العاملون في قطاع «التهريب» بالمغرب، أحد المتضررين المسكوت عنهم من جائحة كوفيد 19

ناقشت الصحافية غالية القاديري، على عادتها في موقع جريدة «لوموند» الإلكتروني، موضوعا جديدا مثيرا للاهتمام، يخص تداعيات الأزمة الصحية لكوفيد-19، في المغرب وتحديدا على قطاع مهم في النسيج الاقتصادي الوطني، بالرغم من قلة القيل والقال عليه خلال الأزمة، ألا وهو قطاع «التهريب» في المغرب، الذي يعيش كباقي القطاعات الاقتصادية، على التداعيات السيئة لإغلاق الحدود، خاصة البرية والبحرية بين المملكة ودول الجوار، أو في بعض مناطق المملكة الحدودية، على غرار شمال المغرب.
يبدو السخط واضحا على وجوه التجار، تحديدا بسوق «الجوطية» في درب غلف، ذلك المكان ذائع الشهرة في العاصمة الاقتصادية والمدن المجاورة، كيف لا وهو من أبرز الأسواق غير المهيكلة في المغرب، حيث تعرض العديد من المنتجات التقنية والأثاث، علاوة على الكثير من السلع المقلدة للعموم، غير أنه يعيش على انتكاسة صاحبت قدوم فيروس كورونا إلى المغرب، كما قال محمد أحد العاملين فيه «في بداية الأزمة، تمكنا من بيع السلع التي كانت بحوزتنا، غير أننا قمنا بعد ذلك بزيادة أسعار بعض السلع غير المتوفرة في القطاع المهيكل. أما اليوم، فلا نملك أي شيء لنبيعه».
ساهم إغلاق الحدود المغربية الأجنبية، في 13 من مارس الماضي بسبب الجائحة، في توقيف عجلة النقل غير المهيكل (التهريب) بشكل مفاجئ، أدى إلى توقف عمل المستندين بشكل كلي على هذا النشاط من التجار، هذا بخلاف الحال بالنسبة للعاملين في القطاعات الرسمية، ليغيب شيئا فشيئا أثر كل منتوج مهرب، غياب أظهر للعلن مدى الحجم المالي لهذا القطاع، الذي يبلغ 20 مليار درهم (1.8 مليار اورو)، بحسب معطيات مديرية الجمارك المغربية.
لسنوات، كانت البضائع المهربة، عبر جيبي سبتة ومليلية المحتلتين، في شمال المغرب تغمر الأسواق الوطنية، والتي تتنوع ما بين الأغذية، المنسوجات، منتجات النظافة، الإلكترونيات، قطع غيار السيارات… موجهة نحو زبناء كثر، أكثرهم من محلات البقالة الصغيرة إلى الأسواق الكبرى ولواجهات التجارية الكبرى، محلات السيارات، صالونات التجميل وغيرهم الكثير..
تقول إحدى القائمات على صالون للحلاقة والتجميل، بالعاصمة الاقتصادية، حول تبعات الأزمة الوبائية على سوق التهريب، وعلى خصاصها من حيث السلع : « لقد كنت أستورد كل ما يخصني، من أوروبا وتركيا تحديدا، ليتكلف بإيصالها إلي (السلع) المهربون المحليون. لنكن صريحين : إن التهريب هو قلب هذا النظام». من جهة أخرى، انتقلت معظم شركات إنتاج الأغذية، إلى التعامل مع الموردين المحليين أو شركات الاستيراد الرسمية، بيد أن معظم تجار التهريب، لم يعودوا قادرين على إصلاح قنوات التوريد عبر التهريب، إذ صرح أحد مدراء الشركات بالقول «سأضطر للرفع من أثمنة بعض الخدمات، دون الحديث عن سلع التهريب أو السوق السوداء، بيد أننا لا نعلم متى ستستمر الوضعية على هذا الحال».

* التجارة غير النمطية والنساء «حاملات سلع الهريب»

في مدينة الرباط، أكدت مديرية الجمارك الوطنية، عملها على القضاء على ظاهرة التهريب. ففي اكتوبر سنة 2019، قررت المملكة للمرة الأولى في تاريخها، إغلاق «باب سبتة» الذي يعتبر أحد المعبرين الأساسيين الحدوديين، اللذين يفصلان بين اسبانيا والمغرب، منطقة معروفة بتبني «التجارة غير النمطية»، إذ وفقا للتعريفات الرسمية، فإن الرباط لا تعترف بالسيادة الاسبانية على المدينتين، وعليه فلا وجود لتعريفات جمركية بين المدينتين والأراضي المغربية. إن السلع القادمة من أوروبا نحو المغرب دون مراقبة، لا تطبق عليها الرسوم الجمركية، هذا لتدخل النساء « حاملات سلع التهريب» في عملية النقل كوسيط، تحملن على ظهورهن سلعا قد تودي بحياتهن».
إن هذه التجارة الغنية جدا، قديمة قدم التاريخ الانساني، فهي ليست بوليدة اللحظة. يقول نبيل الأخضر، المدير العام لإدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة، بأن « عددا قليلا من رجال العصابات، قد استغلوا سلسلة التوريد عبر التهريب، وتمكنوا من التنظيم الجيد لشبكة نقل البضائع المهربة أو من السوق السوداء، تحديدا في شمال المغرب، إذ بفضل هذه الشهرة بين العموم، تمكنت العديد من النساء من الحصول على قوتهن اليومي و البقاء على قيد الحياة».
من خلال الاعتماد، على شبكة نقل واسعة جدا، وطرق فساد راسخة منذ زمن، تمكن المهربون من إنشاء نظام اقتصادي متكامل قائم بذاته. يصرح أحد العاملين في مجال النقل : «في معظم الأحيان، إن النساء يتزودن بالمنتجات من إسبانيا، تكون قد أشرفت على نهاية صلاحيتها، أو في نهاية سلسلة حياتها، التي تتعمد الواجهات التجارية الإسبانية تغيير تاريخ صلاحيتها، بما في ذلك على المنتجات الطازجة». في السنوات الأخيرة، ضبطت الجمارك المغربية، عدة مستودعات مجهزة بآلات متخصصة في وضع العلامات التصنيفية على المنتجات. ويردف نفس الشخص «بمجرد وصولها إلى الدار البيضاء أو غيرها من المدن الكبرى، يتم بيع البضائع بسعر مخفض، لشبكة من تجار السوق السوداء المنظمين تنظيما جيدا».

