الدكتور يوسف شهاب، أستاذ الجيواستراتيجية والتنمية الدولية بجامعة السوربون ومدير الأبحاث في مجموعة “س ف 2 ر” للاتحاد الاشتراكي

 

في قضية الصحراء، من المرجح أن تستمر أمريكا في دعم المغرب على مستوى مجلس الأمن مثل فرنسا، يمكن للرئيس الأمريكي جون بايدن أن يحفز المفاوضات

 

بعد أزمة الكركرات، ما هي احتمالات طي هذه الصفحة من الأزمة بين المغرب والجزائر التي شلّت المنطقة منذ 45 عامًا تقريبا؟

أسمح لنفسي بإعادة الأشياء إلى حقيقتها وحجمها، هناك حوادث تكرر نفسها، هذا السؤال يأتي في إطار عملية لشرطة الحدود لتطهير منطقة أصبحت خالية من القانون حيث يعمل نشطاء لصالح البوليساريو وبمباركة من الجزائر.لم يلاحظ مراقبو المينورسو أي استخدام للقوة أثناء هذه العملية، ولم ترد أنباء عن وقوع إصابات. لقد تصرف المغرب وفق القانون الدولي الذي يحظر إعاقة حركة التدفقات التجارية بين دولتين ذاتي سيادة، وهما المغرب وموريتانيا، وتحاول المنظمة الانفصالية، التي تجد نفسها في وضع متدني، تضخيم هذه الحادثة في وسائل الإعلام.
أعاد المغرب النظام والأمن وحظي بدعم من المجتمع الدولي، إن جبهة البوليساريو في حالة احتضار وقد اختارت طريق التصعيد والحرب النفسية والإعلامية كاستراتيجية جديدة للاستمرار في الوجود.

 البوليساريو تهدد بحمل السلاح مرة أخرى بدعم من الجزائر (بيان صحفي رسمي من الجيش الجزائري). كيف ترى هذا الاحتمال؟ هل يمكنها أن تشتعل المنطقة من جديد؟

حصدت المنظمة الانفصالية بين عامي 2019 و 2020 سلسلة من الهزائم السياسية والدبلوماسية والاستراتيجية غير المسبوقة في تاريخ الصراع الذي استمر خمسة وأربعين عامًا، إجماع المجتمع الدولي، ولا سيما الأمم المتحدة ومجلس الأمن على مصداقية وواقعية مقترحات المغرب، وفي هذه الحالة، وضع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. ثانيًا، ارتكبت المنظمة الانفصالية للتو خطأً فادحًا بإعلانها “عجز الأمم المتحدة عن إيجاد حل للنزاع” ، ودور المينورسو الذي يؤهله كشرطي مرور بسيط ، وإعلانها الخطير من جانب واحد خرق وقف إطلاق النار، وهي استراتيجية الأرض المحروقة الخاصة بالمنظمات الانفصالية أو الإرهابية التي تعيش مرحلة بداية النهاية، وفي الوقت نفسه، هناك مباركة عدة دول لعملية الشرطة التي يقودها المغرب، إعلان إيمانويل فالس، رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، متهمًا البوليساريو بالتواطؤ مع الإرهاب في جنوب الصحراء، على غرار مسؤول إسباني كبير في وزارة الخارجية، تضامن جميع الدول العربية مع النهج المغربي الذي جعل من الممكن تأمين المرور بمعبر الكركرات، وضبط النفس، والانخراط الضمني لموريتانيا … وهي أحداث كثيرة تعزل التنظيم الانفصالي و صديقه الجزائري.

 صرح الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي في 21 نوفمبر 2020 “كلما تمكنا من المضي قدما وإيجاد حل منطقي لمشكلة الصحراء، في إطار الحكم الذاتي داخل المغرب والاتحاد المغاربي، يتم العثور على سلطات (الجزائر) تنفذ ضربات إرهابية وتفشل كل شيء … لم يعد بإمكاننا التضحية بمستقبل مائة مليون مغاربي من أجل مائتي ألف صحراوي يمكنهم العيش بكرامة في اتحاد مغاربي “.
بيان رسمي من الجيش الجزائري يشجع الانفصاليين على حمل السلاح مرة أخرى، فهو جزء من الحمض النووي لعشيرة الجنرالات الذين لا يستطيعون إخفاء عدائهم للمغرب، والذين يجعلون من أزمة الصحراء عقيدتهم الأيديولوجية من أجل صرف الرأي العام الجزائري ومواصلة نهب ثروات الشعب المستقيل وتعزيز استدامة آخر دكتاتورية متحجرة في إفريقيا ورثتها من الحرب الباردة. هل تستطيع تونس وموريتانيا لعب دور في حل هذا الصراع؟

