يتقدم المغرب نحو الاتجاه الصحيح. وليحفظ الله هذه الأرض الطيبة ونسأل الرحمة لكل الشهداء».
وفي كلمة الدكتور سعيد متوكل، طبيب اختصاصي في العلاج والتخدير باسم الجمعية الطبية لإعادة تأهيل ضحايا العنف وسوء المعاملة قال : « إن إلقاء نظرة على لائحة المكرمين يتبين لنا أنها تحمل دلالات كثيرة لنوع المكرم بهم من رجالات ونساء متعددي المشارب الاجتماعية والسياسية والنقابية والثقافية والحقوقية. نجد بين المحتفى بهم رجال دولة ومثقفين وكذلك شرائح أخرى تنتمي إلى زملاء لي في المهن الصحية الذين أبلوا البلاء الحسن في مواجهة الجائحة وسقطوا في ميدان الشرف في غفلة منا ونحن نعيش في إطار هذه الجائحة اللئيمة التي تتموج، والتي ما فتئت تخطف الضحايا تلو الضحايا، تزورنا بدون استئذان ومهما أعددنا لها، لا تأبى إلى أن تخبط خبط عشواء، فأصابت القريب والبعيد. إن خصوصية هذا الوباء اللعين أن المرضى يسلمون أمرهم إلى المستشفيات إن استطاعت المنظومة الصحية أن توفر لهم سريرا وعلاجا في ظل ضغط رهيب من كثرة الطلب.إن ضحايا هذا الداء يصبحون في شبه عزلة تامة وفي ظروف نفسية وصحية حادة، إذ لا مجال لزيارة قريب أو حبيب ويكون التعايش كئيبا في مصالح الاستشفاء والعناية المركزة والإنعاش، ولا يبقى لهم من عطف وعناية إلا ملائكة الرحمن من مهنيي الصحة من جميع فئاتهم، وتبقى تلك الممرضة البشوشة النشيطة التى تنوب عن الجميع تواجه الخطب بكل أريحية ونكران ذات « .
وأضاف الدكتور سعيد متوكل : « إن هذه الجائحة لا تعطي الضحايا أي اعتبار، فهي تفتك بالإنسان، تعبث به، تمنع عنه الزيارة، تتركه وحيدا مبعدا، لا مكان لأي بارقة أمل تلوح في الظلام، حتى إذا جاء الأجل المحتوم لا تقام للضحية مراسم عزاء، وحتى الدفن المقنن يمر في الخفاء كأن كل ضحية سقطت سهوا.
« ألا أيها الليل الرهيب أنجل / لقد طال مقامك الثقيل بيننا
/ ألا تخجل أيها العابر بيننا، / أيها الخاطف منا أحبتنا،
رجاء ارحل».
في ظل هذه الظروف العصيبة التى عشناها وما زلنا نقاسي من ويلاتها على الصعيد الصحي والاجتماعي والاقتصادي والنفسي، تطل علينا تباشيرمضيئة ممثلة في صمود مكونات الدولة المغربية وكذلك المنظومة الصحية رغم اختلالاتها التي يجمع عليها الجميع، بهذه المناسبة اسمحوا لي باسم الجمعية الطبية لإعادة تأهيل ضحايا العنف وسوء المعاملة أن نوجه آيات الشكر والامتتان لكل رجال ونساء الصحة وجميع الفئات المنخرطة في محاربة هذا الداء.
إن التباشير ممثلة كذلك في عملية التلقيح التي تسير في إصرار، وكذلك ما أعلن عنه من انخراط المغرب في تصنيع اللقاحات والأدوية لهدف بلوغ الأمن الدوائي، وكذلك المشروع الوطني للحماية الصحية والاجتماعية والنقاش الدائر حول مفهوم جديد للتنمية».
وختم الدكتور : « إن التحديات القادمة ومخلفات المراحل السابقة وآثار الجائحة والاختراقات المتعددة التى عرفها المغرب على صعيد وحدته الترابية وما ينتظره أمام المجتمع الدولي لتثبيت نجاحاته، تحتم علينا جميعا، بشكل مواطناتي واحتراما لرموزنا الوطنية ولروح المحتفى بهم، الانخراط في عملية انفراج حقيقي يضمد الجراح ويطوي المعضلة الحقوقية الراهنة والتوسيع من فضاءات الحرية والتعبير وتقوية الجبهة الداخلية.
إن لنا أملا كبيرا في أن الغد سيكون أحسن وأن للوطن صدرا رحبا قادرا على الاتساع للجميع وتحدي الديمقراطية وصيانة حقوق الإنسان.
وطن فخور بمؤسساته الوطنية، وطن غفور ببناته وأبنائه، غني بتنوعه، متصالح مع ذاته. إن إذكاء الروح المواطناتية لكفيل برفع كل هذه التحديات.
وفي الأخير نؤكد على التزام جمعيتنا بمواكبة كل الضحايا وتأهيلهم على الصعيد الصحي والنفسي، وستظل ثابتة على هذا العهد وهذا الاختيار الإنساني. كما ستكون جنب كل أسر ضحايا المحتفى بهم .
وقام الحضور بزيارة لقبر المناضل محمد الحلوي بمقبرة أهل فاس .


الكاتب : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 17/07/2021