* لا يمكننا الاستمرار
على هذا المنوال

يحرم مجال أو قطاع التهريب، المملكة المغربية مما بين 4 إلى 5 مليارات درهم من العائدات الضريبية، نقص مالي كبير لديه بصمة إضافية على القيمة البشرية، على غرار الحادثة المأساوية التي راحت ضحيتها، قرابة 4 من النساء العاملات في تحميل البضائع سنة 2017. يقول رئيس مديرية الجمارك متنهدا : «بمرور الوقت، كنا قد بدأنا في تنظيم مرور تلك «الناقلات النسائية»، هذا من خلال إنشاء ممر مخصص للتهريب من أجل فصل التدفقات البشرية»، ويردف «نحن، كدولة، وجدنا أنفسنا مجبرين على أن ننظم هذا التهريب، الأمر أشبه بكرة كنا نجرها ولم نكن نعرف كيف نديرها. صحيح أن إغلاق الحدود بسبب فيروس كوفيد-19 ساعدنا على ذلك، لكننا اتخذنا بالفعل القرار الشجاع بإغلاق «باب سبتة»، كما كنا ننوي أن نفعل الشيء نفسه في مليلية».
يعاني التجار، الذين يحرمون من سبل عيشهم من خسائر كبيرة، تتفاقم بسبب الأزمة المرتبطة بآثار الجائحة الوبائية على الاقتصاد المغربي. يتجلى ذلك بشكل خاص، في الشمال حيث يشكل التهريب، المحرك الاقتصادي الرئيسي، للمنطقة الحدودية بأكملها. في مدينتي «الفنيدق» و«المضيق»، أُدلت التجارة ستائرها، في مدينتين تجاريتين صغيرتين، تعتمدان كليا على حركة التهريب، فبالرغم من تخلي النساء على هذا العبء، غير أنهن يبقين في نهاية المطاف دون عائد مالي. يعقب نبيل الأخضر قائلا : «أفضل أن أرى تلك النسوة في مصنع مع بلوزة، على أن يحملن من 50 كلغ من السلع على ظهورهن!». لم يعد بمقدورنا الاستمرار على هذا المنوال، الذي يضر كثيرا بصحة المستهلك. يجب أن لا ننسى أن هذه المنتجات، لا يمكن تتبعها ولا يمكن التحكم فيها، إنها منتجات حساسة، التي تتطلب ظروف تخزين خاصة، على غرار قطع الشوكولاتة ومنتجات الألبان ومنتجات الأطفال».
في الأخير، كانت السلطات قد أعلنت مسبقا، عن بناء منطقة صناعية في المنطقة، بغرض توفير فرص عمل، سواء لشركات النقل و للمتاجرين، كما استلهمت مبادرات لتشجيع إعادة تدريبهم (العاملين في التهريب) من خلال برامج للتدريب العملي، غير أن الأزمة الصحية جاءت بما لا تشتهيه سفن القائمين على المبادرات، لتؤدي في الأخير إلى تباطؤ تنفيذ هذه المشاريع.
من جهة أخرى، تم العمل على استدعاء المهربين الرئيسيين، بغرض الولوج إلى الدائرة القانونية للاستيراد التجاري، أي من خلال استيراد البضائع عبر ميناء طنجة ميد.
يقول نبيل الاخضر: «لقد تقبل ووافق الكثير منهم بالفعل، وقد التزمنا بمساعدتهم من جهتنا، إلا أن الاختفاء التام لتجارة التهريب لا يزال طوباويا». بالنسبة للمنطقة العازلة في «الكركارات»، على الحدود مع موريتانيا، يواجه موظفو الجمارك آفة أخرى: تهريب السلع القادمة من الصين.


الكاتب : ترجمة : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 23/10/2020

أخبار مرتبطة

  بالنسبة لقارئ غير دروب بالمسافات التي قطعها الشعر المغربي الحديث، فإنّه سيتجشم بعض العناء في تلقّي متن القصائد الّتي

« القصة القصيرة الجيدة تنتزعني من نفسي ثم تعيدني إليها بصعوبة ، لأن مقياسي قد تغير ، ولم أعد مرتاحا

أكد على أن تعامل الحكومة مع القطاع ومهنييه يساهم في اتساع دائرة الغموض والقلق   أكد ائتلاف يضم عشر جمعيات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *