التصوف المغربي ودوره في أسلمة دول افريقيا جنوب الصحراء 12 : مقدمي الطريقة التجانية كلفوا بمهام لايقوم بها إلا رجال المخزن

لعبت اللغة العربية دورا كبيرا في أسلمة جزء كبير من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وتجلى ذلك في كون هذه البقاع انتشرت بها الكثير من الطرق الصوفية المبنية على الاعتدال الذي هو عماد المذهب المالكي المنتشر على نطاق أوسع في دول المغارب، والملاحظ أن اتصال العرب بإفريقيا جنوب الصحراء حدث منذ أقدم العهود، فاليمن القديمة وصل نفوذها السياسي إلى القرن الإفريقي والحبشة، كما كانت علاقة غرب إفريقيا بشمالها قديمة، ونظرا لأن إفريقيا تأسست بها دول و ممالك ذات جذور عربية إسلامية، فقد كان لذلك دور كبير في تطور اللغات الإفريقية كلغات هجينة عربية، وقد لعب في هذا أيضا دور التصاهر بين العرب و الأفارقة، أضف إلى ذلك الدور الحاسم للعلاقات التّجارية التي كانت وسيطا بين الدول العربية ونظيرتها الوثنية.
يعتبر ميلاد الإسلام، وتطوّر الحضارة المرتبطة به نقطة تحول حاسمة أعادت إلى الحساب ماضي التّأثير العربي لغة وثقافة؛ ليصل العمق الإفريقي وأقاصي الغرب منه.وعلى هذا الأساس فاللّغة العربية لم تكن مجهولة عند الأفارقة، وإن كان معظمهم لا يتقنونها، ولكنّها كانت فقط مجرد لغة للتّفاهم مثل اللغات الأخرى. غير أن ظهور الاسلام باللسان العربي انتقل بهذه اللغة من مجرد لغة للحديث إلى لغة مقدسة. ونتيجة لذلك ، تأثرت العديد من اللغات العالمية باللغة العربية ، وكان من بينها اللغات الإفريقية بصفة عامة. ويعتبر التصوف العنصر الأساسي الذي أشاع الثقافة العربية في هذه البقاع وبخاصة التصوف التجاني السني الذي وجد إقبالا لم يعهد له نظيرا مقارنة مع الطرق الصوفية الأخرى. تحاول هذه الدراسة البحثية الاجابة عن سؤال محوري؛ كيف ساهم التصوف التجاني في أسلمة إفريقيا جنوب الصحراء؟ وكيف ساهم في نشر اللغة العربية على نطاق واسع خاصة وأنه اعتمد في متونه على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية؟

يعتبر عمل المختار السوسي عمدتنا في هذا البحث، فمؤلفاته نهاية لبداية مشروع تاريخي كبير بالقطر السوسي، فقد جاء على لسانه «ونحن نكتب ولانطيل البحث لنوجد مجالا لمن سيبحثون غذا» وبما أن البحث التاريخي يستدعي الاستناد إلى الوثيقة المكتوبة، كما الحت على ذلك مدرسة»رانكي» الالمانية أو إنشاؤها في حالة غيابها أو نذرتها، فإنه ارتأينا إلى تقسيم مصادر عملنا هذا إلى :
الوثيقة المخزنية :
ركزت المدرسة المغربية على الوثيقة المخزنية باعتبارها الأساس الذي ينبني عليه الحدث التاريخي، فأحيطت بهالة من القدسية، فلا يمكن تصفح بحث تاريخي اكاديمي خال من الوثيقة المخزنية، فالسلطان لايحكم بالقائد والجابي والعسكري والقاضي، وإنما يحكم أيضا بواسطة الرسالة والظهير، ومعالجة موضوع الزاوية والسلطة السياسية خلال الفترة المدروسة لايمكن الإحاطة به إلا باعتماد هذه المراسلات، فمجموعة من مقدمي الطريقة التجانية كلفوا بمهام لايقوم بها إلا رجال المخزن، كجمع الأعشار او القيام بخطة القضاء. فمحمد بن عبد الله الإلغي التجاني الطريقة كلفه الحسن الاول بخطة القضاء. كما كلف بعضهم بعملية الإخبار وإيصال المعلومة لممثليه الرسمين، وهي حالة الحاج الحسين الافراني الذي كان ممثلا غير رسميا للمخزن في سوس الاقصى. ومن خلال استنطاق مظان هذه المراسلات ذات الطابع المخزني يمكن استنباط عدة قضايا مبهمة بين الهامش والمركز، كما يمكن تفسير مجموعة من الظواهر الدينية والثقافية المرتبطة بالمجال الذي انتجت فيه الوثيقة، أو الذي ارسلت إليه. ومع ذلك لابد من تسجيل ملاحظة مهمة هنا تتعلق بالصعوبات المنهجية والتنظيمية التي تطرحها الوثيقة.
إن حظ الطريقة التجانية بربائد مديرية الوثائق وخزانة القصر الملكي ضعيف جدا، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة التي ربطت الحاج الحسين الافراني الممثل الرسمي للطريقة التجانية بالجنوب المغربي وسوس بالخصوص. ويلاحظ من خلال تصفح وقراءة هذه المراسلات ان المخزن يلمح ويلمز في العديد من الوثائق إلى الحاج الحسين اللإفراني اثناء رده على زعيم دار إيليغ محمد بن الحسين أهاشم التازروالتي. ولا يمكن الوصول إلى المعلومة إلا بمسح شامل لكل الوثائق التي تغطي الفترة الممتدة مابين ( 1882م و1910 م) ، فالسنة الاولى لها دلالة في الذاكرة الشعبية السوسية والكتابات التاريخية ،حيث تؤرخ لحركة الحسنية الاولى، وخلالها عرفت الطريقة التجانية بالسوس انتشارا واسعا كان للمخزن دور كبير فيه. أما السنة الثانية فقد أرخت لوفاة الأقطاب الثلاثة الحاج الحسين الافراني والحاج علي الدرقاوي الإلغي والشيخ ماء العينين. كما عرف فيها المخزن تراجعا كبيرا وشنآن داخل الأسرة الحاكمة والصعوبات التي واجهت السلطان المولى عبد الحفيظ لتنفيذ شروط البيعة التي حبك خيوطها محمد بن عبد الكبير الكتاني سنة 1908م. غطت كذلك هذه المراسلات علاقة المخزن بالطريقة الناصرية بزاوية رأس الواد والزاوية التيمكديشتية، حيث كُلف شيوخها بجمع الأعشار فكانت المراسلات بين الطرفين مباشرة، ويستثنى من هذه العملية الزاوية التجانية التي كانت تشتغل تحت إشراف دار إيليغ كما توضحه وثائف الدار والجوار.
توضح هذه الوثائق ان الطريقة التجانية في عموم السوس كانت موالية للدور الكبرى خاصة دار إيليغ ودار بيروك ودار تمنارت وكلها دور موالية لحلف تاكوزولت المعادي للمخزن فيما يتعلق بمسألة الطاعة . فهل كان مظان الوثيقة المخزنية كافي للإحاطة بالموضوع؟
الوثيقة المحلية :
وثائق دار إيليغ :
من حسن الطالع ان أسرة دار إيليغ كانت على اتم الوعي بأهمية رصيدها الوثائقي الموروث عن السلف،ومن حسن الحظ ان وثائق دار ايليغ التي هي في ملكية الاستاذ بخاري بودميعة بانزكان، مرتبة ومفهرسة وملخصة، مما يجنب الباحث عناء تفكيك رموزها وحل طلاسيمها . فهي مرتبة كرونولوجيا حسب السلاطين الذين حكموا المغرب ، بدءا من ( المولى سليمان1792-1822 –عبد الرحمان بن هشام1822-1859- محمد الرابع1859-1873- الحسن الاول 1873-1894– اباحماد1894-1900-المولى عبد العزيز1900-1908- المولى عبد الحفيظ1908-1912- المولى يوسف1912-1927 – محمد الخامس1927-1962) وحسب القواد في دائرة نفوذهم ( التزنيتيون – الحاحيون –الاخصاصيون –التامنارتيون –الافرانيون- الالغيون- التازروالتيون…) وحسب الأسر العالمة في سوس ( الافرانيون –الادوزيون –الالغيون….) فلم نجد اية صعوبة ونحن نتصفح هذه الوثائق ونستنطق مظانها. وفيما يخص مجال تخصصنا فالدار تقدم ثلاثة مجلدات خاصة بالحاج الحسين الافراني في علاقته مع المركز (السلطان ) والهامش (دار ايليغ) توضح ان الحاج الحسين الإفراني كان مخبرا للدار عن طريق وسطاء يشير إليهم باللمز، وممثلا غير رسمي للمخزن المركزي، وهو مايستشف من خلال الرسائل الجوابية المخزنية لدار ايليغ. وقد لفت انتباهي فرضية ما إذا كانت أخبار وأدوار الحاج الحسين الافراني موزعة في باقي المحفظات الأخرى، وبالفعل فقد توصلت إلى أن اخباره كانت موزعة في العديد من الوثائق الاخرى -التي لا توجد في المجلدات الثلاث- خاصة تلك التي تهم الأسرة الأدوزية والأسرة الإلغية.

أستاذ باحث في التاريخ الديني


الكاتب : ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 25/04/2022