الفنان مولاي عبد الله العمراني وغياب واجب الذكرى

14 من شهر مايو المنصرم تمر سنة على رحيل احد أعمدة المسرح المغربي الفنان الكبير الأستاذ مولاي عبد الله العمراني ، و هو نفسه تاريخ الاحتفاء باليوم الوطني للمسرح (14 مايو)، و تمر أسبوعان و نحن ننتظر عسى أن تأتي بادرة واجب إحياء الذكرى الأولى لرحيل الفنان المغربي الشامخ مولاي عبد الله العمراني، لكن للأسف، فإذا كان إغفال واجب الاحتفاء بهذا الرمز من طرف المؤسسات المسؤولة عن شؤون الفن و الفنانين بالمغرب، فإن الخطب أعظم و أهول أن تهمل هذا الواجب المؤسسات المعنية بمدينته مراكش التي كانت تحتل من قلبه، رحمه الله، المكانة المقدسة، لازلت، بالمناسبة، اذكر المهزلة التي نظمتها هيئة منتخبة بمدينة مراكش قبل سنة عندما أقاموا للرحيل ما أسموه حفل تأبين بصيغة مستهجنة قد أثارت حفيظة روح الفقيد الكبير و هو في قبره حديث العهد بلقاء ربه، و كان روحه الطاهر متذمرا من ( حفلهم ) الساقط الذي يندرج في إطار حملاتهم الانتخابية الرخيصة دون مراعاة للقيم الرفيعة في ارتباطها بكيان إنسان عاش حياته يعطي وطنه من ذوب الروح و الفكر فنا يرقى بالنفوس و يتسامى بالوجدان، أين المسؤولون من فئة المنتخبين الذين ابنوا الراحل بالأمس و هم اجهل ما يكون بطقوس التأبين؟؟ هل لديهم بمصلحة الثقافة أجندة خاصة بهيئتهم المنتخبة؟؟ بل أصلا هل لديهم ذاكرة؟ هذا و مبدعو مدينة الحمراء مراكش يتساقطون كأوراق الشجر ..، في فصل الخريف، بعد عمر قضوه في خدمة الوطن، هل تذكرتهم هيئتنا المنتخبة التي قامت ، قبل سنة، بتأبين الراحل الشامخ المبدع مولاي عبد الله العمراني؟؟ اكتب هذا الاحتجاج الصارخ في عمق الحق، و اشعر صدقا بروح هذا المبدع الكبير تتلظى من ألم حفلهم الساقط، و في ذات الوقت استجمع العزيمة و أدعو فناني مدينة مراكش الذين يشتغلون في مختلف حقول الإبداع أن يؤسسوا لاتحاد يحمي حرمهم المقدس من تسلل فيروسات الحملات الانتخابية التي يستغل ضعفهم و حاجتهم و هو موزعون، باسم العناية بالفن و رعاية المشتغلين فيه، أعود إلى الفقيد الراحل، و قد أغفلت مدينته واجب إحياء ذكراه الأولى، و استعيد بألم الظروف الصحية العصيبة التي عاشها الفنان الكبير مولاي عبد الله العمراني مع تدهور صحته، متنقلا بين مصحات المدينة، و قد تخلى عنه الجميع حتى الذين كان يعطيهم خلاصة الزبد من تجربته الإبداعية و يؤطرهم، إلا ثلة قليلة ظلت تواكبه، و ظل برفقته مسرحي واحد من أوفياء العهد القديم المسرحي النبيل الأستاذ مولاي احمد العاديلي شفاه الله، أتساءل بمرارة و أنا استعيد العديد من المواقف التي عاينتها من خلال متابعتي لوضعه الصحي، أتساءل بمرارة : أين كانت الهيئة المنتخبة التي ابنته بعد وفاته و هو كان أحوج ما يكون في ظرفه إلى غلاف مالي لتسديد مجموعة من التحليلات الطبية؟ و عندما رحل إلى دار البقاء تقيمون له تأبينا؟؟ سخرية و رب الكعبة، و اغتيال ، وكيف كانت الهدايا؟؟ زرابي منفوشة و أواني ، وقيم رفيعة تغتال تحت تصفيقات أقزام قد اجتمعوا لتأبين هرم شامخ، و لهؤلاء أقدم تعريفا مختصرا بهذا الصرح الكبير يمثله فنان عظيم، و مكامن العظمة في شخصه الفذ تكمن في كبريائه الذي كان لا يسمح له بالتملق ، عاش بسيطا في شخصه، عظيما في إبداعاته، قويا في مشاعره الوطنية الصادقة، أحب مراكش و أهلها الطيبين النبلاء، تاريخه الفني اكبر من أن نخصص بله سجلا حافلا لأبناء الوطن من القادمين.
ولد الراحل المسرحي الكبير الأستاذ مولاي عبد الله العمراني بمدينة مراكش عام 1941، التحق بمدرسة الأبحاث المسرحية المسرحية بالرباط عام 1959 وتخرج فيها بتفوق، وفي العام 1962 التحق رحمه الله بالفرقة الوطنية للمسرح، فشارك في عدة أعمال اختلفت بين المسرح والتلفزيون والسينما إلى جانب كبار أعمدة السينما الدولية، وفي العام 1972 التحق الفنان الكبير مولاي عبد الله العمراني للعمل بفرقة الإذاعة والتلفزة المغربية ممثلا ومخرجا، وفي العام 1969 فاز بجائزة أحسن ممثل في المهرجان الإفريقي الأول بالجزائر، كما فاز بجائزة أحسن ممثل للدراما التلفزية عام 2005، وبالجائزة التقديرية لعضويته بفرقة المعمورة، وللإشارة فالفنان مولاي عبد الله العمراني قد حاز شرف الاعتراف به من لدن الشركة الدولية بباريس لحقوق التأليف كمؤلف و مقتبس، و تكللت حياته الفنية رحمه الله بوسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الأولى الذي انعم به عليه جلالة المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني قدس الله روحه.
عاش في أخريات أيامه معاناة شديدة مع المرض، و أجرى عملية جراحية على رأسه، وبرغم ذلك لم تتحسن حاله، فظل يعاني بين أمل قليل و يأس كبير طريح الفراش إلى أن لبى نداء ربه مساء الرابع عشر من شهر مايو عام 2019 ، يومه الأخير من رحلة العمر الحافل الذي كان هو نفسه اليوم الوطني للاحتفاء بالمسرح، رحمه الله رحمة واسعة،وتحية إجلال لروحه الطاهر،وسلام على امة بدون ذاكرة.


الكاتب : مراكش:  أحمد رمزي الغضبان

  

بتاريخ : 08/06/2020