تونس هي الدولة الأكثر طليعية في بناء وتوحيد المغرب العربي الكبير. إنها مقتنعة بأن هذا الصراع في الصحراء مصطنع، لكنها عالقة بين الغول الجزائري والفوضى في ليبيا، في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وافتقارها إلى مساحة دبلوماسية للمناورة، فشلت محاولاته للوساطة في الماضي بسبب الجمود السياسي والدبلوماسي للدولة العسكرية الجزائرية. على المستوى الجيوسياسي، تونس ليست منخرطة من الناحية الإقليمية في الصراع مثل الجزائر أو موريتانيا. إن موقفها السياسي صعب لأنها عالقة بين دعمها للمغرب وعلاقتها المتوترة مع جارتها الجزائرية المتصلبة، المعادية لأي شكل من أشكال الاندماج في المغرب الكبير،
أما بالنسبة لموريتانيا، فمن خلال روابطها العضوية والعشائرية والتاريخية والسياسية بقبائل الصحراء، يمكنها أن تلعب دور رجل الإطفاء ضد هجومات البوليساريو. منذ هذه القضية، عانت موريتانيا من أضرار اقتصادية كبيرة، أمنها القومي وحدودها مهددة، وتعرضت لضغوط سياسية مزدوجة، سواء من الانفصاليين أو من الجزائر منذ أيام الرئيس المخلوع ولد دادا، دعونا لا ننسى أن موريتانيا كانت مضطرة للخروج من اتفاقات مدريد إثر الانقلاب العسكري المدعوم من بومدين والقذافي، كما أنها عالقة بين حتمية تنميتها، والتي تنطوي حتماً على علاقة سلمية مع المغرب، ومراعاة أمنها الداخلي بالنظر إلى الروابط القبلية بين الشعب الموريتاني واللاجئين من تندوف رهائن البوليساريو، أخيرًا، تخشى عدم القدرة على التنبؤ بجنون الطغمة العسكرية في الجزائر، يتألف مجالها الوحيد للمناورة من الإدارة المشتركة لما يسمى بمنطقة قندهار من خلال إعادة إنشاء خط حدودي جديد على أساس محو الخرائط للمنطقة منزوعة السلاح في انتظار النتيجة النهائية للنزاع في الصحراء.

هل سيكون هناك تغيير في إدارة هذه الأزمة السياسية بين المغرب والجزائر بعد وصول رئيس ديمقراطي (جون بايدن) إلى البيت الأبيض؟

الإدارة الأمريكية تعتبر على غرار الماضي، (جيمس باكر وأوباما اللذين يعتبران أزمة الصحراء نزاعًا ضعيف الكثافة) أن الأمم المتحدة لوحدها قادرة على إيجاد حل سياسي. الرئيس الأمريكي المستقبلي جون بايدن لديه أولويات جيوسياسية رئيسية أخرى (الصين، عالم متعدد الأقطاب، إيران، الصراع الإسرائيلي الفلسطيني)، ويجب أن يستجيب للتحديات الداخلية (كوفيد -19 ، إنعاش الاقتصاد ، تماسك أمريكا ممزقة). ومع ذلك، فإن السياسة الأمريكية، من حيث المبدأ، لا تفضل الانفصالية، ولا إنشاء دول جديدة في إفريقيا. من ناحية أخرى ، تعتبر المغرب شريكًا استراتيجيًا (محاربة الإرهاب، الترويج لإسلام وسيط والمتسامح، المناورات العسكرية المشتركة، اتفاقيات التجارة الحرة). من المرجح أن تستمر أمريكا في دعم المغرب على مستوى مجلس الأمن على نفس الأساس مثل فرنسا، يمكن للرئيس الأمريكي جون بايدن أن يحفز المفاوضات بين أطراف النزاع في الصحراء من خلال دعوتهم للمضي قدمًا نحو حل سياسي تلتزم به الدول الثلاث القائمة، المغرب والجزائر وموريتانيا، وفي نفس الوقت، وعلى الهامش، المنظمة الانفصالية…


الكاتب : باريس- يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 03/12/2020

أخبار مرتبطة

  بالنسبة لقارئ غير دروب بالمسافات التي قطعها الشعر المغربي الحديث، فإنّه سيتجشم بعض العناء في تلقّي متن القصائد الّتي

« القصة القصيرة الجيدة تنتزعني من نفسي ثم تعيدني إليها بصعوبة ، لأن مقياسي قد تغير ، ولم أعد مرتاحا

أكد على أن تعامل الحكومة مع القطاع ومهنييه يساهم في اتساع دائرة الغموض والقلق   أكد ائتلاف يضم عشر جمعيات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *