أسلمة المغرب .. حسب ما قيل 20 : يقاتل عقبة من أجل إعلاء راية الأمويين وتوطيد مُلكِهم

منذ البداية وجب أن نعترف أ ن كتابنا هذا ليس كتاب تاريخ محض، إنما هو محاولة يمكن إدراجها ضمن مجال الدراسات الثقافية التي حاول الأنجلوساكسون تطويرها – منذ ظهورها بعيد منتصف القرن الماضي – وذلك بدراسة مختلف الظواهر الثقافية اعتمادا على مناهج علوم مختلفة ومتعددة، كالتاريخ والأنثربلوجيا وعلم الاجتماع وعلم الأديان والآداب .
إنه محاولة للجواب على أسئلة مؤرقة .
لعل أهمها: لماذا تفتخر كل الشعوب بتاريخها وتنقب عما يمكن أن تجده عبر الحفريات الأركيولوجية ومختلف اللقيات حفظا لهويتها؟ إلا هذا البلد الأمين الذي يحاول في ثقافته الرسمية أن يحصر تاريخه بل والأحرى أن يوقفه في حدود القرن الثاني الهجري.
هل تَرى تلك الثقافة أن التحقيب هنا لا يهتم إلا بما يسمى الدولة الحديثة؟ الأوْلى، إذن، الحديث عن الدولة المغربية وليس الموريتانية Moros أو Mores أو المراكشية Moroeccos منذ سميت كذلك، أو حين حاول الفرنسيون تأسيس مفهوم جديد للدولة الحديثة ومنح المملكة الشريفة اسم Royaume du Maroc للحديث عن المملكة المغربية وسموها على طريقتهم و بصياغتهم؟ وقالوا اختصارا Maroc، أو حين تم وضع أول دستور مغربي (محض) بعيد الاستقلال .
المشكل، من هذا المنظور، هو مشكل هوية ثقافية تتعلق بمواطن مغربي يرى أن ماضيه لا يتجاوز تأسيس الأدارسة لإمارتهم، أي قدوم المولى إدريس الأول رفقة خادمه إلى المغرب الأقصى ونزولهما ضيفين على قبيلة أوربة (إن كان النطق صحيحا) ونتعرف من خلال التاريخ الرسمي على اسم زعيمها وابنته كنزة . معضلتنا أننا نلوك هذا في مقرراتنا ومناهجنا كنوع من الوحي المنزل دون طرح تساؤلات من قبيل: كم كان عمر سبط الرسول الأعظم إدريس بن عبدالله حين قدم إلى المغرب؟ أليس لديه أبناء؟ نتساءل هكذا ونحن نعلم أن أغلب القدماء كانوا يتزوجون وهم في سن معينة، أو على الأقل يتخذون جواري ويمارسون الجنس مع ما ملكت الأيمان .
معضلتنا أننا لا نعلم أبناءنا طرح الأسئلة من هذا النوع! وما زلنا ندرس في أقسامنا ك ما من المعلومات التي صارت متاحة بنقرة زر ، و لا نعل مهم طرق التحليل وآليات التفكير القائمة على العقل و المنطق .
مشكلتنا، أن أغلب المؤسسات تريد ترك الأمور على حالها.

أما ما يمكن أن نستشفه من الرواية الأخرى : أن عقبة يقاتل من أجل إعلاء راية الأمويين وتوطيد مُلكِهم . وليس هذا انتقاصا من عمله و لا فتوحاته وغزواته ، ولكننا نريد أن نبين أن الدافع السياسي و ليس الديني هو الأساس،بل إرضاء لولي نعمته.
فلنتتبع الإشارات كما تمدنا بها بعض المصادر الأخرى ، و من تمة نفهم هذا الهجوم على شخص عقبة بن نافع . وبالتالي على فتوحات شمال إفريقيا عامة ، و الهدف المادي الصرف منها ، ذاك الذي جعلها تنعت بالغزو عوض الفتح .
وأول إشارة تكمن عند ابن عبدالحكم الذي قال :
« حدثنا يوسف بن عدي .. أن أبا أوس ـ مولى لهم قديما ـ حدثه أن رجلا خرج في غزوة أفريقية فمات ..فقسّم له فكان سهمه يومئذ ألف دينار»
« حدثنا .. أن عبدالله بن سعد غزا أفريقية و قتل جرجير ، فأصاب الفارس يومئذ ثلاثة ألاف دينار ، والراجل ألف دينار . قال غير الليث من مشايخ أهل مصر : في كل دينار، دينار و ربع ..»
وهذا يعني أن الدافع المادي و جمع المال كان يطغى على الدافع الديني . وإذا كان هذا يخص الجيش و عامة الجند ـ أو أغلبهم على الأقل ـ فإن الدافع القومي (الإثني) كان هو أساس هذا الفتح ـ كما سيبدو لنا ـ لدى القواد ، فقد ذكر نفس المصدر فيما يخص عقبة ..
«.. حتى قدم ودان ، فافتتحها ، وأخذ ملِكَهم فجذع أذنه فقال: لمَ فعلتَ هذا ؟ و قد عاهدتني . فقال عقبة : فعلت هذا بك أدبا لك ، إذا حسست أذنك ذكرته ، فلم تحارب العرب «.
وسنقرأ أيضا في نفس المصدر لما سأل عقبة بعض البربر عما وراءهم ؟ « .. قيل جرنة ، وهي مدينة فزان العظمى فسار إليها .. فنزل منها على ستة أميال ، وخرج ملِكُهم يريد عقبة . وأرسل عقبة خيلا فحالت بين ملِكِهم و بين موكبه ، فأمشوه راجلا حتى أتى عقبة و قد لغب ـ وكان ناعما ـ فجعل يبصق الدم . فقال : لِمَ فعلت هذا بي و قد أتيتك طائعا ؟ فقال عقبة أدبا لك ، إذا ذكرته لم تحارب العرب . وفرض عليهم 360 عبدا «.
وبعده مباشرة سنقرأ ما يلي :
« .. فمضى أمامه إلى قصور خوار فافتتحها حتى انتهى إلى أقصاها و فيه ملكها فقطع إصبعه . فقال : لم فعلت هذا بي ؟ قال أدبا لك إذا نظرت إلى إصبعك لم تحارب العرب «
قد تبدو الحكايات من نسج الرواة أو المتحاملين على الفاتحين (العرب) ، و يبدو ذلك واضحا من تكرار نفس السؤال و تكرار نفس الجواب رغم التراخي الزمني بين الأحداث ..
« لما فعلت هذا بي ؟ . قال أدبا لك ..إذا .. لم تحارب العرب ..»
ولكننا سنفهم من هذا أن هناك من كان يرفض هذا الفتح / الغزو ، أو لم يفهم المغزى منه ..
وإذا كان الفتح لشمال إفريقيا ـ كما يقول البعض ، ونحن براء منهم ـ يسيل لهلعاب أولئك الذين يأتون من الشرق بحثا عن المال و الذهب و السبايا ، فهناك من يصبو للإمارة و السلطة كما نفهم من نفس المصدر. فلنتذكر ما قاله عبدالرحمن بن أبي بكر لمعاوية بن حديج حين ولاه معاوية بن أبي سفيان ..
« قتلتَ محمدا (أخوه) ليوليك معاوية مصر .. ها قد ولاّكها « .
وهناك نوايا لا نعرفها ولكننانستنتجها من المصادر فقط ، لذا نلتمس العذر لأولئك الذين يدعون هذا و ينكرون العصمة لهؤلاء القواد و الولاة بالرغم من كونهم تابعين أو تابعي التابعين الذين هم بالإحسان إلى يوم الدين ..
فقد جاء عند ابن عبد الحكم : « كنت عند عبدالله بن عمرو بن العاص حتى دخل عليه عقبة (حين أعاده يزيد بن معاوية وكان عقبة معزولا من قيادة الجيش) .. فقال : ما أقدمك يا عقبة ، فإني أعلمُكَ تحب الإمارة . قال : إن أمير المؤمنين يزيد عقد لي على جيش إلى إفريقية . فقال عبدالله بن عمرو : إياك أن تكون لعنة أرامل مصر ، فإني لم أزل أسمع أنه سيخرج رجل من قريش في هذا الوجه فيهلك فيه « و الشاهد في قوله « .. فإني أعْلمُكَ تحب الإمارة « . و إذا قرأ أي كان هذا ، فكيف لا يجرؤ على أن يتهم عقبة (ض) في نواياه ، خصوصا و أن أخلاق الإسلام تَفرِض أن طالب الولاية لا يُولّى.


الكاتب : عبد الله خليل

  

بتاريخ : 25/04/2022